279

وحی و واقع: تجزیہ مواد

الوحي والواقع: تحليل المضمون

اصناف

ولما كانت الشعوب الإسلامية باستثناء البعض مثل ماليزيا وتركيا وإيران ضمن الدول النامية، حينئذ يكون معنى التنمية الدول التي تخطط للتنمية المستدامة وليست الدول الوسطى بين الدول المتخلفة والدول المتقدمة. ويكون للتنمية معناها الدائم حتى عند الدول المتقدمة. فالتنمية موقف الإنسان من الطبيعة سيدا لها ومسخرا لقوانينها. وهي جانب من عملية التقدم الشاملة في الكون والتاريخ. (3) الهوية والتغريب

إذا كانت القضية الأولى في اليسار الإسلامي تحرير الأرض استكمالا لحركات التحرر الوطني ضد الهيمنة الجديدة وعودة الغزو العسكري للأوطان كما حدث في العراق، وكانت الثانية حرية المواطن ضد صنوف القهر الداخلي من نظم الحكم، والثالثة العدالة الاجتماعية ضد التفاوت الشديد بين الأغنياء والفقراء، بين من لا يملكون أي شيء ومن يملكون كل شيء، والرابعة توحيد الأمة على المستوى الوطني أولا ثم العربي ثانيا ثم الإسلامي ثالثا طبقا لنظرية الدوائر الثلاث، الوطن والعروبة والإسلام، والخامسة التنمية المستقلة المستدامة ضد الاعتماد على الخارج والمعونات الأجنبية حتى تستهلك الأمة ما تنتج. فإن السادسة هي الدفاع عن الهوية ضد مظاهر التغريب، وإثبات الأنا ضد الآخر، وهو ما سماه الفلاسفة المعاصرون «الاغتراب»، أي تحول الأنا إلى آخر والذوبان فيه، وفقد هويتها بحيث يصبح الأنا غريبا على نفسه، فاقدا لهويته. والاغتراب في حياتنا المعاصرة تغريب؛ لأن الآخر الذي يستقطب الأنا هو الغرب. فأصبح الاغتراب تغريبا بالضرورة أي الانبهار بالغرب واعتباره هو النموذج الوحيد للتحديث. ومن لم يكن غربيا فهو ليس حدثيا، أو أصولي سلفي.

والتغريب هو أولا ظاهرة ثقافية تعبر عن الاعتداد بالنفس وهويتها المستقلة وكيانها الذاتي. تعبر عن نفسها من خلال الثقافة الوطنية التي تحمي هوية الشعب وخصوصيته. كما تتجلى في الفن وأساليب العمارة وطرز البناء، وفي الزي الشعبي مثل الجلباب والعباية والخف بعد أن اختفى الطربوش التركي، وفي الأثاث العربي المعروف باسم «الأرابيسك» وفي أنواع الأطعمة الشرقية الشهيرة. وتتمسك كل الشعوب بذلك. فهناك الطراز الصيني والياباني والكوري والهندي والماليزي والإندونيسي والتركي والإيراني والعربي والأفريقي والأوروبي. هذه الخصوصيات والتعددية الثقافية والفنية هي أساس التعارف بين الشعوب المختلفة اللغات والمشارب من أجل التعارف والإثراء المتبادل. ثقافات متعددة وحضارة إنسانية واحدة. ويقطع الناس الفيافي والبحار ويعبرون القارات للتعرف على ثقافات الشعوب الصينية واليابانية والهندية والفارسية والمصرية القديمة والعربية. يعشقون الآخر، ويتمثلون ثقافاته وفنونه حتى أصبحت السياحة لدى بعض الدول المصدر الأول للدخل القومي. كما أن التمسك بالهوية ليس مجرد عود إلى الماضي بل هو حفاظ على الاستمرارية في التاريخ وعلى الهوية المتجددة بين الماضي والحاضر والتي يساهم فيها كل جيل. هي موطن الإبداع، فلا معاصرة بلا أصالة، ولا جديد بلا قديم، ولا تحديث بلا تراث. لذلك أضيف إلى اسم بعض وزارات الثقافة «والتراث القومي»، بالإضافة إلى مصلحة الآثار والمهرجانات التراثية الشعبية التي تقام كل عام على الصعد الوطنية والعربية والعالمية.

والأهم من ذلك كله هو الأثر السياسي لقضية الهوية والتغريب؛ إذ تعني الهوية الاستقلال الوطني، والإرادة الوطنية المستقلة، والثقل السياسي، والتمسك بالثوابت الوطنية، وبالأمن القومي القائم على الجغرافيا والتاريخ والذى يعبر عن الموقع والموقف، تعني الهوية رفض الدخول في الأحلاف السياسية والعسكرية التي تجعل الدول الوطنية ملحقة بالدول المركزية الكبرى، وتبعية الأطراف للمركز كما كان الأمر في حلف وارسو، وكما هو قائم الآن في حلف شمال الأطلنطي ومشاركته في الغزو الأمريكي لأفغانستان. تفقد الدول شخصياتها، وتتصف مواقفها السياسية بالميوعة، ويغيب التعاون الإقليمي والاعتماد المتبادل بين دول الجوار. وتفقد قدرتها على التأثير في موازين القوى العالمية، وتعجز عن لعب أي دور مؤثر في السياسة الدولية.

مخاطرها بطبيعة الحال في تحدي القوى الكبرى ورغبتها في الهيمنة على الدول الصغرى لتأمين مصادر الطاقة، والاقتراب من روسيا والصين، ومقاومة سياسة الأحلاف كما فعل عبد الناصر في مقاومة حلف بغداد في 1954م، والحلف الإسلامي بين طهران وكراتشي في 1965م، ورفض إقامة أي قواعد عسكرية في مصر والوطن العربي، وهو ما تفعله الثورة الإسلامية في إيران الآن دفاعا عن حق إيران في الطاقة النووية مثل باكستان والهند شرقا وإسرائيل غربا وامتلاك كل القوى الكبرى غربا وشرقا لها.

والدفاع عن الهوية ضد التغريب هو روح القرآن والحديث تمسكا بالهوية الثقافية والشخصية المستقلة في سورة الكافرين،

قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين . وتتكرر بعض الآيات مثل،

ولا أنتم عابدون ما أعبد

للتأكيد. كذلك يرفض القرآن موالاة الآخر العدو مثل اليهود والنصارى،

ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم . ومن يواليهم يصبح منهم،

نامعلوم صفحہ