الحياة إذن ليست بالتمني بل بالجهد والعمل والكسب والاجتهاد والاعتماد على القدرة الذاتية. التمني ذاتية بلا موضوعية، أهواء ورغبات مستحيلة التحقيق. والإسلام دين واقعي،
وإن الدين لواقع . التمني فضاء فسيح للتفريج عن النفس والتعبير عن الأحلام والتعويض عن الرغبات المكبوتة. ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى.
التمني طلب النفس أقصى ما تريد لدرجة إنكار الواقع، وهو ما يستحيل تحقيقه. والواقع هو طلب النفس ما يمكن تحقيقه. التمني تكليف ما لا يطاق. والواقع تكليف ما يطاق. التمني هو ما سماه الفلاسفة المثاليون «المثال» ونقده الواقعيون بأنه وهم من صنع الخيال. فلا تتحرر فلسطين بالتمني ولكن بالفعل. ولا تتحقق مطالب الأمة في التحرر والحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية والتنمية والهوية وحشد الأمة بالتمني ولكن بالعمل على تحقيقها. لذلك كثر اتهامنا بأننا نعبر دائما عن فكر بالتمني
Wishful Thought . التمني في هذه الحالة أقرب إلى أحلام اليقظة والرؤى والمنامات والأحلام التي سرعان ما تبدد حين اليقظة.
التمني هو أمل زائف لا يفيد العاجز والمحبط والضعيف والكسول. فمجموع الخطأين لا يكون صوابا: التمني والعجز. وقد خرجت كثير من الأمثال العامية في هذا المعنى كبائعة اللبن التي بعد بيعها وشرائها بثمنه ثروة حيوانية تغنيها، وبها تشتري الأرض، وتبني المنزل لتقطن فيه، ثم فجأة تتعثر ويقع اللبن على الأرض وتتحطم الأماني والأحلام. ومثل المثل الشعبي «فلسنجي بنى له بيت، طمعنجي سكن له فيه».
الفصل الثاني
الإسلام التعددي
(1) الإسلام المستنير
وسط هذا الانتشار الواسع للإسلام «الأصولي» بفعل تركيز المستشرقين والقوى السياسية الغربية والذي يسمى أحيانا أخرى الإسلام السلفي أو الإسلام النصي، ومن خلال سيادة الإسلام المحافظ والذي يسمى أيضا الإسلام التقليدي المنغلق، ومن ثنايا الإسلام العنيف الرافض الذي وصف بالإرهاب في الخارج والداخل، والذي أصبح ذريعة لغزو الشعوب من قوى الهيمنة والاستعمار الجديد كما حدث في أفغانستان والعراق والشيشان وكشمير والصدام مع الحركات الإسلامية في الداخل في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا، وسط هذا الركام كله يبرز الإسلام المستنير كإسلام مغاير، يدعو إلى الحوار الوطني وبناء الجسور مع التيارات المتنازعة، وبدأ الحوار بين الدولة وخصومها بدلا من الاستقطاب الحالي الذي أصبح يهدد وحدة الأوطان ويدفعها إلى حروب أهلية بين الإخوة الأعداء. مهمته إزالة الاستقطاب بين الدولة وخصومها الإسلاميين وإنهاء العنف المتبادل بينهما، ليس فقط عن طريق التائبين والمراجعين، توبة الجماعات داخل السجون ومراجعاتهم العلنية لمواقفهم السابقة، وليس أيضا عن طريق إدماجهم في الحياة الاجتماعية والسياسية ولو عن طريق الاحتمال بل عن طريق إقامة حوار فعلي ضمن الحوار الوطني من أجل مصالحة تاريخية بين الدولة وخصومها، وإعادة ترتيب البيت من الداخل من أجل إقامة جبهة أو ائتلاف وطني عريض ضد المخاطر الخارجية، وأقلها الغزو المباشر من الخارج لتخليص المنطقة من النظم التسلطية حتى ولو على أسنة الرماح كما حدث في العراق من أجل إقامة نظم حرة وديمقراطية، وحماية الجبهة الداخلية من شق الصف الوطني دون انفراد الحزب الحاكم بالسلطة، وضرورة المشاركة السياسية للجميع. مهمته أيضا تحقيق حوار وطني بين مختلف القوى والأحزاب السياسية في البلاد دون هذا الخصام المفتعل بين الإسلاميين والعلمانيين، صراعا على السلطة إذا ما ضعفت الدولة، وعجزت اختياراتها السياسية عن تحقيق الاستقلال الوطني ومصالح الشعوب، بدلا من أن تقوم الدولة بالتخلص من الإسلاميين باستعمال العلمانيين مرة أو بإزاحة العلمانيين باستعمال الإسلاميين مرة أخرى حتى يضعف الجناحان الوريثان للنظام القائم.
مهمة الإسلام المستنير أيضا إفراز نوع من التعددية الفكرية والسياسية داخل الحركات الإسلامية والتيارات العلمانية على حد سواء. فالإسلاميون ليسوا تيارا واحدا. بهم وسط ويسار ويمين . وبهم صراع بين الرعيل الأول والأجيال التالية. الحوار الداخلي بين الأجنحة داخل كل تيار يقرب التيارات بعضها من البعض الآخر. والعلمانيون ليسوا تيارا واحدا. فهناك علمانيون يقبلون الإسلام الليبرالي والوطني والعقلاني والتقدمي والاشتراكي.
نامعلوم صفحہ