ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، فالعلم ليس نظريا فحسب، معرفة من أجل المعرفة، بل هو علم من أجل منفعة الناس في الدنيا،
ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم . العلم هو العلم النافع كنظرية عامة في العلم بصرف النظر عن الإيمان أو عدم الإيمان، العلم هو ما يفيد الناس، وما يحقق لهم مصالحهم دون أن تكون المنفعة هي الحقيقة كما هو الحال في المذهب النفعي أو البرجماتية. الحقيقة تحقق المنفعة دون أن تكون المنفعة هي الحقيقة.
الفصل السادس
العمل
(1) الإصلاح
تتعدد المواقف بالنسبة لعلاقة الدين بالدولة أو الدين بالمجتمع أو الدين بالحياة، وهي ثلاثة: الموقف السلفي التقليدي الذي كان سائدا في الدولة العثمانية أثناء فترة ضعف الخلافة. ويمثله أبو الهدى الصيادي شيخ الإسلام في حلب، وكان يدعو إلى استمرار الخلافة بحسنها وقبحها كمسألة مبدأ وعقيدة، رمزا لوحدة الأمة، ودفاعا عنها ضد الطامعين فيها لتقطيع أوصالها، والتهامها جزءا جزءا من الدول الكبرى في ذلك الوقت، وهو ما حدث بالفعل بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى. والثاني الموقف العلماني الذي كان يمثله حزب «الاتحاد والترقي» أو «تركيا الفتاة»، وكان يمثل القومية الطورانية، وإلغاء الخلافة، والعودة إلى الحدود الطبيعية التركية، وتبني النموذج الغربي بحذافيره مثل الفصل بين الدين والدولة، وتغيير الحروف العربية إلى حروف لاتينية، وتقليد الغربيين في أساليب حياتهم، لباسهم وطعامهم وعمارتهم وفنونهم، وهو الموقف الذي قاده مصطفى كمال الذي نجح في طرد الجيش اليوناني الذي كان على أبواب أنقرة في قلب هضبة الأناضول، والثالث الموقف الإصلاحي الذي قاده جمال الدين الأفغاني «لوثر الشرق» وتلاميذه. كان يبغي تحديث الخلافة دون القضاء عليها، والقضاء على الفساد فيها دون هدمها، والدعوة إلى اللامركزية للتخفيف من بطش السلطنة، ورعاية مصالح الأقاليم. وشاركه في ذلك شبلي شميل «حكيم الشرق» من العلمانيين العلميين، للدعوة إلى تأسيس الدستور والبرلمان للمراجعة على قرارات السلطان، وتقييد سلطته المطلقة، وهو التيار الذي لم ينجح في عصره بالرغم من محاولات التحديث في «التنظيمات»، وربما يحن حزب العدالة والتنمية الآن إلى الموقف الإصلاحي من جديد بعد تأزم الموقف العلماني وظهور حدوده، وهو الموقف الذي يعود من جديد في الثورة الإسلامية في إيران عند الرئيس خاتمي والإصلاحيين، وفي المغرب في حزب العدالة والتنمية وسط الاستقطاب الشديد بين السلفيين والعلمانيين في مصر وليبيا وتونس والجزائر وسوريا والسودان.
ويتضمن الإصلاح التغير التدريجي للمجتمعات الإسلامية ابتداء من القضاء على الفساد، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح بالوسائل السلمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، والحسبة، وخطب المساجد، والدروس الدينية، واللجوء إلى القضاء إذا لزم الأمر. وإن لم تنجح هذه الوسائل واستمر الفساد والظلم من الأئمة فالخروج على الحاكم الظالم واجب شرعي، ولا يكون الخروج بالضرورة بالسلاح بل يمكن بالعصيان المدني، والمظاهرات الشعبية، وضغط الرأي العام، وتجنيد الناس.
وهو ما يتفق مع معاني لفظ «الإصلاح» في القرآن الكريم. فهو لفظ شائع يتكرر. ذكر حوالي مائة وثمانين مرة، أسماء أكثر، حوالي مائة وخمسين مرة، وأفعالا أقل، ثلاثين مرة. فلا إصلاح بلا صالح وصالحين وصالحات ومصلح ومصلحين وإصلاح. يعني الإصلاح بين الناس والصلح بين الأزواج، والصلاح في الأعمال.
النبوة إصلاح في الأرض، بل إن صالح اسم نبي، والعمل الصالح دليل على نبوته،
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، فلا يوجد صاحب دعوة للإفساد، الإصلاح اتجاه نحو الكمال، وتحرك نحو المثال، ومهمة الوحي الإصلاح في الأرض، وهو دور الإنسان. فإصلاح الأرض أمر طبيعي ضد الإفساد فيها،
نامعلوم صفحہ