============================================================
الوحيد في سلوك أهل التوحيد وإن كان ذلك فهي إشارات للمعنى واستعارات عن المعنى، وإنما نحن نضرب الأمثال على تقارب الحقائق والأحوال، فإن تحليات الجمال بما يقابل القلوب بالصقال عند استعداد القلوب لرؤية المحبوب، فحيث تتجلى صورة الجمال على قلب المحب مع هذا الاستعداد يستوفيه ويستولى عليه ويلهيه ويغيبه عن نفسه ويذهله عن رسمه كما قيل: فأبهث لا عرف لدى ولا نكر وما هي إلا أن بدت لي فجاة وأصل هذه الأبيات: وإني لتغروني لذكراك فثرة كما انتفض العصفور بلله القطر أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمزه الأمر لقد تركتيني أحسد الوحش أن أرى الفين منها لا يروعهما الذغر ت لسعي الدهر بين وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر فأبهث لا عرف لدى ولا تكر وما هي إلا أن بدت لي فجأة ويا سلوة الأيام موعذك الحشر(1) فيا حبها زدني جوي كل ليلة وإنما هي من الأسرار الإلهية التي لا تدركها العقول، ولا تخالطها الأوهام والالتباس ولا تخرج في صورة المثال، ولا تنحصر بقيل ولا قال، ولا تشهد حقيقتها بالعيان ولا يقوم عليها الدليل والبرهان؛ إذ هي الشاهدة لنفسها والظاهرة بآثارها على من اتصف والحقائق في أنفسها شواهد لأنفسها والدليل لها حجاب عليها، ألا ترى أن الله تعالى شهد لنفسه بالألوهية والوحدانية؛ إذ لا يشهد لذاته العلية بحقيقة معرفته سواه فقال تعالى: شهد الله أنه لا إله إلأ هو والملائكة وأؤلوا العلم قائما بالقسط لا إله إلأ هو العزيز الحكيم) [آل عمران:18].
وكرر الشهادة، وذكر أولو العلم؛ إذ الشهادة بالعلم غير الشهادة بالنوق، فمن (1) الأبيات من الطويل، وهي لأبي صخر الهذلي في ديوانه البيت الأول مطلعها، وفي الحماسة البصرية اللبصري ص (824)، وتم تصحيح ما صحف منه في الأصل
صفحہ 75