صلى الله عليه وسلم
قبلة مساجدنا صدورها. اذهب فإنا لم نؤمر بالصخرة، ولكن أمرنا بالكعبة. *
ومنذ هذا اليوم ارتفعت تحت سماء أورشليم جدران هيكل سليمان القديم الذي هدمته المسيحية؛ لأنه كان السبب في صلب صاحب شريعتها.
وقد أقام عمر في بيت المقدس من يوم الإثنين إلى يوم الجمعة * فلما كان يوم الجمعة كان عمر قد فرغ من تخطيط مسجده، وعزم على الصلاة فيه بالمسلمين * فيظهر أن الروم بعد أن شاهدوا العرب من قريب ازدروا بهم واستضعفوهم، وندموا على مصالحتهم، فتآمر بعض غلاتهم على نقض الصلح، والهجوم على أمراء المسلمين في يوم الجمعة في المدينة، فإذا قبضوا عليهم أو قتلوهم بقي المسلمون بلا قواد؛ فيضعف أمرهم وتتفرق كلمتهم
4
فلما علم البطريرك بهذه المؤامرة غضب، وبعث ينذر المحرضين عليها بسوء المنقلب إذا خانوا العهد. فبدا لهؤلاء المحرضين أمر آخر وهو أنهم أوعزوا إلى فريق من أهل المدينة أن يبدوا زيناتهم وأموالهم، ويخرجوا الحسان إلى الأسواق والشوارع لعل العرب يمدون أيديهم إلى تلك الأموال والنفائس؛ فيكون لأهل المدينة عذر في نقض الصلح. فبينما كان عمر يستعد لصلاة الظهر في يوم الجمعة وإذ قد وفد عليه رسول من قبل البطريرك ومعه القس الترجمان فأدخلوهما على عمر، وكان الشيخ أبو أستير واقفا مع أستير في ذلك الحين بعيدا عن مضرب الأمير في دائرة الحرم يريها حدود هيكلهم القديم. فلما مر الرسول والترجمان من أمامهما صاحت أستير، وامتقع لونها. ذلك لأن هذا الرسول كان إيليا.
ولكن إيليا لم ينتبه للفتاة وأبيها، فبقي داخلا مع الترجمان على الأمير عمر، ولما مثل بين يديه أخبره من قبل البطريرك بما قصده بعض متحمسي العوام، وسأله أن يوصي قومه بأن لا يدعوا لهم سبيلا إلى ما يريدونه. فسر عمر بصدق نصيحة البطريرك، وأوصى المسلمين في صلاة الجمعة بما أوصى، وبعد الصلاة ذهب أبو عبيدة يتجول بنفسه في الأسواق مع بعض رجاله، وكلما وقعت أنظارهم على الحلي والنفائس والنساء الحسان كانوا يقولون: «الحمد لله الذي أورثنا ديار قوم لهم مثل هذا» *، وهكذا لم يلمس أحد من المسلمين متاعا لأحد من أهل المدينة. فلما سمع البطريرك بذلك قال: «لا يقوى أحد على هؤلاء ما داموا على ما هم عليه من التزام الحق».
5
وبعد أن أبلغ إيليا الإمام عمر هذه الرسالة بقيت عليه رسالة أخرى تقتضي مقابلة الأمير وحده. فاستأذن إيليا منه بالإنفراد به فأذن عمر في ذلك. فلما صار إيليا أمام الأمير وحده قال له بلسان رفيقه الترجمان: «أنا موفد أيضا من قبل البطريرك لأسأل الأمير ماذا فعل بالرق الذي دفعه إليه» - فلما سمع عمر ذلك مد يده إلى ثيابه، وأخرج الرق وقال: «أقرئ البترك السلام، وقل له: إن هذا ما أتى أوانه بعد، وربما عدنا إليه» فتناول إيليا الرق مختوما، ووضعه في جيبه.
ولما هم إيليا بالخروج من لدن الأمير ليعود بالرق والجواب إلى البطريرك قال له عمر: صبرا أيها الشاب فإن لي إليك حاجة. فقال إيليا: أنا طوع لأمر الأمير، فقال له الأمير: تربص هنا إلى ما بعد الصلاة فأخبرك عن حاجتي.
نامعلوم صفحہ