مَا بعد وَرَائِنَا وَرَاء، فصغرت نفوسنا، وفترت همتنا، وَضعف إحساسنا، فيئسنا من اللحاق والمجاراة؛ وَخَرجْنَا من ميدان المنافسة والمباراة وألسنتنا تفيض بقولنَا: " سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص. "؛ فعدنا إِلَى كَهْف النّوم مستسلمين للْقَضَاء، نطلب الْفرج بِمُجَرَّد التَّمَنِّي وَالدُّعَاء، ذاهلين عَن أَن الله تَعَالَى جلت حكمته، رتب هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا على أَسبَاب ظاهرية، وَلم يَشَأْ أَن يَجْعَلهَا كالآخرة عَالم أقدار؛ فَهَذَا الْيَأْس هُوَ سَبَب الفتور، فنسأل الله تَعَالَى اللطف من الْمَقْدُور.
أَجَابَهُ الْعَارِف التاتاري: أَن هَذِه شكاية حَال، وَلَا تفي بِالْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ مَا السَّبَب فِي هَذَا النّوم الَّذِي غشي الْمُسلمين، وَلم يزل يَغْشَاهُم دون كثير غَيرهم من الْأُمَم الَّتِي إنتبهت، وسارت، ولحقها ظعن الْأَحْيَاء، وَمَا الْمُسلمُونَ إِلَّا بعدين المنقطعين كَأَهل الصين، وَلَا هم بالمتوحشين العريقين كَأَهل أمريكا الأصليين.
ثمَّ قَالَ: أَنا أرى أَن عَارَضنَا فَقدنَا السراة والهداة: فَلَا أَمِير عَام حَازِم مطالع ليسوق الْأمة طَوْعًا أَو كرها إِلَى الرشاد؛ وَلَا حَكِيم معترف لَهُ بالمزية وَالْإِخْلَاص، لتنقاد إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وَالنَّاس؛ وَلَا تربية قويمة المبادئ، ينْتج مِنْهَا رَأْي عَام لَا يطرقه تخاذل وانقسام؛
1 / 58