قلت الرغبات فِي تَحْصِيل الْعُلُوم، وثبطت الهمم، وَصَارَ طَالب الْعلم يضْطَر للاكتفاء ببلغة مِنْهُ، ويشتغل بالاحتراف للارتزاق؛ وَهَكَذَا فسد الْعلم، وَقل أَهله، فاختلت التربية الدِّينِيَّة فِي الْأمة، فَوَقَعت فِي الفتور وعمت فِيهَا الشرور.
أجَاب الرياضي الْكرْدِي: أَن هَذَا الدَّاء خَاص بِبَعْض الْأُمَم الإسلامية، فَلَا يصلح سَببا للفتور الْعَام الَّذِي نبحث فِيهِ، ونتساءل عَنهُ؛ وَعِنْدِي أَن السَّبَب الْعَام، هُوَ أَن علماءنا كَانُوا اقتصروا على الْعُلُوم الدِّينِيَّة وَبَعض الرياضيات، وأهملوا بَاقِي الْعُلُوم الرياضية والطبيعية، الَّتِي كَانَت إِذْ ذَاك لَيست بِذَات بَال وَلَا تفِيد سوى الْجمال والكمال، ففقد أَهلهَا من بَين الْمُسلمين، واندرست كتبهَا، وانقطعت علاقتها، فَصَارَت منفورًا مِنْهَا، على حكم: (الْمَرْء عَدو مَا جهل)؛ بل صَار المتطلع إِلَيْهَا مِنْهُم يفسق ويرمى بالزيغ والزندقة، على حِين أخذت هَذِه الْعُلُوم تنمو فِي الغرب؛ وعَلى كرّ الْقُرُون، ترقت وَظهر لَهَا ثَمَرَات عَظِيمَة فِي كَافَّة الشئون المادية والأدبية، حَتَّى صَارَت كَالشَّمْسِ، لَا حَيَاة لذِي حَيَاة إِلَّا بنورها؛ فَأصْبح الْمُسلمُونَ مَعَ شاسع بعدهمْ عَنْهَا مُحْتَاجين إِلَيْهَا لمجاراة جيرانهم، احتياجًا يعم الجزئيات والكليات: من تربية الطِّفْل إِلَى سياسة الممالك، وَمن استنبات الأَرْض إِلَى استمطار
1 / 53