حسبها، وَقد أثر اسْتِمْرَار الْأمة فِي هَذِه الحروب أَن صَارَت بِاعْتِبَار الأكثرية أمة جندية صَنْعَة وأخلاقا، بعيدَة عَن الْفُنُون والصنائع وَالْكَسْب بالوجوه الطبيعية. ثمَّ بِسَبَب فقدان القواد والمعدات لم يبْق مجَال للحروب الرابحة، فاقتصرت الْأمة على المدافعات، خُصُوصا مُنْذُ قرنين إِلَى الْآن، أَي مُنْذُ صَارَت الجندية عِنْد غَيرهم صَنْعَة علمية مفقودة عندنَا، فصرنا نستعمل بأسنا بَيْننَا فنعيش بالتغالب والتحايل لَا بالتعاون والتبادل؛ وَهَذَا شَأْن يُمِيت الانتباه والنشاط ويولد الخمول والفتور (مرحى) .
ابتدر الحكم التّونسِيّ وَإجَابَة: أَن غَيرنَا من الأقوام، جرمانيًا مثلا، وجدوا فِي حكومات مُطلقَة كليا وَفِي اختلافات مذهبية وَفِي انقسامات إِلَى طوائف سياسية وَفِي حروب مستمرة، وَلم يشملهم الفتور بِوَجْه عَام؛ فَلَا بُد للفتور فِي الْمُسلمين من سَبَب آخر.
ثمَّ قَالَ: وَفِيمَا أتصور أَن بلاءنا من تأصل الْجَهْل فِي غَالب أمرائنا المترفين، الأخسرين أعمالًا، الَّذين ضلوا وأضلونا سَوَاء السَّبِيل وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا، حَتَّى بلغ جهل هَؤُلَاءِ منزلَة أحط من جهل العجماوات الَّتِي لَهَا طبائع ونواميس؛ فَمِنْهَا الَّتِي تَحْمِي وزمارها، وتمنع عَن حُدُودهَا، وتدفع عَمَّا إستحفظت عَلَيْهِ؛ وَهَؤُلَاء لَيْسَ لَهُم
1 / 30