وَالنَّاس فِيهِ على أَقسَام، فصنف الْعلمَاء أما جبناء يهابون الْخَوْض فِيهِ، وَإِمَّا مراؤن مداجون يأبون أَن تخَالف أَقْوَالهم أَحْوَالهم. وَبَاقِي النَّاس يأنفون أَن يذعنوا لنصح نَاصح صادع غير مَعْصُوم، وَلذَلِك كَانَ القَوْل من غير معرفَة الْقَائِل أرعى للسمع وَأقرب للقبول والقناعة وأدعى للْإِجْمَاع.
ثمَّ يَا أَيهَا الإخوان: أظنكم كَذَلِك تستصوبون أَن نَتْرُك جانبًا اخْتِلَاف الْمذَاهب الَّتِي نَحن متبعوها تقليدًا، فَلَا نَعْرِف مآخذ كثير من أَحْكَامهَا، وَأَن نعتمد مَا نعلم من صَرِيح الْكتاب وصحيح السّنة وثابت الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ لكيلا نتفرق فِي الآراء وليكون مَا نقرره مَقْبُولًا عِنْد جَمِيع أهل الْقبْلَة، إِذْ أَن مَذْهَب السّلف هُوَ الأَصْل الَّذِي لَا يرد وَلَا تستنكف الْأمة أَن ترجع إِلَيْهِ وتجتمع عَلَيْهِ فِي بعض أُمَّهَات الْمسَائِل، لِأَن فِي ذَلِك التَّسَاوِي بَين الْمذَاهب، فَلَا يثقل على أحد نبذ تَقْلِيد أحد الْأَئِمَّة فِي مَسْأَلَة تخَالف الْمُتَبَادر من نَص الْكتاب الْعَزِيز أَو تبَاين صَرِيح السّنة الثَّابِتَة فِي مدونات الصَّدْر الأول.
وَلَا يكبر هَذَا الرَّأْي على الْبَعْض مِنْكُم؛ فَمَا هُوَ بِرَأْي حَادث بَين الْمُسلمين، بل جَمِيع أهل جَزِيرَة الْعَرَب مَا عدا أخلاط الْحَرَمَيْنِ
1 / 13