[95_2]
ومناقشات المجادلين، هو جد عارف بأن للعلم سياسة، كما للناس سياسة، وأن للأدب حدودا لا يصح لمن يكتب فيه تعديها، وهواه محصور في أن يحمل للأمة ما ينفعها، وتجمع على استحسانه، وإن تخالف مشاربها، ولسان حاله هذا ما جهدت فيه فعرفته وصنفته؛ وأنتم أيها الناس خذوا منه أودعوه، فإن له أقواما يفهمونه، ويعونه، أنتم إن المقفع وكتبه مما نقله عن غيره، أو ابتدعه من عند نفسه، فالظاهر أنه ما توخى إلا نقل ما عرفه عن الأمم الأخرى، ولم يحفل بما دونه العرب من أخبارهم وحكمهم، ذلك لأن لهذا رجالا لم يقصروا في هذه السبيل، وإنما أراد، وهو الفارس النابه، أن ينقل للعرب ما عند فارس والهند والروم من العلوم والحكم، فأتي ببضاعة جديدة إلى الأسواق العربية، وافقت هوى أرباب الذوق وعشاق الطرائف؛ فاقتناها من اقتناها، وانتفع بها من انتفع. فطريقته إذا في العربية جديدة زاد بها ثروة الآداب، ووسع دائرة التفكير، في أمة تلقفت بأساليبها ما عند غيرها. فكان له المنة على الآداب من وجهين: الإتيان بجديد رائع، وابتداع هذا الأسلوب الفتان. نقل شيئا قي الفلسفة والعلوم القديمة، وفي الأدب والحكم وسير الملوك وتدبير الممالك، وترجم ما ينفع العرب، وزهد كغيره من التراجمة في نقل آداب الأمم الأخرى، فلم يترجم الإلياذة مثلا لأنها لا تتفق وأذواق العرب، وهم أمة تتناغى ببلاغتها، وتبعد عن الخيال، وتبالغ في المحسوسات. فكان عمله ملائما لروح الآمة التي أنشأته، وعلى ذلك جرى النقلة بعده.
يتراءى لك وأنت تمعن النظر في تقاليد ابن المقفع أنك مائل أمامه يفيض عليك من حكمته على طريقته. والكلام كما قال العسكري: يحسن بسلاسته وسهولته ونصاعته، وتخير ألفاظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشبه أعجازه بهواديه، وموافقة مآخره لمباديه، مع قلة
صفحہ 95