196

[195_2]

وأقر خاصته وقواده وكتابه على مراتبهم، وحمد بحمده وذم بذمه وجدد لجنده. . .

وبعد أن عدد مال صنع المأمون من الأعمال الحسنه قال خطابا للمأمون: فيا أيها المنصور المهدي الرشيد حزنت فضائل الآباء، واهتديت بهدي الأنبياء، أنشكرك عن الإسلام، فأنت القائم به الداعي له، والناصر لحقه، أم نشكرك عن الأمصار، فأنت المفتتح لممتنعها عنوة، والمتطول على أهلها بالرحمة، والمتعطف عليهم بحسن الفائدة، بعدما هيجت منك سورة الغضب، فأطفأت نارها، وأخمدت لهبها، وعدت على من سفه وأضاع حظه. أم نشكرك على المساجد، فأنت الذي أسستها على التقوى، وعمرتها بتلاوة القرآن، وطهرت المنابر وركبنها، تعلوها صائما، وتنطق عليها صادقا، وتدعو إلى الرشد عليها ناصحا، وتختم القرآن قبل أن تبدأها محسنا، وتتلو من قوارعه ما تصيخ له الأسماع، وتلين له القلوب. أم نشكرك على البيت العتيق، والركن والمقام والحجر وزمزم ومشاعر الحج، وأنت ذببت عنها، وأعدت إليها عهدها في مبعث نبيها، فأمنت النازع إليها من كل فج عميق، والحالتين بها من الركع والسجود. أم نشكرك عن رسول الله فيما حفظت فيه من عترته، بعفوك عن مجرمهم، ومضاعفتك ثواب محسنهم، وإحيائك من أمرهم ما كان قد اندرس وانطمس بعد نبي الله، وقد راعيت منه في قرابته وقرابتك، وذوي رحمه ورحمك، ما ضيع الناس، ووصلت منهم ما كان وصله، إذ كان الله عز وجل قد فرض صلة الأرحام، فكان أطوع خلق الله فيما فرض عليه؛ أم نشكرك على العوام، فقد ألبست المسلمين ثوب الأمن، وأذقتهم طعم السعة والرفاهة، وعدلت بينهم بالإنصاف، وتوليت دونهم النصب، وآثرتهم بالراحة. أم نشكرك عن الملوك والقواد والأجناد فأنت الذي رفعت منازلهم، ووفرت عددهم، فلم يكن في دهر أحد من الخلفاء، أسعد ولا أحظى منهم في سلطانك، بما بذلت لهم من المعادن، ووليتهم من الثغور والأمصار، وأدررت عليهم من الأرزاق والخواص.

صفحہ 195