134

[133_2]

سهل بن هارون

منبته ونسبه:

ولد سهل بن هارون في مدينة ميسان بين واسط والبصرة، وفي رواية في دستميسان كورة بين الأهوار وواسط والبصرة، في أواخر النصف الأول من القرن الثاني تقديرا، ولا يعرف من نسبه إلا أنه سهل بن هارون ابن راهبون راهيون وكنيته أبو عمرو، فارسي الجنس، أهوازي أو خوزي المولد، عراقي المنشأ، تحول إلى البصرة في سن لم تعرف، وكانت البصرة إذ ذاك مدينة العلم في الدولة الإسلامية، وقبة الإسلام وخزانة العرب، حوت من حصائل العلم الإنساني أصوله وفروعه، ومن القائمين على تنميته مصاقعه وفحوله، فغذى روحه بلبان مجالسها ومجامعها، واستنار عقله بما اقتبسه من نور معارفها، فتخرج بعلمائها، وكانوا طبقة عالية في كل مطلب من مطالب الآداب.

وكانت البصرة بل المملكة الإسلامية أخذت في تلك الحقبة، تتمازج فيها مدينة العرب بمدينة الفرس والروم والهند، وبدأت المذاهب الفلسفية تتسرب إلى المجتمع الإسلامي، وعلماء الأمة يتعاورهم الجزر والمد على شاطئ بحر الحكمة القديمة، شأن مدينة البصرة مع خليجها، يمد ماؤها ويجزر على الدوام، وما زالوا هذا حالهم يغوصون في بحار الأفكار، حتى أخرجت عقوله مررا غريبة، كما يخرج بحرهم الجواهر واللآلئ الثمينة؛ أكانت النفوس حريصة على الدين الذي دون وحرر، راغبة كل الرغبة في الأخذ مما لا عهد لها به من علوم الأمم السالفة؛ وفي هذه البيئة انبعث عقل سهل بن هارون لأول أمره، في أرض صالحة لإنماء العقل وإطلاقه من قيوده. ولم يعرف إذا كان رحل إلى الروم وفارس والشام ومصر، والغالب أنه لم تتعد تنقلاته مدنا عربية أربعا وهي: مدينة الرقة قصبة ديار مضر، والرصافة رصافة هشام في أوائل تخوم الشام، واكتفى بالبصرة

صفحہ 133