[104_2]
وما كان الله الحمد في شيء من الغدر ولا الكفر، وفي السياسة يقتل البريء البر، ويثلم الفاضل الحر؛ ولم يسلم ابن المقفع من ظلم الملوك على كثرة احتياطه معهم، وقتل لما قدر له القتل، على كثرة إحسانه، فباء قاتله بسبة الدهر، وكان ابن المقفع أيضا فخرا له لا عارا عليه.
لما خالف عبد الله بن علي على أبي جعفر المنصور وادعى الخلافة لنفسه، أنفذ أبو جعفر أبا مسلم الخراساني لقاتله، فانهزم عبد الله وقصد أخويه سليمان وعيسى في البصرة، فدخلها مستترا، وكاتب سليمان وعيسى أبا جعفر أن يؤمنه، وأنفذ سليمان كاتبه عمر بن أبي حليمة في ذلك، واستقر له الأمر على إعطائه الأمان، فأنفذ أبو جعفر سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب، وأمره بضغطهم والتضييق عليهم، حتى يشخصوا بعبد الله بن علي إلى حضرته. وكان ابن المقفع يكتب لعيسى بن علي، فأمره عيسى بعمل نسخة الأمان، فعملها ووكدها، واحترس من كل تأويل يقع عليه فيها.
وترددت بين أبي جعفر وبينهم في النسخة كتب، إلى أن استقرت على ما أرادوا من الاحتياط، ولم يتيسر لأبي جعفر إيقاع حيلة فيها، لفرط احتياط ابن المقفع؛ وكان الذي شق على أبي جعفر أن قال في النسخة: يوقع بخطة في أسفل الأمان وإن أنا نلت من عبد الله علي أو أحد ممن أقدمه معه بصغير من المكروه أو كبير، أو أوصلت إلى أحد منهم ضررا له، سرا أو علانية، على الوجوه والأسباب كلها، تصريحا أو كناية، أو بحيلة من الحيل، فأنا نفي من محمد بن علي بن عبد الله ومولود لغير رشده. وقد حل لجميع أمة محمد خلعي وحربي والبراءة مني، ولا بيعة لي في رقاب المسلمين، ولا عهد ولا ذمة. وقد وجب عليهم الخروج من طاعتي، وإعانة من ناوأني من جميع الخلق، ولا موالاة بيني وبين أحد من المسلمين، وهو متبرئ من الحول والقوة، ومدع إن كان أنه كافر بجميع الأديان،
صفحہ 104