11
من الصوف، فصلحت بذاك أن تكون لأوديسيوس وسادة وثيرة ليس بها من بأس، نام فيها فاستراح، والتحف بفراء آخر، وبات ليلته والابتهاج يغمر نفسه؛ لما رأى من حرص راعيه على ذكراه وحنينه للقياه وعنايته بقطعانه. أما الراعي العجوز الشيخ فكأنما أثرت فيه مقالة أوديسيوس فهب فألقى عليه سلاحه، وأضفى على كاهله دروعه بعد أن خلع معطفه، واتزر بجلد عنز، ثم أجلس بازيه الباشق على كتفه الشعيف، وحمل حربته التي يذود بها الناس والسباع عن رعاله، وانطلق في العراء حيث جلس على صخرة مشرفة على السهل، وذاك ليحرس القطيع النائم، غير عابئ بقرس الريح ولا وحشة الليلة الليلاء .»
عودة تليماك
ثم رفت مينرفا رفتين أو نحوهما، فكانت في وادي ليسديمون الخصيب حيث حل تليماك ضيفا كريما على الملك منلوس، وحيث وجدته يتقلب على فراش السهد والأرق، لا يستطيع أن يغمض عينيه من هول ما يفكر في أبيه، بينما نام ابن الملك نسطور ملء عينيه نوما هادئا عميقا على سرير مقابل لسرير الفتى المحزون.
ووقفت الربة عند رأس تليماك وأنشأت تقول له: «إلام تظل هنا في مهاجرك بأقصى الأرض نائيا عن وطنك يا تليماك؟ أوهكذا رضيت أن يأكل العشاق الفساق تراثك، ويذاهبوا بنعماء السماء عليك، ثم لا تلبث أن تثوب إليهم من تطوافك بالآفاق بقبضة من هواء، وخيبة من رجاء! هلم هلم، سل الملك أن يأذن لك في السفر من فورك؛ فقد ألح جدك وأخوالك على أمك أن تتزوج من الأمير يوريم؛ لما أنفق عليه من مهر ضخم وتقدمات وافرة أضعاف ما وعد الآخرون، هذا فضلا عما يوشك أن يسلب من القنى العزيزة عليك من بيتك التي تنقص من هنا لتزيد فيما هناك، فإنه ليس أحب من هذا إلى فؤاد المرأة، وهي سرعان ما تنسى أطفالها من زوج شبابها ورفيق صباها من أجل زوجها الثاني الذي تود لو تهبه كل شيء. فالبدار البدار إذن، وعد أدراجك إلى بلادك لتحفظ تراث أبيك ينفعك حيث تكون لك زوجة صالحة وذرار أنجاب ببركة السماء ورعاية الآلهة، ثم خذ حذرك يا تليماك؛ فلقد اختبأ زعيم العشاق في ثلة من رجاله بين ساموس وإيثاكا يتربصون بك ويترصدونك ليغتالوك قبل أن تصل إلى شاطئ الوطن، وإن فألهم لخائب، ولن يفعلوه حتى يهال تراب الموت عليهم جميعا. ألا فارحل يا بني في ظلام الليل، واجنب سفينتك أن تسلك سبيل ساموس، وابعد ما استطعت عن الجزائر القريبة منها، وسيرعاك بعض الآلهة ويسخر لك ريحا رخاء تسارع بك إلى بلادك، فإذا بلغت أول الشاطئ الإيثاكي فانزل إلى البر، ولتسلك الفلك سبيلها من دونك، ولتذهب أنت إلى يومايوس راعي قطعانك الذي يحبك فأرسله إلى أمك كي تقر عينيها بأوبتك .» وما كادت تفرغ حتى زفت
1
إلى الأولمب، وهب تليماك فأيقظ رفيقه من نومه قائلا: «هلم بيزاستروس هلم فأسرج الخيل ولنرحل من فورنا.» وقال له ابن نسطور يجيبه: «هلم إلى أين يا صاحبي؟ كيف نخبط في هذا الليل الدامس؟ ألا نصبر حتى تشرق ذكاء وحتى يلقاك الملك فيخلع عليك ويحسن وداعك؛ لتظل ذكراه الحسنة ماثلة إلى الأبد في روعك؟»
سكيللا الهولة تدوي بصوتها وعوائها.
وانبلج الصبح فنهض منلوس الملك من حضن هيلين الدافئ، ويمم شطر الغرفة التي نام فيها تليماك ورفيقه. وما كاد تليماك يلمح في غبشة الفجر صورة الملك حتى هب مسرعا، وأضفى عليه طيلسانه الفاخر، واتزر فوقه بمئرز آخر، ثم دلف نحو الباب فلقي الملك ثمة وقال له: بورك الملك تعالى جده! تالله لقد آن لي أن أعود إلى إيثاكا، وبودي لو أذن الملك بذلك، فقال الملك: «إنا لا نستطيع أن نحجزك إذا كانت رغبتك أن تشد رحلك يا تليماك، وإنه ليس أشق علينا أن يقيم ضيف لدينا برغمه أو أن نعجله على الرحيل من عندنا، بيد أنه يحسن أن تنتظر قليلا حتى نهيئ لك أفخر الهدايا وأعز اللهى، وحتى نعدها لك في عربتك، وسآمر نداماي فيعدون لنا فطورا يليق بوداع ضيف كريم عزيز مثلك، لا بد به من أكلة حافلة تصبر لسفر طويل يزمعه، فلو أن سفرك هذا كان خلال هيلاس وكنت من أجله ستجتاز آرجوس شرقا لغرب إذن لسافرت معك، ولجزت بك مدائن شتى، ولأهرع إلينا عمال الأقاليم يقدمون إلينا الهدايا والتحف من صحائف الذهب ورمائز الإبريز وكل كأس ثمينة، ومن كل دابة مطهمة وجواد كريم.» وأجاب تليماك في أسلوب الفطين الحذر: «مولاي أتريدس، منلوس العظيم تالله إنه لآثر إلي أن أرحل لساعتي، فلقد تركت ورائي بيتا لم أدعه في صيانة أحد، وحطاما لست آمن عليه أحدا، وأخشى يا مولاي أن أقضي في رحلتي هذه وراء أبي، فلا أكون قد أبقيت على نفسي، ولا رعيت تراثه الذي تركه لي.» وأمر الملك خدمه فهيئوا الخوان، وزودوه بما بقي من عشاء أمس بعد أن أضرم رئيسهم أيتون نارا أسخن عليها ما ينبغي أن يكون منها حارا، وتوجه الملك إلى غرفته، فلقي فيها زوجه وولده، فتناول كأسا من الذهب الخالص، ودفع لولده بدلها من الفضة، أما الملكة فنهضت إلى خزانتها فأحضرت ساجا
2
نامعلوم صفحہ