99

تونس الثائرة

تونس الثائرة

اصناف

حمولة كلها آلات حربية من مرسيليا إلى الجزائر.

وقصد كل ذلك تونس.

وأخيرا ختم كل ذلك باعتراف وزارة الحربية الفرنسية التي أصدرت البلاغ التالي في 31 يناير 1952:

إن وزارة الحربية تعلن أن إرسال الجنود إلى القطر التونسي لم ينقطع كما يتبادر إلى الذهن من نبأ نشرته بعض الصحف.

وقد أبحرت جميع النجدات المقررة، وأعدت أخرى لكي تلحق بها إذا مست الحاجة إليها. (3) مدينة تونس الدامية

وما كاد خبر إلقاء القبض على الزعماء ينتشر في المملكة التونسية حتى عم الاستياء وادلهم الجو، فكان ذلك الخبر كشرارة من نار في الهشيم، وأن تطور الحالة بتونس في تلك اللحظات يجعل من المحتوم على فرنسا إما ترك حكمها المباشر على البلاد، وإما استخدام تلك القوات المسلحة عبثا؛ لأن الحوادث ستقيم لها الدليل على أن الروح الوطنية لا تستسلم للقوة.

وكانت تونس وكبريات مدن القطر الأخرى مطوقة بالجنود، محتلة احتلالا شديدا رهيبا، ولم يمنع ذلك الشعب من رد الفعل، فعندما بلغه اعتقال الزعماء قرر الاتحاد العام التونسي للشغل، وبقية المنظمات القومية، كالاتحاد العام للتجارة والصناعة، والاتحاد العام للفلاحة، إضرابا عاما غير محدود، فتوقف البيع والشراء، وأغلقت الأسواق، وشلت حركة المواصلات، وتعطلت المعامل والمصانع ودواوين الحكومة والموانئ؛ وأقفلت المقاهي والمحال العامة، وعمت الاضطرابات، وقوي التشويش، واشتد الشغب، ونزل الناس إلى الشوارع، وتكونت المظاهرات في نظام عجيب، رغم الحماس المتدفق، وظهر عزم الشعب على الدفاع عن حقوقه ورد الفعل.

وكانت مدينة تونس مسرحا لغضب الشعب وللحوادث الدامية؛ إذ تجمهر الشعب رغم تلك القوات المسلحة الهائلة وانتظم في مظاهرات عظيمة صاخبة، وتعالت الهتافات، وملأت أجواء المدينة: يعيش الملك، أطلقوا سراح بورقيبة وبقية الزعماء، الاستقلال، الاستقلال. فهاجمت قوات الجيش المتظاهرين بشارع باب المنارة؛ وأخرتهم إلى أن أوصلتهم أمام المحكمة العسكرية؛ وهناك صادمتهم فرقة «الحرس المتجول الخاص» بالرشاشات الصغيرة والمدافع الرشاشة، وأطلقت نيرانها الحامية على حشد يجمع الرجال والشيوخ والأطفال والنساء، فسقط عشرات من الأموات والجرحى، وذلك في الساعة العاشرة صباحا، وتجددت المعارك في الساعة الحادية عشرة، بشارع الباب الجديد؛ وازداد عدد الشهداء فيها.

ووقعت مصادمة عنيفة جدا بين القوات الفرنسية والوطنيين الذين دخلت جموعهم من الشارع الرئيسي إلى «سوق الشكاير»؛ وعجل البوليس هناك باستخدام أسلحته النارية؛ فقتل أحد الوطنيين وجرح ستة منهم، وتجددت المظاهرات بعد الظهر؛ إذ وصلت الجماهير المحتشدة إلى مقر المقيم العام؛ وجددت هناك هتافاتها ومطالبها، وأسرعت نحوها فرق الجيش الفرنسي المرابطة هناك، والبوليس؛ وانهالوا ضربا على المتظاهرين الذين لم يتشتتوا إلا بعد أن لحقهم الضر.

وذهب وفد من النسوة الدستوريات، قاصدا القنصلية البريطانية لإبلاغها احتجاجا على الإيقافات والاعتداءات الدامية، ولكن قوات الحرس المتجول الخاص قد أحاط بالقنصلية لمنع كل اتصال بها، فهاجمت النسوة وضربتهن ضربا مبرحا وألقت القبض عليهن.

نامعلوم صفحہ