مسكين مسيو بيني! الرئيس المؤقت للحكومة الفرنسية الممثل لفرنسا الضعيفة الهرمة البعيدة عن كل بعث وازدهار، ولقد أصبحت فرنسا المثال الأول لما للترميم من عيوب مضحكة وعجز.
وإن فرنسا - كبريطانيا العظمى - عرضة لأزمة التناقص، ولكننا بينما نرى الإنجليز يتبعون سياسة رشيدة يكذبون بها «سالوست» المؤرخ الروماني الذي يقول إن المحافظة على الإمبراطورية لا تكون إلا بالطرق التي كونتها، ويقيمون الدليل على أنه يمكن أن تقام الإمبراطورية على أساس المحبة المتبادلة واحترام التقاليد المتغايرة؛ نرى الفرنسيين يتبعون بتونس سياسة مبناها العنف كأن فرنسا ما زالت دولة قوية عسكريا واقتصاديا وأدبيا.
وبما أن أساس أعمالها هو الظلم، فمن الصعب أن نظن أن الخاتمة ستكون لمصلحتها، وأن الفرنسيين يكونون على جانب من الذكاء لو أنهم قلدوا الإنجليز المتيقظين، لكي يجدوا حلا للنزاع القائم مع المكافحين لتحرير تونس.
ومن الغريب أن الفرنسيين الذين أظهروا تفانيهم في حب الحرية مدة الاحتلال الألماني لبلادهم، هم نفس الفرنسيين الذين لا يحترمون ذلك الحب عند غيرهم.
ولو أن فرنسا تصل إلى فرض شروطها باستخدام جنود «اللفيف الأجنبي»، ولو أنها ترمي في المعركة بجميع القوات التي لديها فتقهر مؤقتا المقاومة الوطنية التونسية؛ فإن ذلك الحل لا يكون إلا إلى حين، لأن ما يقع اليوم في تونس ليس بالأمر الخاص بها فحسب، بل هو أمر يشبه نشوب الحريق في مزرعة حبوب، وأن اللهيب سيلتهم لا محالة جميع ما اسمه إمبراطورية استعمارية أو نصف استعمارية.
عبثا تحاول فرنسا تعطيل سير البشرية، فالقوات الطبيعية لا ترد ونواميس الكون لا تغلب، وتونس تسير مع البشرية في تطورها؛ ولذا رأينا قضيتها تتقدم في الميدان العالمي بخطى ثابتة وتعزز في كل يوم بقوات جديدة.
ورأينا أخيرا هيئة الأمم تبحث المشكلة التونسية في جمعيتها العامة بنيويورك (ديسمبر1952) وتتخذ في شأنها قرارا، فتجزم هكذا خلافا للرأي الفرنسي أن من اختصاصها النظر في المشكلة التونسية ومن حقها إصدار القرارات في شأنها واتخاذ الوسائل اللازمة لحلها. (3) المشكلة التونسية في الميدان الفرنسي
إن المشكلة التونسية احتلت مكانا ممتازا في سياسة حكومات فرنسا المتوالية ولدى الرأي العام الفرنسي وفي مناقشات البرلمان، وانكب عدد وافر من ساسة فرنسا ومفكريها بالبحث والتحليل على السياسة الفرنسية بتونس، فرأوها غامضة مبهمة المعالم مضطربة في سيرها متناقضة في أهدافها، حتى قال فيها «ميتران» ص86:
إن ضروريات الحرب في الشرق تفرض علينا متناقضات عجيبة. إننا نطالب بالمساعدة الأمريكية في الهند الصينية، ولكننا نحتج على تدخل الولايات المتحدة في شمال أفريقيا. إننا نخدم بكل حماسة القضية الوطنية الفيتنامية، ولكننا نبعث ب «بورقيبة» إلى المنفى. إننا نتوجه إلى هيئة الأمم لو تحركت الصين، ولكننا نزعم عدم اختصاص الهيئة في قضيتي مراكش وتونس. إن السياسة ليست هي المنطق، بيد أن الوحدة الفرنسية لن تتحمل مثل هذه المتناقضات البالغة.
وكأن ساسة فرنسا لم يفطنوا بعد أن ذلك التناقض الذي سيفضي بالإمبراطورية الفرنسية إلى التفكك والانهيار، ناتج عن الصدمات العنيفة والتيارات الجارفة التي تتلقاها من الداخل والخارج، وهو ناتج عن تمسك فرنسا بسياسة استعمارية تقليدية لم ترد تبديلها، قائمة على مبدأ أن: «الاحتلال العسكري لبلاد مستعمرة يجد مبررا له في أهمية الغنائم» التي يجنيها منها.
نامعلوم صفحہ