ثم أن مالكا دخله الشك فأسر كلامهم ذلك في نفسه إلى أن كانت الليلة التي كانت فيها نوبة ابنه سليمة؛ وقد خرج سليمة في نفر من فرسان قومه يحرسون كالعادة؛ ثم اعتزل عنهم سليمة في المكان الذي يكمن فيه بقرب دار أبيه؛ فبينما هو كذلك إذ أقبل مالك من قصره في جوف الليل مختفيا من حيث لا يعلم به أحد قاصدا إلى ذلك الموضع , وكان سليمة في ذلك الوقت قد لحقته سنة فأغفا على ظهر فرسه وهو متنكب كنانته , وفي يده قوسه وهو على ذلك الحال؛ فحست الفرس شخص مالك من بعيد فصهلت وانتبه سليمة من سننه تلك مذعورا , ونظر إلى الفرس وهي ناصبة أذنيها إلى شخص مالك ففوق سهمه في كبد قوسه ويممه نحو شخص مالك وهو لا يعلم أنه أبوه؛ فسمع مالك صوت السهم فهتف به يا بني لا ترم أنا أبوك؛ فقال سليمة يا أبت ملك السهم قصده فأرسلها مثلا؛ فأصاب السهم مالكا في قلبه فقتله؛ فقال مالك حين أصابه السهم هذه القصيدة نعي نفسه فيها؛ وذكر سيره الذي ساره من أرض السراة , وخروجه من برهوت إلى عمان وما كان من شأنه.
ألا من بلغ أبناء فهم ... = ... بمالكه من الرجل العماني
وبلغ منهيا وبني خنيس ... = ... وسعد الله ذي الحي اليماني
ومن أمسى بحي بني صريح ... = ... إلى حرس وحتى بني عدان
ومن حل الثنية من كلاع ... = ... إلى بطن المناقب والمثاني
بلاد قد نأى عنها مزاري ... = ... وجيران المجاورة الأدانى
نعته الدار من أبناء فهم ... = ... ومن أبناء دوس والقنان
قتلت محرقا وحميت نفسي ... = ... وراغمت الأعادي من أسان
وفي العرنين كنا أهل عز ... = ... ملكنا بربرا وبني قران
جلبت الخيل من سروات نجد ... = ... وواصلت الثنايا غير دان
صددنا قومنا الأدنين قدما ... = ... لدى بطن المبالغ والرعان
بها عمران من أولاد عمرو ... = ... ونسوتها ذوو النسب الأدان
وسرنا بين أحقاف ورمل ... = ... وغلفات تعاطاها بناني
وأودية بها نعم وشاء ... = ... يردن الماء تنزحه السواني
به أولاد ناجية بن حزم ... = ... وأوباش من الأمم الفواني
صفحہ 29