على الرغم من حقيقة أن الأشخاص الثنائيي اللغة يريدون أحيانا إقصاء لغاتهم الأخرى عند الحديث أو الكتابة في وضع أحادي اللغة، وعلى الرغم من أنهم قد يستبعدون استخدام كل أشكال التبديل اللغوي، يظل من الممكن أن تدخل لغات أخرى في شكل تداخلات؛ وهي انحرافات عن اللغة المستخدمة في الحديث (أو الكتابة) تنشأ من تأثير اللغات المعطلة. تصاحب هذه التداخلات، التي تسمى أيضا التحولات، الأشخاص الثنائيي اللغة طوال حياتهم، على الرغم من اجتهادهم في تجنبها؛ فهي بمثابة «الرفيق الخفي» غير المرحب به للأشخاص الثنائيي اللغة؛ إذ توجد دوما على الرغم من محاولاتهم التخلص منها.
يوجد نوعان من التداخلات: التداخلات الثابتة، التي تعكس آثارا دائمة لإحدى اللغات على اللغة الأخرى (مثل لكنة دائمة، وتوسعات في معنى كلمات معينة، وتركيبات نحوية معينة، إلى آخره)، والتداخلات المتغيرة، وهي تداخلات مؤقتة للغة الأخرى، كما في حالة الخطأ العرضي في نمط النبر في إحدى الكلمات بسبب قواعد النبر في اللغة الأخرى، أو الاستخدام المؤقت لتركيب نحوي مأخوذ من اللغة، أو اللغات، غير المستخدمة. في الأقسام التالية، لن أفرق بين نوعي التداخل؛ فيصعب عادة التمييز بينهما، إلا في حالة اللكنة، التي تكون في معظم الأحيان تداخلا ثابتا.
5
سنركز في حديثنا على التداخلات المتغيرة؛ وهي عناصر من اللغة الأخرى تتسرب إلى لغة الحديث أو الكتابة، في معظم الأحيان دون إدراك الشخص لذلك؛ فلا يدرك هذا إلا عندما يسأله المستمع عن معنى كلمة معينة، أو يصحح له التركيب النحوي، أو ينظر إليه بنظرة غريبة، بحيث يدرك بعد ذلك أن اللغة الأخرى قد تسربت إلى اللغة المستخدمة. فعادة يشعر المرء حينها بأنه «متأكد» من أن هذه الكلمة هي كلمة في اللغة المستخدمة، أو أن التركيب النحوي كان صحيحا، في حين أن الأمر ليس كذلك في الحقيقة. (لقد كنت مهتما برؤية كم التداخلات التي عثر عليها محرر هذا الكتاب بعدما أرسلت المسودة إلى الناشر. كان عددها قليلا على الرغم من أنني كنت أعمل في وضع أحادي اللغة، وأحاول الكتابة بالإنجليزية فقط، باستثناء الأمثلة بالطبع.)
من المهم في هذه المرحلة تمييز التداخلات عن أشكال الانحرافات اللغوية الأخرى، التي تكون نتيجة لمستوى الطلاقة الذي يصل إليه المرء في إحدى اللغات؛ فهذه الانحرافات التي تحدث داخل اللغة الواحدة تعكس لغة الفرد الوسيطة (أي مستوى المعرفة اللغوية الذي يصل إليه في اللغة)، وقد تضم تعميمات مفرطة (مثل معاملة الأفعال الشاذة كما لو كانت قياسية)، وتبسيطات أيضا (مثل إسقاط العلامات الداخلة على الجمع والزمن، وحذف الكلمات الوظيفية، وتبسيط التركيب النحوي)، بالإضافة إلى التصحيحات المفرطة وتجنب كلمات وتعبيرات معينة.
يمكن أن تحدث التداخلات على كل مستويات اللغة. على المستوى الأول الخاص بالنطق (الصوتيات والوزن) تعتبر «اللكنة الأجنبية» انعكاسا مباشرا لتداخل لغة أخرى. قد تكون آثار اللكنة دائمة (فهي ببساطة اللكنة التي تكون لديك عند التحدث بلغة معينة)، أو مؤقتة (مثل الأخطاء العرضية في نطق أحد الأصوات، أو النبر على جزء خطأ في الكلمة، أو تنغيم إحدى العبارات بناء على لغتك الأقوى، وهكذا). إن هذه الأخطاء العرضية، التي يزيد عددها عادة في حالة التعب والضغط العصبي، «تفضح أمرك» عادة كمتحدث لهذه اللغة الأخرى؛ وعندها قد يسألك المستمع إليك عن اللغة الأخرى التي تتحدث بها، أو ربما يخبرك - بلطف بالغ - بمدى إجادتك التحدث باللغة التي تستخدمها.
تشبه التداخلات على مستوى الكلمة (الكلمات أو التعبيرات الفردية) عمليات الاقتباس المعجمي التي تحدثنا عنها في الفصل السابق. في الواقع يمكن تفسيرها بآليات نفسية لغوية مشابهة، على الرغم من أن هذا لم يخضع لدراسة كافية. فتماما مثل الاقتباس، يمكنك إدخال كل من شكل الكلمة ومعناها، لا إراديا بالطبع؛ فنجد مثلا إحدى السيدات الثنائيات اللغة تتحدث بالإنجليزية والفرنسية تقول لابن أخيها الذي يتحدث بالإنجليزية فقط:
Marc, you’re baving! ، فنطقت كلمة
baving
المأخوذة من الكلمة الفرنسية
نامعلوم صفحہ