شكر وتقدير
مقدمة
الجزء الأول: البالغون الثنائيو اللغة
1 - لماذا يصبح الناس ثنائيي اللغة؟
2 - وصف الأشخاص الثنائيي اللغة
3 - وظائف اللغات
4 - الوضع اللغوي واختيار اللغة
5 - التبديل اللغوي والاقتباس
6 - التحدث والكتابة بلغة واحدة
7 - امتلاك لكنة في إحدى اللغات
نامعلوم صفحہ
8 - تطور اللغات عند الشخص الثنائي اللغة على مدى حياته
9 - المواقف والمشاعر تجاه الثنائية اللغوية
10 - الثنائية الثقافية عند الأشخاص الثنائيي اللغة
11 - شخصية الأشخاص الثنائيي اللغة وأفكارهم وأحلامهم ومشاعرهم
12 - الكتاب الثنائيو اللغة
13 - الثنائيو اللغة المميزون
الجزء الثاني: الأطفال الثنائيو اللغة
14 - اكتساب الثنائية اللغوية والتحول عنها
15 - اكتساب لغتين
16 - الجوانب اللغوية للثنائية اللغوية لدى الأطفال
نامعلوم صفحہ
17 - الأسرة والأطفال الثنائيو اللغة
18 - تأثير الثنائية اللغوية على الأطفال
19 - الثنائية اللغوية والتعليم
خاتمة
الملاحظات
شكر وتقدير
مقدمة
الجزء الأول: البالغون الثنائيو اللغة
1 - لماذا يصبح الناس ثنائيي اللغة؟
2 - وصف الأشخاص الثنائيي اللغة
نامعلوم صفحہ
3 - وظائف اللغات
4 - الوضع اللغوي واختيار اللغة
5 - التبديل اللغوي والاقتباس
6 - التحدث والكتابة بلغة واحدة
7 - امتلاك لكنة في إحدى اللغات
8 - تطور اللغات عند الشخص الثنائي اللغة على مدى حياته
9 - المواقف والمشاعر تجاه الثنائية اللغوية
10 - الثنائية الثقافية عند الأشخاص الثنائيي اللغة
11 - شخصية الأشخاص الثنائيي اللغة وأفكارهم وأحلامهم ومشاعرهم
12 - الكتاب الثنائيو اللغة
نامعلوم صفحہ
13 - الثنائيو اللغة المميزون
الجزء الثاني: الأطفال الثنائيو اللغة
14 - اكتساب الثنائية اللغوية والتحول عنها
15 - اكتساب لغتين
16 - الجوانب اللغوية للثنائية اللغوية لدى الأطفال
17 - الأسرة والأطفال الثنائيو اللغة
18 - تأثير الثنائية اللغوية على الأطفال
19 - الثنائية اللغوية والتعليم
خاتمة
الملاحظات
نامعلوم صفحہ
ثنائيو اللغة
ثنائيو اللغة
تأليف
فرانسوا جروجون
ترجمة
زينب عاطف
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
إهداء إلى هنري جان-باتيست وكارولين وفيث وجيل وبرجيت، وإلى ليزيان ومارك وإريك، الذين أصبحوا، من بين كثيرين غيرهم، ثنائيي اللغة دون أن يسعوا لهذا وعاشوا حياتهم وهم يستخدمون لغتين أو أكثر.
شكر وتقدير
نامعلوم صفحہ
أريد أن أعبر عن امتناني لكل الذين ساعدوني في إعداد هذا الكتاب، وأخص بالشكر العميق إليزابيث نول، كبيرة المحررين في مجال العلوم السلوكية والقانون في مطبعة جامعة هارفرد، التي شجعتني على «العودة إلى موطني» من أجل تأليف هذا الكتاب الجديد، وساعدتني كثيرا في مختلف مراحل إعداده؛ كما أنها تكرمت بالسماح لي باستخدام بعض المقتطفات المختارة بعناية من كتابي الأول «الحياة مع لغتين». وأتقدم بجزيل الشكر إلى جولي هاجين، التي بذلت مجهودا رائعا في إعداد الكتاب للطباعة، والتي استمتعت بالعمل معها كثيرا. وأنا ممتن أيضا لبعض الأشخاص المميزين الذين خصصوا بعض وقتهم للقائي أو التواصل معي على نحو كبير عبر البريد الإلكتروني للتحدث عن بعض جوانب الثنائية اللغوية، وأخص هنا إليزابيث بوجور، الخبيرة في الكتاب الثنائيي اللغة؛ وماريا بريسك، المختصة في مجال الثنائية اللغوية والتعليم؛ ونانسي هيوستن، الكاتبة الثنائية اللغة الشهيرة التي تستخدم اللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ وأوليفيه تود، كاتب السير الذاتية والصحفي العالمي؛ وإلين بياليستوك، الخبيرة في تأثير الثنائية اللغوية على الأطفال؛ وأنيتا بافلينكو، المرجع في عدة جوانب للثنائية اللغوية؛ وكوري هيلر، رئيسة تحرير مجلة «مالتيلينجول ليفينج» التي ساعدتني في إعداد قائمة بالمخاوف التي توجد لدى الوالدين عند تنشئة أطفال ثنائيي اللغة. ويجب أن أضيف إلى كل هؤلاء مراجعين لا أعرف اسمهما وأحد كبار المسئولين في مطبعة جامعة هارفرد، الذين قدموا لي بعض النصائح القيمة للغاية. أتقدم إلى كل هؤلاء بخالص امتناني.
أوجه الشكر أيضا إلى الذين أرسلوا إلي أبحاثهم (وحتى كتبهم)، والذين تحدثوا معي أو راسلوني؛ ومن هؤلاء: كريستينا بانفي، وفيرونيكا بينيت-مارتنيز، وجون بيري، وفيليب بلانشيه، وروبنز بيرلنج، وسوزانا شافيز-سيلفرمان، وفيفيان كوك، وتيم كروكشانك، وجيم كومينز، وسوزان دوبكا، وناديا دريكوفا، وكارين إيموري، وليلي وونج فيلمور، وديفيد جرين، وجون هيل، وميشيل كوفين، وأسعد خطيب، وإليزابيث لانزا، وديفيد لونا، وستيفن ماثيوز، وتيريزا مكارتي، وإلينا نيكولاديس، ويوهان باراديس، وباربرا زيورا بيرسون، وجنيفر براذر (آريل دورفمان)، وبول بريستون، وكاثي برايس، وماري-إيف بيرو، وإيليوت روث، وروبرت شروف، وسيسيليا سيرا ستيرن، وتيموثي شاناهان، وميريل سوين، وجانين تريفيرز-دالير، وجوتسنا فايد، وجوادالوب فالديز، ومارلين فيمن، وفرجينيا يب، وكاثرين يوشيدا، ومارتين والش، وجانيت فيركر، وإيوار فيرلن، وجانين فورتس.
وأود أن أشكر الأشخاص التالي ذكرهم على السماح لي باستخدام بعض من موادهم في هذا الكتاب: كاميلا كاي على المقتطفات من كتاب أينار هوجن «اللغة النرويجية في أمريكا: دراسة في السلوك الثنائي اللغة» (بلومنجتون: مطبعة جامعة إنديانا، 1969)، ومقال أينار هوجن «سمات الثنائية اللغوية» من كتاب «اللغة والبيئة: مقالات لأينار هوجن» الذي حرره أنور ديل (ستانفورد: مطبعة جامعة ستانفورد، 1972)؛ ومطبعة جامعة هارفرد على المقتطفات من كتاب فرانسوا جروجون «الحياة مع لغتين: مقدمة للثنائية اللغوية» (كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة جامعة هارفرد، 1982)؛ ودار نشر ماكآرثر آند كومباني على المقتطفات من كتاب نانسي هيوستن «فقدان الشمال: تأملات في الأرض واللغة والذات» (تورونتو: ماكآرثر آند كومباني، 2002).
وأخيرا أقدم امتناني العميق لأفراد أسرتي، ليزيان ومارك وإريك، الذين قدموا لي دعما رائعا على مر السنين، وكان التواصل معهم ممتعا للغاية عند الحديث عن حياتنا - من بين أشياء أخرى - بلغتين أو أكثر في ثقافات متعددة.
مقدمة
أثناء تأليفي هذا الكتاب، كم أدهشني حال الأشخاص الثنائيي اللغة، وهم الذين يستخدمون لغتين أو أكثر في حياتهم اليومية. ففي خلال بضع ساعات في صباح يوم الإثنين هذا، استخدمت اللغة الفرنسية في شراء كرواسون من زوجة الخباز، التي تعاملت مع العميل التالي لي باللغة الألمانية السويسرية؛ وذهبت مع زوجتي الثنائية اللغة إلى المدينة للقاء صديقتها الثلاثية اللغة التي تتحدث بالإيطالية والفرنسية والألمانية؛ ومررت بالميكانيكي الإيطالي الأصل الذي أتعامل معه ليقوم بفحص سيارتي، وقد شرح لي باللغة الفرنسية كيف يعمل نظام التبريد بالسيارة. ومع تنقلي من مكان لآخر استمعت إلى الراديو، وسمعت أن إنجريد بيتانكورت، السياسية الكولومبية التي ظلت مختطفة لفترة طويلة قبل أن يتم تحريرها، قضت يوم الأحد الماضي في باريس مع أصدقاء فرنسيين، وتحدثت بالإسبانية على محطة كاراكول الإذاعية الكولومبية إلى المختطفين الآخرين الذين كانوا معها ولم يتم تحريرهم بعد. استمعت أيضا إلى روجر فيدرير في لندن يتحدث عن مباراة النهائي التي لعبها في ويمبلدون؛ فقد كان متعبا بسبب انتهائه من مباراته ضد رافاييل نادال في وقت متأخر في المساء، ثم إجرائه مقابلات باللغات الأربع التي يتحدث بها: «الألمانية السويسرية، والألمانية، والفرنسية، والإنجليزية». والآن وأنا أجلس في مكتبي، مستمعا إلى موسيقى جورج فريدريك هاندل، المؤلف الموسيقي الثلاثي اللغة الذي كان يتحدث بالألمانية والإيطالية والإنجليزية، أستطيع سماع الأطفال في مركز الرعاية النهارية على الجهة المقابلة من الشارع وهم يغنون أغنيات بالفرنسية والإيطالية. توجد الثنائية اللغوية فعليا في كل دولة في العالم، وفي جميع طبقات المجتمع، وفي جميع الفئات العمرية. لقد قدر أن نحو نصف سكان العالم، إن لم يكن أكثر، ثنائيو اللغة، وهذا الكتاب يتحدث عنهم.
لماذا أقدم كتابا جديدا بعد كل الكتب الكثيرة التي تتحدث عن الموضوع نفسه؟ يعود السبب إلى زمن بعيد؛ فعندما كنت طالبا في جامعة باريس أحاول التكيف مع ثنائيتي اللغوية والثقافية، بحثت عن كتاب عن الموضوع ولم أجد إلا المراجع المتخصصة التي كانت طويلة جدا وذات أسلوب شديد الصعوبة (فلم أكن حينها عالم لغة بعد). بالإضافة إلى ذلك، لم أشعر أنها كانت تتحدث عن القضايا الواقعية التي كنت مهتما بها في ذلك الوقت، كما أنها لم تجب عن بعض أسئلتي الأساسية، وهي: ما هي الثنائية اللغوية؟ وهل أنا فعلا ثنائي اللغة؟ ولماذا أواجه فجأة صعوبات في اللغة مع أن الأمور كانت تسير بسلاسة حتى ذلك الوقت؟ (كنت قد عدت إلى فرنسا للتو بعد غياب دام عشر سنوات.) وهل أنا إنجليزي كما صنع مني تعليمي، أم فرنسي كما كان يشير اسمي وجواز سفري؟ هل هناك مشكلة في كون المرء ثنائي الثقافة؟ هذه بعض الأسئلة التي كنت أبحث عن إجابات لها، وبالنظر إلى السنوات الماضية، أدرك الآن أن كثيرا من ثنائيي اللغة كانوا يطرحون على أنفسهم الأسئلة نفسها. لقد استغرق الأمر مني بعض الوقت والبحث المتعمق في مجال الثنائية اللغوية، أولا على مستوى عملي في رسالة الماجستير التي حصلت عليها، ثم في عملي كباحث، حتى وصلت إلى إجابات مرضية لهذه الأسئلة.
عقب مرور أكثر من أربعين عاما، وبعد نشري لكتابي «الحياة مع لغتين» و«دراسة ثنائيي اللغة» وكثير من الأبحاث العلمية، شعرت بالحاجة إلى تأليف كتاب يكون بمنزلة مقدمة بسيطة وأساسية عن الموضوع الذي كنت أبحث عنه وأنا ما زلت شابا. لا يمكن إنكار أن هذا الموضوع ألف حوله العديد من الكتب التي تعد بمنزلة مقدمات له (وقد ألفت أحدها)، والمجلدات المحررة والدراسات الأكثر تخصصا، كما أن هناك موسوعة، ودوريات أكاديمية (ساهمت في تأسيس إحداها) خصصت له، فضلا عن الرسائل الإخبارية الخاصة بالأسر الثنائية اللغة، والعديد من المواقع الإلكترونية المخصصة لهذا الموضوع. ومع هذا، وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة، فإن الثنائية اللغوية كموضوع للبحث ما زالت غير مألوفة لمعظم الناس. كذلك يحيط بالثنائية اللغوية عدد من الخرافات مثل أن الأشخاص الثنائيي اللغة من النادر وجودهم ويتمتعون بمعرفة متساوية ومثالية بلغاتهم، وأن الأشخاص الثنائيي اللغة الحقيقيين قد اكتسبوا ما يجيدونه من لغتين أو أكثر في مرحلة الطفولة وليس لديهم لكنة في أي منها، وأن الأشخاص الثنائيي اللغة مترجمون بالفطرة، وأن تنقلهم بين اللغات هو علامة على كسلهم، وأنهم كلهم ثنائيو الثقافة، وأن لديهم شخصيات مزدوجة أو منفصمة، وأن الثنائية اللغوية تؤخر اكتساب اللغة لدى الأطفال ولها آثار سلبية على نموهم، وأنك إذا أردت أن تربي طفلك ليصبح ثنائي اللغة، فعليك استخدام أسلوب التزام كل من الوالدين بالتحدث إليه بلغة واحدة فقط، وأن الأطفال الذين ينشئون على الثنائية اللغوية يخلطون دوما بين لغاتهم، إلى آخر ذلك.
إن هدفي الأول في هذا الكتاب هو عرض الجوانب المختلفة لكون المرء ثنائي اللغة بأبسط وأوضح طريقة ممكنة، حتى أزيل الغموض المحيط بطبيعة هؤلاء الأفراد. وعلى عكس كتاباتي ذات الطابع الأكاديمي عن هذا الموضوع، أضع في ذهني هنا قاعدة قراء عامة أكثر تتألف من كل المهتمين بالثنائية اللغوية، أو كل من تربطهم علاقة، بنحو أو بآخر، بثنائيي اللغة؛ الطلاب والقراء العاديين، والآباء الذين يخططون لتنشئة أطفالهم أو ينشئونهم ليكونوا ثنائيي اللغة، والأزواج وأفراد العائلات الذين يتعاملون مع ثنائيي اللغة، بالإضافة إلى الزملاء والأصدقاء والمختصين الذين يتعاملون مع الأطفال الثنائيي اللغة، مثل المعلمين وعلماء النفس واختصاصيي التخاطب. أما هدفي الثاني، الذي هو على نفس قدر أهمية الهدف الأول، فيتمثل في تقديم كتاب للأشخاص الثنائيي اللغة يتحدث عنهم، من تأليف شخص هو نفسه ثنائي اللغة، تعرض لكل مميزات وعيوب العيش وهو يمتلك عدة لغات وينتمي لعدة ثقافات. لا يرى كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة أنفسهم أنهم كذلك، ويتشككون في كفاءتهم اللغوية؛ لذا أتمنى أن يساعدهم هذا الكتاب في التصالح مع حقيقتهم وتقبل هويتهم بوصفهم متمتعين بالكفاءة لكنهم نوع مختلف من مستخدمي اللغات.
لا أريد أن يتسم هذا الكتاب بالتفاؤل فحسب وإنما أيضا بالواقعية؛ فالثنائية اللغوية ليست عبئا أو مشكلة كما يصورها البعض، لكنها أيضا ليست ميزة رائعة كما يريد البعض الآخر منا أن نعتقد؛ فالثنائية اللغوية هي ببساطة حقيقة حياتية لملايين وملايين الأفراد، بكل مميزاتها وعيوبها، وأوقات نفعها وأوقات ضررها، وما ينتج عنها من لحظات بهجة (وهي كثيرة) ولحظات إحباط (وهي قليلة). ونظرا لكوني ثنائي اللغة والثقافة، سأحاول وصف الأشخاص الذين يعرفون ويستخدمون، مثلي، عدة لغات ويتعاملون مع ثقافات مختلفة، وسأحاول فعل هذا بأوضح وأكثر طريقة معبرة ممكنة.
نامعلوم صفحہ
يتكون هذا الكتاب من جزأين؛ يتحدث الأول عن البالغين الثنائيي اللغة، ويختص الثاني بالأطفال الثنائيي اللغة. ينقسم كل جزء إلى فصول قصيرة تشرح الجوانب المختلفة للشخص الثنائي اللغة. في الجزء الأول، أستعرض أسباب كون الأشخاص ثنائيي اللغة ومدى الثنائية اللغوية؛ ثم أصف الثنائيي اللغة من حيث الطلاقة اللغوية واستخدام اللغة، وأنظر في الوظائف المختلفة للغات الأشخاص الثنائيي اللغة. هذا وأخصص ثلاثة فصول للحديث عن طريقة تكييف الأشخاص الثنائيي اللغة لإنتاجهم اللغوي مع الموقف ومع الذين يتعاملون معهم - من الأشخاص الثنائيي اللغة الآخرين أو الأحاديي اللغة - وأتحدث عن سلوكيات متعلقة بالثنائية اللغوية؛ مثل: التبديل اللغوي، والاقتباس، والتداخل. بعد ذلك أخصص فصلا للحديث عن معنى أن تكون للفرد لكنة في لغة واحدة أو العديد من اللغات، وهو في الواقع أمر طبيعي جدا بالنسبة إلى ثنائي اللغة. ثم أتناول تطور معرفة الأشخاص الثنائيي اللغة بلغاتهم طوال فترة حياتهم؛ فأوضح كيف تزيد وتخبو المعرفة باللغات المختلفة واستخدامها بناء على الحاجة المتغيرة. يعرض الفصل التالي مواقف ومشاعر الأشخاص الثنائيي اللغة، والأحاديي اللغة أيضا، تجاه الثنائية اللغوية. يليه فصل عن الثنائية الثقافية، وهي ظاهرة لا ترتبط تلقائيا بالثنائية اللغوية، ولكنها تفرض نفسها على حياة كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة. تعقب هذا مناقشة لشخصية الثنائيي اللغة، وكيف يفكرون ويحلمون، وكيف يعبرون عن مشاعرهم بإحدى لغاتهم أو بها جميعا. يتحدث الفصلان الأخيران في الجزء الأول عن الكتاب الثنائيي اللغة وغيرهم من الأشخاص الثنائيي اللغة «المميزين». لقد وصفت، على مر السنوات، الأشخاص الثنائيي اللغة العاديين ودافعت عنهم، وفي هذا الكتاب أواصل عمل ذلك؛ حيث إنهم يشكلون الغالبية العظمى من الثنائيي اللغة. إلا أنني قررت أيضا الحديث عن الثنائيي اللغة المميزين، والاستثنائيين أحيانا؛ معلمي اللغات والمترجمين التحريريين والشفويين والمشاهير من الثنائيي اللغة، وحتى العملاء السريين، بالإضافة إلى المؤلفين الثنائيي اللغة الذين يكتبون أعمالا أدبية بلغتهم الثانية أو بلغتيهم كلتيهما، وهو شيء مبهر في حقيقة الأمر.
أشرح في الجزء الثاني كيف يكتسب الأطفال الثنائية اللغوية ويتخلون عنها بسرعة كبيرة، وكيف أن هذا يعتمد إلى حد كبير على احتياجهم للغات التي يتعاملون معها. ثم أشرح الطرق التي يتحول بها الطفل إلى ثنائي اللغة، مثل اكتساب لغتين معا في مرحلة الطفولة، أو اكتساب لغة واحدة في مرحلة الطفولة ثم لغة ثانية في مرحلة تالية. أتبع هذا بفصل يتحدث عن الجوانب اللغوية للثنائية اللغوية في مرحلة الطفولة، وأناقش فيه سيادة إحدى اللغات، والتكيف مع الوضع اللغوي، و«الخلط» بين اللغات، وتصرف الأطفال الثنائيي اللغة مثل المترجمين الشفويين، وطريقة لعب الأطفال الثنائيي اللغة باللغات. كما أخصص فصلا للحديث عن الاستراتيجيات التي يمكن للعائلات تطبيقها لضمان أن يصبح أطفالهم ثنائيي اللغة؛ وعن الدعم الذي لا بد أن يحصلوا عليه هم وأطفالهم من أجل الحفاظ على لغاتهم الأصلية. وثمة فصل كامل عن آثار الثنائية اللغوية على نمو الأطفال يجيب عن سؤال يوجد في أذهان كثير من الآباء. هذا، وأستعرض المشكلات التي توجد في الدراسات السابقة عن الثنائية اللغوية، وما وصلت إليه الأبحاث في يومنا هذا، وأتحدث قليلا عن الأطفال الثنائيي اللغة واضطرابات اللغة. وأتحدث في الفصل الأخير عن التعليم والثنائية اللغوية، وأستعرض برامج لا يهدف فيها التعليم لاكتساب ثنائية لغوية، وأخرى يكون هذا هو أحد أهدافها.
ما الاختلاف بين هذا الكتاب الجديد وكتاب «الحياة مع لغتين»؟ أولا: هذا الكتاب أقصر، ويغطي جوانب محددة فقط للثنائية اللغوية؛ فيركز على البالغين والأطفال، فهذا الكتاب لا يتحدث مثلا عن الجوانب السياسية والديموغرافية والاجتماعية للثنائية اللغوية. ثانيا: ألفت هذا الكتاب ليكون سهل الفهم لقاعدة عريضة من القراء العاديين وليس فقط للطلاب والمختصين؛ ومن ثم فإن الفصول صارت أقصر، وأصبحت الإشارات أقل إلى الأعمال البحثية، وصار التركيز أقل على موضوعات متخصصة - بعضها ضمن نطاق تخصصي - مثل الجوانب الإدراكية واللغوية العصبية للثنائية اللغوية، أو نماذج المعالجة الثنائية اللغة. ثالثا: مر أكثر من 25 سنة على نشر كتابي «الحياة مع لغتين»، وتطورت طريقة تفكيري في بعض الموضوعات؛ إجمالا، يمكنني القول إن الكتابين مكملان كل منهما للآخر؛ فقد يرغب القارئ الذي ينتهي من قراءة هذا الكتاب ويكون مهتما بمعرفة المزيد، في الاطلاع على الكتاب الآخر الذي يغطي المزيد من الموضوعات، وهو الأكثر تفصيلا بالتأكيد، ويقدم المزيد من الإفادات الشخصية من أناس ثنائيي اللغة.
وتماما مثلما فعلت في كتاب «الحياة مع لغتين»، أترك في هذا الكتاب الفرصة لثنائيي اللغة للحديث بأنفسهم عن خبراتهم الشخصية بشأن الحياة مع لغتين وثقافتين أو أكثر. أدرجت أيضا بعض الاقتباسات القصيرة من أعمال لمؤلفين ثنائيي اللغة، مثل: إيفا هوفمان، ونانسي هيوستن، وريتشارد رودريجيز، وأوليفيه تود؛ إذ إن موهبة التأليف لديهم تسمح لهم باستخدام الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعرهم وخبراتهم مع الثنائية اللغوية التي مر بها كثير منا.
تمتد المراجع العلمية التي أستشهد بها في هذا الكتاب إلى عدة عقود، على الرغم من أن الغالبية العظمى منها حديثة للغاية. ما السبب وراء هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ وما سبب الاستشهاد ببعض المراجع الأقدم؟ الإجابة بسيطة؛ فقد أصبح لدراسة الثنائية اللغوية الآن تاريخ طويل، ومن المهم ذكر الأعمال الكلاسيكية لبعض من أوائل الباحثين في هذا المجال، مثل: أينار هوجن، وأوريل فاينريش، وويليام ماكي، ووالاس لامبرت، وغيرهم؛ فقد مهدوا الطريق أمام العلماء من جيلي والأجيال التالية عليه. ومع هذا، فأنا في الحقيقة لا أكثر من الاستشهاد في هذا الكتاب؛ إذ لا أريد إدراج الكثير من الإحالات داخل الفصول، ويمكن للقراء الذين يريدون التعمق أكثر في جوانب معينة من الثنائية اللغوية الرجوع إلى أعمالي السابقة، بالإضافة إلى الكثير من الكتب التقديمية والأكثر تخصصا الأخرى التي تتحدث عن الموضوع.
الجزء الأول
البالغون الثنائيو اللغة
الفصل الأول
لماذا يصبح الناس ثنائيي اللغة؟
من قبيل الفضول، بحثت في محرك البحث جوجل عن مصطلح «ثنائي اللغة»، وظهر لي عدد هائل من النتائج (ربما يكون هذا العدد قد زاد عند قراءتك لهذا الكتاب). بحثت بعد ذلك عن أساليب استخدام هذا المصطلح، ووجدته يستخدم في سياقات القواميس الثنائية اللغة، والمهن الثنائية اللغة، والأشخاص الثنائيي اللغة، والقوانين الثنائية اللغة، والدول الثنائية اللغة، والكتب الثنائية اللغة، والألعاب الثنائية اللغة، والدراسات الثنائية اللغة، والاقتراع الثنائي اللغة، وقواعد البيانات الثنائية اللغة، والمدارس الثنائية اللغة، وما إلى ذلك. وبينما كنت أتصفح القائمة (لقد توقفت بعد بضع صفحات)، اتضح لي أن هذا المصطلح يستخدم بكثير من الطرق المختلفة، مثل: «الذين يعرفون ويستخدمون لغتين» (إشارة إلى الأشخاص الثنائيي اللغة)، أو «الذي يعرض بلغتين» (الكتب الثنائية اللغة والاقتراع الثنائي اللغة)، أو «الذي يحتاج إلى لغتين» (المهن الثنائية اللغة)، أو «الذي يعترف بلغتين» (الدول الثنائية اللغة)، أو «الذي ينتقل من لغة إلى أخرى» (القواميس الثنائية اللغة). اتضح لي أيضا أن بعض المصطلحات غير واضحة؛ فهل المدرسة الثنائية اللغة، على سبيل المثال، هي مدرسة تضم وترعى أفرادا أحاديي اللغة ينتمون للغتين مختلفتين، أم أنها مدرسة تستخدم لغتين في التدريس، أم أنها مدرسة تشجع الثنائية اللغوية لدى الأطفال المنضمين إليها؟ إن الرسالة المستفادة من كل هذا هي أنه يجب علينا أن نتوخى الحذر عند تفسير مصطلح «ثنائي اللغة» عندما نراه أو نسمعه.
نامعلوم صفحہ
في هذا الكتاب ستكون الأمور أبسط؛ إذ سنركز على البالغين والأطفال الثنائيي اللغة. بالإضافة إلى ذلك، أقترح من البداية هذا التعريف للأشخاص الثنائيي اللغة:
الثنائيو اللغة هم أناس يستخدمون لغتين (أو لهجتين) أو أكثر في حياتهم اليومية.
تجدر الإشارة إلى ثلاث نقاط بشأن هذا التعريف. أولا: يركز على الاستخدام المنتظم للغات وليس على الطلاقة اللغوية، كما سأستعرض بمزيد من التفصيل في الفصل الثاني. ثانيا: يشمل اللهجات إلى جانب اللغات؛ ومن ثم، فإن الإيطاليين الذين يستخدمون واحدة من اللهجات العديدة لإيطاليا - مثل البوليزية - مع اللهجة الإيطالية الرسمية، يمكن وصفهم بأنهم ثنائيو اللغة، تماما مثل الأشخاص الذين يستخدمون الإنجليزية والإسبانية بانتظام. ثالثا: يذكر التعريف لغتين أو أكثر؛ إذ يستخدم بعض الأشخاص ثلاث أو أربع لغات، إن لم يكن أكثر.
يسألني الناس دوما لماذا لا أستخدم كلمة «متعدد اللغات»؟ يوجد سببان لهذا؛ أولا: بعض الناس ثنائيو اللغة فقط (أي يعرفون ويستخدمون لغتين)، ويبدو من الغريب استخدام مصطلح «متعدد اللغات» عند وصف هؤلاء. وثانيا: مصطلح «متعدد اللغات» يستخدم أقل من مصطلح «ثنائي اللغة» عند الإشارة إلى الأفراد؛ ويوجد توجه قديم في هذا المجال نحو توسيع نطاق مفهوم الثنائية اللغوية ليشمل الذين يستخدمون لغتين أو أكثر بانتظام.
قبل تخصيص عدة فصول لدراسة الشخص الثنائي اللغة، لا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا يصبح الناس ثنائيي اللغة؟ ولماذا يستخدم كثير من سكان العالم لغتين أو أكثر في حياتهم اليومية؟ في هذا الفصل سنفحص أولا العوامل التي تؤدي إلى ظاهرة الثنائية اللغوية، وثانيا سنفحص مدى انتشار تلك الظاهرة. (1) العوامل التي تؤدي إلى الثنائية اللغوية
إذا حاولت معرفة عدد اللغات الموجودة في العالم، فإنك ستصل إلى عدة إجابات مختلفة، والسبب الرئيسي في هذا هو كيفية تحديد اللغة مقارنة بالأشكال المتنوعة منها، التي يطلق عليها عادة اللهجات. فعندما تدرج كل لهجة على أنها لغة مستقلة، يرتفع عدد اللغات بالنسبة إليك؛ أما عندما لا تفعل ذلك، فإن العدد ينخفض. يعرض الموقع الإلكتروني والكتاب المرجعي «إثنولوج: لغات العالم» قائمة شاملة بجميع اللغات الحية المعروفة في العالم في عصرنا الحالي. إنه يطبق بنحو أساسي معايير الفهم المتبادل بين اللهجات والأدب السائد لتحديد ما إذا كانت لهجتان جزءا من اللغة نفسها أم لا، لكنه يسمح أيضا باستثناءات بناء على الهويات العرقية اللغوية. وبناء على الإحصاء الأخير لهذا الموقع، يوجد ما يقرب من 7 آلاف لغة في العالم (الرقم الموجود في نسخة عام 2005 هو بالتحديد 6912 لغة). إن أوروبا هي المنطقة التي يوجد بها أقل عدد من اللغات في العالم (239 لغة فقط)، وآسيا هي أكثر منطقة بها لغات (2269 لغة). وإحدى المناطق المميزة، التي نرى جميعا أنها مساحة شاسعة لكنها تخلو من كتل أرضية مهمة، ومن ثم من اللغات، هي المنطقة المطلة على المحيط الهادئ، لكن في الواقع توجد لغات يصل عددها إلى 1310 لغات تستخدم في الجزر المتفرقة العديدة الموجودة على امتداد المحيط الهادئ.
1
مع وجود هذا الكم الكبير من اللغات في العالم (مع أن نحو 516 منها شبه منقرض، وذلك وفقا لما جاء في موقع «إثنولوج»)، يجب أن يحدث قدر كبير من التواصل بين الناس من مختلف المجموعات اللغوية. وفي ظل وجود هذا التواصل اللغوي، تنشأ الثنائية اللغوية؛ فيتعلم أعضاء إحدى المجموعات لغة مجموعة أخرى، كما تعلم مثلا متحدثو الألمانية السويسرية اللغة الفرنسية، أو المهاجرون إلى الولايات المتحدة اللغة الإنجليزية. أحيانا يكون التعلم متبادلا، على الرغم من أن هذا نادر الحدوث؛ وفي أحيان أخرى، تتعلم المجموعات المتفاعلة لغة وسيطة (لغة للتواصل فيما بينها)، مثل اللغة السواحلية التي تستخدم في التواصل بين المجموعات الموجودة في شرق أفريقيا.
لنلق الآن نظرة أكثر تعمقا على أسباب التواصل اللغوي والثنائية اللغوية. (1-1) البنية اللغوية للدولة
إحدى الطرق التقريبية لتقدير مقدار التواصل اللغوي الذي يحدث في كل دولة؛ تتمثل في تقسيم عدد اللغات الموجودة في العالم (نحو 7 آلاف لغة) على عدد الدول (192 دولة وفقا للأمم المتحدة في وقت تأليف هذا الكتاب). تعطينا النتيجة - وهي 36 لغة في الدولة الواحدة في المتوسط - فكرة عن مدى التنوع اللغوي. مع هذا يرى العالم اللغوي ويليام ماكي أن هذا الرقم يتطلب بعض التصحيحات؛ أولا: يشير ماكي إلى أن هناك لغات عدد المتحدثين بها أكبر كثيرا من عدد متحدثي لغات أخرى. فيظهر موقع «إثنولوج» أن 94 في المائة من سكان العالم يتحدثون 347 لغة، أو ما يقرب من 5 في المائة من إجمالي عدد اللغات. ونجد من بين اللغات التي يتحدث بها معظم الناس في العالم لغة الماندرين الصينية، واللغات الإسبانية والإنجليزية والبنغالية والهندية/الأردية والعربية والبرتغالية والروسية واليابانية والفرنسية. ثانيا: تستخدم بعض اللغات بوصفها لغات رسمية في عدة دول (مثلا: يتحدث الناس بالإسبانية في جميع أنحاء أمريكا الوسطى والجنوبية، وتستخدم الإنجليزية في كثير من دول الكومنولث)؛ ومع هذا، يوجد كثير من الدول التي تضم عددا كبيرا من اللغات؛ فيوجد نحو 516 لغة في نيجيريا - وفقا لموقع «إثنولوج» - و427 في الهند، و275 في أستراليا، و200 في البرازيل، و280 في الكاميرون، إلى آخره. في الواقع، يصعب العثور على دول لديها لغة واحدة أو لغتان؛ عادة ما تكون هذه الدول منعزلة جغرافيا (جزر مثل جرينلاند وسانت هيلينا)، أو سياسيا (مثل كوريا الشمالية وكوبا).
نامعلوم صفحہ
2
يعتمد التواصل اللغوي، ومن ثم الثنائية اللغوية، داخل الدولة على العديد من العوامل، أحدها توزيع اللغة داخلها؛ فإذا كان التوزيع قائما على أساس جغرافي - أي إذا كانت اللغات المختلفة تستخدم في مناطق معينة - فإن فرص التواصل ستكون أقل مقارنة بوجود كل المجموعات اللغوية في المنطقة نفسها. أحد الأمثلة المألوفة لدي للغاية هو سويسرا؛ حيث توجد حدود لغوية واضحة نسبيا بين اللغات القومية الأربع المستخدمة؛ فيتحدث الناس بالفرنسية في الغرب، وتستخدم اللغة الإيطالية في الأساس في منطقة تيتشينو (الطرف الجنوبي الأوسط للدولة)، وتستخدم اللغة الرومانشية في منطقة صغيرة في الجزء الشرقي من الدولة، والألمانية في باقي أنحاء الدولة. تظهر الثنائية اللغوية دوما على طول الحدود اللغوية (فأنا أعيش في مكان يبعد نحو ثلاثة أميال عن الحد اللغوي الفرنسي الألماني)، وتظهر أيضا في المدن الحدودية مثل فرايبورج وبيال/بيين. في دول أخرى توجد لغتان أو أكثر في المنطقة نفسها (على سبيل المثال: الإنجليزية والإسبانية في جنوب غرب أمريكا)، وفي مثل هذه الحالات تكون فرص ظهور الثنائية اللغوية أكبر، مع تساوي كل العوامل الأخرى، نظرا لحدوث المزيد من التواصل بين المجموعات.
يتمثل أحد العوامل الأخرى في السياسة اللغوية للدولة. فإذا اعترفت الحكومة بالعديد من اللغات وأعطتها بعض المكانة الرسمية (مثلما فعلت كندا مع اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وبلجيكا مع اللغات الفرنسية والفلمنكية والألمانية)، فإن التواصل اللغوي ربما لن يكون كبيرا بالقدر الذي يوجد عليه في الدول التي تعترف بلغة رسمية واحدة من بين كثير من اللغات الأخرى العديدة المستخدمة فيها. في حالة بلجيكا، على سبيل المثال، يوجد بعض التواصل بين المجموعات اللغوية الأصلية، وتتعلم كل مجموعة لغة المجموعات الأخرى في المدرسة، لكن فعليا يستخدم كثير من الناس بنحو أساسي لغة واحدة فقط في حياتهم اليومية. على العكس من ذلك، عندما توجد في الدولة لغة قومية واحدة (سواء أكانت معترفا بها أم لا)، أو لغة وسيطة معترف بها، كما هو الحال في كثير من الدول الأفريقية، فإن أعضاء معظم المجموعات اللغوية لا بد أن يصبحوا ثنائيي اللغة (والمثال على ذلك شعب الإنويت في كندا، والنافاجو في الولايات المتحدة، وسكان منطقة القبائل في الجزائر، والألبانيون في اليونان، والمجريون في رومانيا، والفنلنديون في السويد، إلى آخره). بالطبع يكون لعوامل أخرى بعض التأثير، مثل السياسات اللغوية والتعليمية للدولة ومواقف المجموعات اللغوية المختلفة بعضها تجاه بعض. عبر شخص بلجيكي عن تقييمه للوضع اللغوي في دولته، فقال:
يتعلم كل طفل في المدرسة اللغتين كلتيهما في وقت مبكر بداية من المرحلة الابتدائية. فيتعلم المتحدثون بالفلمنكية اللغة الفرنسية ويجيدونها أكثر؛ لأن الفرنسية أكثر نفعا بكثير، وهي لغة عالمية.
3 (1-2) حركة الشعوب
في عصرنا الحالي، بالإضافة إلى التواصل اللغوي الذي يحدث بين مجموعات السكان الأصليين، يحدث تواصل بين هذه المجموعات والمتحدثين بلغات أخرى الذين يهاجرون إلى منطقتهم أو دولتهم. قد تؤدي أنماط عديدة إلى الثنائية اللغوية؛ يتمثل أكثر هذه الأنماط حدوثا، على الأقل في عصرنا الحالي، في أن المهاجرين (إلى الولايات المتحدة أو إنجلترا أو فرنسا، على سبيل المثال) يتعلمون لغة وطنهم الجديد، لكن قد يتعلم السكان الأصليون أيضا لغة هؤلاء المستوطنين (ومن ثم نجد تاريخيا أن الهنود الحمر تعلموا الإنجليزية في الولايات المتحدة، والمصريين تعلموا العربية عند استقرار العرب في مصر). في بعض الحالات، لكنها نادرة، تتعلم كل مجموعة لغة المجموعة الأخرى (مثلما حدث عندما تعلم المستوطنون الإسبان في باراجواي اللغة الجوارانية، وتعلم الشعب الجواراني الإسبانية).
ينتقل الناس دائما داخل الدول والقارات وعبرها لعدة أسباب مختلفة؛ فقد أدى البيع والشراء والتعاملات التجارية منذ قديم الأزل إلى التواصل اللغوي، ومن ثم إلى الثنائية اللغوية. ففي الماضي، عندما كان التجار يسافرون إلى مناطق تتحدث لغة أخرى أو تستخدم فيها لغة وسيطة، كان كثير من البائعين والمشترين يصبحون ثنائيي اللغة. كانت اليونانية اللغة الوسيطة المستخدمة في التجارة في منطقة البحر المتوسط خلال القرون الثالث والرابع والخامس قبل الميلاد، والآن الروسية هي اللغة المستخدمة في التجارة والأعمال في جميع أنحاء روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق (يتحدث الناس بأكثر من مائة لغة في روسيا الاتحادية)، وبالطبع اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكبر للتجارة والأعمال في جميع أنحاء العالم. تجري التعاملات التجارية في عصرنا الحالي على نحو متزايد على أصعدة عالمية؛ فينتقل كثير من الناس إلى دولة أخرى لبضع سنوات للعمل في أحد الفروع الدولية لشركتهم، وعادة ما تصحبهم عائلاتهم، ويصبح كل من البالغين والأطفال ثنائيي اللغة. ويجب علينا الإشارة هنا إلى أنه ليس من الضروري دوما أن يهاجر الناس جسديا حتى يحدث التواصل اللغوي؛ إذ يتواصل كثير من رجال الأعمال بعضهم مع بعض عبر الهاتف أو شبكة الإنترنت، باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الدولية، عبر الدول والمناطق الزمنية، ثم يعودون إلى حياتهم الطبيعية، التي يستخدمون فيها لغة واحدة عادة، في نهاية يوم العمل.
يتنقل الناس أيضا حول العالم لأسباب سياسية ودينية، ويزخر تاريخ العالم بأمثلة على انتقال شعوب إلى أراض جديدة، وفي كثير من الأحيان، إلى لغة أخرى، لأسباب سياسية؛ مثل الروسيين الذين هاجروا عقب ثورة عام 1917، والألمان في إقليم السوديت عقب الحرب العالمية الثانية، والكوبيين في أثناء عهد كاسترو، والفيتناميين عقب سقوط فيتنام الجنوبية. وأما فيما يتعلق بالهجرات الدينية، فقد فر البروتستانت الهيجونوت، على سبيل المثال، من فرنسا عقب إلغاء مرسوم نانت في عام 1685، واستقروا في روسيا وإنجلترا وهولندا وأمريكا؛ وفي القرن العشرين ترك اليهود الروسيون الاتحاد السوفييتي في ظروف صعبة، واستقروا في إسرائيل والولايات المتحدة، من بين دول أخرى؛ وفي السنوات الأخيرة ترك كثير من المسيحيين دولهم في الشرق الأوسط واستقروا في دول أخرى.
على الرغم من أن الغزوات العسكرية والحروب والاستعمار ربما أصبحت في عصرنا الحالي أقل حدوثا مما كان في الماضي، فإنها كانت سببا في قدر كبير من التواصل اللغوي؛ فقد أدخل الإسكندر الأكبر وجيوشه اللغة اليونانية إلى الشرق الأوسط، وأدخلت الإمبراطورية الرومانية اللغة اللاتينية إلى كثير من أجزاء أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، ونشر الفاتحون الإسبان لغتهم في الأمريكتين، كما زادت الغزوات الاستعمارية في القرن التاسع عشر من عدد المتحدثين بالفرنسية والإنجليزية والروسية، إلى آخره.
وأخيرا، تعتبر الهجرة لأسباب اقتصادية واجتماعية عاملا رئيسيا في تنقل الشعوب، ومن ثم في التواصل اللغوي؛ فينتقل الناس دوما إلى مناطق أو دول أو قارات أخرى بحثا عن العمل وعن ظروف حياة أفضل. يزخر تاريخ كثير من الدول في جميع أنحاء العالم بعمليات نزوح الناس إليها، ونشأ كثير من الدول، مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، اعتمادا على مثل هذه الظاهرة. وقد أصبحت الآن أوروبا الغربية بدورها - التي تركها كثيرون في القرون السابقة من أجل الحصول على ظروف حياة أفضل في أماكن أخرى - مقصدا لكثير من المجموعات المهاجرة الكبيرة التي كانت في مراحل مختلفة من الاندماج.
نامعلوم صفحہ
حدث قدر كبير من التواصل اللغوي ضمن الأجيال الأولى القليلة من المهاجرين مع استمرار المهاجرين وسلالتهم في الحديث بلغتهم الأصلية، والحديث أيضا، في معظم الوقت، بلغة (لغات) دولتهم الجديدة. فتظهر التقديرات، على سبيل المثال، أنه بسبب الهجرة، يستخدم حاليا في لندن نحو 300 لغة مختلفة، بل إن مدينة بوسطن التجارية الصغيرة التي توجد في لينكولنشير بإنجلترا، يتحدث سكانها البالغ عددهم 70 ألف شخص نحو 65 لغة.
4 (1-3) التعليم والثقافة
كان التعليم والثقافة دوما مجالين لتعلم اللغات الأجنبية واستخدامها، وسيظلان كذلك. منذ وقت طويل يصل إلى عهد الإمبراطورية الرومانية، كان كل الرومان المتعلمين تقريبا يتعلمون اللغة اليونانية، التي كانت لغة الطب والبلاغة والفلسفة وغير ذلك. فيما بعد في أوروبا ذهب هذا الدور إلى اللغة الإيطالية، ثم الفرنسية، وأصبحت الألمانية لغة المجالات العلمية في القرن التاسع عشر. والآن سيطرت اللغة الإنجليزية بوصفها اللغة الوسيطة الأساسية في التعليم والثقافة. بالإضافة إلى ذلك، لا يتعلم ملايين الأطفال والطلاب في كثير من الدول المختلفة لغة أو لغتين فقط كمواد دراسية في المدارس، وإنما يتعلمون أيضا بلغة ليست هي لغتهم الأم. يحدث هذا، على سبيل المثال، في كثير من الدول الأفريقية والآسيوية، بالإضافة إلى معظم الدول التي يوجد بها مهاجرون. كتب شخص ثلاثي اللغة يتحدث باللغة المراتية والهندية والإنجليزية قائلا:
عندما ذهبت إلى المدرسة لأول مرة لم أكن أعرف الإنجليزية، لكني بدأت تعلمها كمادة دراسية في المرحلة الثانوية، ثم أصبحت الإنجليزية لغة التدريس في الكلية.
5
ويقول شخص ثنائي اللغة يتحدث بالفارسية والإنجليزية:
لم أكن أعرف كيفية التحدث بالإنجليزية حتى أصبحت في العاشرة من عمري، عندما التحقت بمدرسة إنجليزية في طهران.
6
فعليا قد يقطع بعض طلاب المدارس أو الطلاب الأكبر سنا مسافة كبيرة للذهاب إلى مدرسة أو كلية تدرس بلغة مختلفة. يوجد مثال على هذا قريب من منزلي في سويسرا في منطقة الحدود الفرنسية؛ فيوجد تقليد راسخ منذ وقت طويل لدى الطلاب الألمان السويسريين، يتمثل في تجاوز الحد اللغوي والذهاب إلى مدارسنا الثانوية الفرنسية المحلية بدلا من الذهاب إلى مدارسهم الثانوية الألمانية؛ فنسمع عادة الطلاب وهم يتحدثون بالألمانية السويسرية أثناء سيرهم من محطة القطار إلى المدرسة، ويصبحون عند انتهاء فترة دراستهم ثنائيي اللغة يتحدثون الفرنسية والألمانية. أما بشأن الدراسة الجامعية، فلا يسع المرء إلا التفكير في الطلاب الذين يسافرون إلى فرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها، من أجل الحصول على درجة علمية؛ ويصبح هؤلاء الطلاب فعليا ثنائيي اللغة بسرعة كبيرة. (1-4) عوامل أخرى
من بين العوامل الأخرى التي تؤدي إلى الثنائية اللغوية، يتبادر إلى ذهني ثلاثة: العائلات الثنائية اللغة، ومهن الأفراد، والصمم. بالنسبة إلى العامل الأول ، يوجد عدد لا حصر له من العائلات الثنائية اللغة التي يتعلم فيها الأطفال لغة (لغات) العائلة التي يتحدثون بها داخل المنزل، بالإضافة إلى اللغة (أو اللغات) المستخدمة خارجه. وسنعود إلى الحديث عن هذا الموضوع في الجزء الثاني من هذا الكتاب، لكنها إحدى الطرق الشائعة جدا لتحول المرء إلى ثنائي اللغة. فيما يلي إفادة لشخص ثنائي اللغة يتحدث بالإنجليزية والإسبانية:
نامعلوم صفحہ
لقد ولدت ونشأت في كولومبيا، في أمريكا الجنوبية. وفي نوع البيئة الأسرية التي نشأت فيها، كان سماع لغتين والتحدث بهما أمرا طبيعيا؛ فقد كانت والدتي كندية ووالدي كولومبيا، وكان كل منهما يتحدث إلينا بلغته الأصلية.
7
يتمثل العامل الثاني ببساطة في أن وظائف معينة تتطلب معرفة عدة لغات واستخدامها، وقد ذكرنا بالفعل التجارة والأعمال المالية المختلفة. يتطلب أيضا كثير من المهن الأخرى معرفة العاملين بها للغتين أو أكثر؛ مثل: السياحة والسفر، ومجال الفندقة، والعمل الدبلوماسي، والأبحاث، والإعلام (بما في ذلك المراسلة الأجنبية)، ومجال الترفيه، وتدريس اللغات والتعليم الثنائي اللغة، والترجمتين التحريرية والشفوية، وتقديم المساعدات للدول النامية، إلى آخره. ومكان العمل في عصرنا الحالي في كثير من الأحيان ثنائي اللغة، إن لم يكن متعدد اللغات.
ثالثا: يؤدي عادة ضعف السمع أو الصمم إلى ثنائية لغوية في لغة الأغلبية (الإنجليزية في الولايات المتحدة على سبيل المثال)، وفي لغة الإشارة لدى مجموعة الصم الموجودة داخل الدولة أو المنطقة (لغة الإشارة الأمريكية في الولايات المتحدة على سبيل المثال).
8 (2) مدى انتشار الثنائية اللغوية
بناء على النقاش السابق بشأن اتساع مدى الثنائية اللغوية، يمكن للمرء التساؤل عما أدى إلى ظهور المفهوم الخاطئ التالي:
خرافة: الثنائية اللغوية ظاهرة نادرة
ربما يأتي هذا الانطباع الخاطئ من حقيقة أن المرء نادرا ما توجد لديه رؤية شاملة بشأن كم التواصل اللغوي الذي يحدث في العالم. وربما يكون السبب أيضا أن لدى بعض الناس تعريفات محدودة للغاية لمعنى الثنائية اللغوية (سنعود للحديث عن هذا في الفصل التالي). الأكيد أن الثنائية اللغوية موجودة فعليا داخل كل دولة في العالم؛ في جميع طبقات المجتمع، وفي كل الفئات العمرية.
إذا ، ما عدد الأشخاص الثنائيي اللغة الموجودين في العالم؟ على الرغم من عملي في هذا المجال لسنوات عديدة، فإنني لم أعثر بعد على إجابة جيدة لهذا السؤال. أزعم، مثل كثيرين، أن نصف سكان العالم - إن لم يكن أكثر - ثنائيو اللغة. لكن البيانات التي نريد جميعنا الحصول عليها في هذا الشأن غير متاحة؛ والسبب في هذا أن تحديد عدد مستخدمي لغة واحدة أمر بالغ الصعوبة فعليا (لاحظ مشكلة فصل اللهجة عن اللغة)، وأيضا لأن الدراسات الاستقصائية والإحصاءات السكانية لا تتفقان على نوعية الأسئلة التي يجب طرحها. فهل يجب سؤال الأفراد عن اللغات التي يعرفونها، أم التي يستخدمونها، أم التي تحدثوا بها منذ طفولتهم؟ هذا بالإضافة إلى أن الثنائية اللغوية والثنائية الثقافية أحيانا ما ينظر إليهما على أنهما ظاهرتان «تضعفان» المجموعة اللغوية أو الثقافية (فهل ينتمي الشخص الثنائي اللغة/الثقافة إلى المجموعة (أ) أم المجموعة (ب)؟)؛ ومن ثم، يكون من الأسهل طرح أسئلة بسيطة عن لغة واحدة وثقافة واحدة.
مع هذا، توجد بعض البيانات التي يمكننا استخدامها؛ على سبيل المثال: نشرت المفوضية الأوروبية تقريرا في عام 2006 يسأل الأوروبيين عن لغتهم الأم وعن معرفتهم بأية لغات أخرى. وفيما يتعلق بالسؤال عن اللغات الأخرى (باستثناء اللغة الأم) التي يجيد الخاضعون لاستطلاع الرأي (الذين كانوا من 25 دولة مختلفة) التحدث بها لدرجة تمكنهم من إجراء حوار بها، ذكر 56 في المائة منهم اسم لغة واحدة، ومن ثم يشير هذا إلى احتمال وجود ثنائية لغوية (حتى إن لم يكونوا يتحدثون باللغتين بصفة يومية)، وذكر 28 في المائة منهم اسم لغتين (مما يشير إلى احتمال كونهم ثلاثيي اللغة)؛ لذا على الأرجح يتسم أكثر من نصف سكان أوروبا قليلا بأنهم ثنائيو اللغة. وكما هو متوقع، فإن الدول التي تضم أكبر عدد من الأشخاص الثنائيي اللغة هي في الأساس الأصغر حجما، مثل لوكسمبورج وسلوفاكيا ولاتفيا وهولندا، ويجب أن نضيف إلى هذه الدول أيضا سويسرا التي لم تكن ضمن هذا الاستطلاع؛ إذ إنها رسميا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي. وبالأساس تكون الدول الأكبر حجما أحادية اللغة أكثر؛ على سبيل المثال: بريطانيا العظمى التي، مع ذلك، ذكر 38 في المائة من الذين خضعوا للاستطلاع منها قدرتهم على التحدث على الأقل بلغة واحدة أخرى بخلاف لغتهم الأم.
نامعلوم صفحہ
9
ماذا عن أمريكا الشمالية؟ لنبدأ بالحديث عن كندا. تشير هيئة الإحصاء الكندية إلى أن أكثر من 5 ملايين شخص بقليل، أفادوا في الإحصاء السكاني الذي أجري في عام 2001 في كندا بأنهم ثنائيو اللغة، وأنهم يتحدثون الإنجليزية والفرنسية، وهو رقم أعلى بنحو 8,1 في المائة من الرقم المذكور قبل خمس سنوات. ويمثل هذا العدد نحو 18 في المائة من عدد السكان. وكما هو متوقع، فإن نصف الفرانكوفونيين (المتحدثين بالفرنسية) تقريبا ثنائيو اللغة، في مقابل 9 في المائة فقط من الأنجلوفونيين (المتحدثين بالإنجليزية). بالإضافة إلى ذلك، ذكر 18 في المائة آخرون من السكان أن لديهم لغة أما أخرى غير الإنجليزية والفرنسية؛ ونظرا لأن معظم هؤلاء الأفراد ربما يستخدمون أيضا إحدى اللغتين القوميتين، فإن عدد الأشخاص الثنائيي اللغة في كندا ربما يقدر بنحو 35 في المائة، وهي نسبة إلى حد ما أقل من النسبة الموجودة في أوروبا.
10
ما هو الموقف في الولايات المتحدة؟ منذ أكثر من ثلاثين عاما، في كتاب «الحياة مع لغتين»، حللت الدراسة الاستقصائية المتعلقة بالدخل والتعليم في أمريكا لعام 1976. طرحت هذه الدراسة أسئلة تتعلق باللغة على الذين ذكروا نشأتهم في أسر ليست لغتها الأم هي الإنجليزية، وقد توصلت في هذا الوقت إلى أن أقل قليلا من 13 مليون شخص (نحو 6 في المائة من عدد السكان) ذكروا أنهم يتحدثون الإنجليزية ولغة أقلية بصفة مستمرة؛ بمعنى أنهم ثنائيو اللغة. استنتجت عندها أن الولايات المتحدة دولة أحادية اللغة إلى حد كبير مقارنة بأية دولة أخرى في العالم.
11
ومنذ ذلك الحين تسأل الإحصاءات السكانية الأمريكية عن اللغة التي يتحدث بها المرء في المنزل غير الإنجليزية، ومدى إجادته للحديث بالإنجليزية. ذكر ما يقرب من 18 في المائة من السكان في إحصاء عام 2000 أنهم يتحدثون لغة أخرى في المنزل، وقد ارتفع هذا الرقم عن 14 في المائة في عام 1990، و11 في المائة في عام 1980. ومن بين 47 مليون شخص تقريبا ذكروا استخدامهم للغة أخرى، أعلن ما يقرب من 36 مليون شخص أنهم يتحدثون الإنجليزية على نحو جيد أو جيد جدا؛ مما يعني أن نحو 13,71 في المائة من إجمالي سكان الولايات المتحدة ثنائيو اللغة. وإذا أضفنا الذين ذكروا أنهم «لا يجيدون كثيرا» التحدث بالإنجليزية، فإن إجمالي نسبة الأشخاص الثنائيي اللغة سيزيد إلى ما يقرب من 17 في المائة.
12
وإذا أضفنا العدد الكبير من الأمريكيين الذين يستخدمون لغة ثانية أو ثالثة خارج المنزل، والذين لم يدرجوا ضمن مستخدمي اللغات الأخرى في الإحصاءات السكانية، فسنرى بالتأكيد زيادة في نسبة الأشخاص الثنائيي اللغة في الولايات المتحدة. بالتأكيد لن تصل الأرقام إلى تلك الموجودة في أوروبا، فضلا عن الموجودة في كثير من الدول الآسيوية والأفريقية، لكن الولايات المتحدة بالتأكيد هي دولة تحتوي على عدد كبير من الأشخاص الثنائيي اللغة؛ ما يقدر بنحو 55 مليون شخص في عام 2009.
فيما يتعلق باللغات المستخدمة في الولايات المتحدة بجانب الإنجليزية، فإن اللغة الأكثر استخداما حتى الآن - وفقا لإحصاء عام 2000 - هي الإسبانية (نحو 28 مليون متحدث، بزيادة قدرها عشرة ملايين بين عامي 1990 و2000).
13
نامعلوم صفحہ
ويلي اللغة الإسبانية، في قائمة العشر لغات الأولى، العديد من اللغات الآسيوية (الصينية والتاجالوجية والكورية والفيتنامية)، بالإضافة إلى بعض اللغات الأوروبية «القديمة» (الفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية والبولندية)، التي قل عدد المتحدثين بها (فيما عدا الروسية)، مقارنة بما كان عليه الوضع في الماضي. وجدير بالذكر أن عدة لغات من تلك التي كانت موجودة ضمن قائمة أول عشر لغات في منتصف القرن العشرين، مثل اليديشية واللغات الإسكندنافية؛ انخفض عدد المتحدثين بها بشدة في عام 2000؛ على سبيل المثال: انخفض عدد المتحدثين باللغة اليديشية من 1,7 مليون شخص في عام 1940، إلى أقل من 200 ألف شخص في عام 2000 (وكان أكثر المتحدثين بها في الأساس من كبار السن).
إجمالا، الثنائية اللغوية ظاهرة عالمية، توجد في كل القارات وفي غالبية دول العالم. وفي بعض الدول، مثل الدول الأفريقية والآسيوية التي مع الأسف لا توجد لدينا بيانات كافية عنها، على الأرجح تفوق نسبة الثنائية اللغوية فيها النسبة الموجودة في أوروبا وأمريكا الشمالية. كتب أحد المتحدثين باللغات اللوغندية والسواحلية والإنجليزية عن أوغندا قائلا:
يشجع كل شخص في بلدي على الحديث بأكبر عدد من اللغات يمكنه إجادته. ولكوني ثنائي اللغة أجد أنني أستطيع التحدث مع عدد كبير من الناس من مختلف أنحاء أوغندا.
14
ويقول أحد ثلاثيي اللغة من غانا، يتحدث بالأكانية والفانتية والإنجليزية:
يفخر الناس بكونهم ثنائيي اللغة لأن الناس بوجه عام ينظرون إليهم باحترام. توجد بعض اللغات السائدة، وتمثل القدرة على التحدث بها ميزة كبيرة. تشجع غانا بوجه عام على الثنائية اللغوية، وخبرتي كأحد الأشخاص الثنائيي اللغة رائعة؛ ويرجع هذا لتمكني من التواصل بحرية وسهولة مع الآخرين الذين لا تربطني بهم صلة قرابة.
15
الفصل الثاني
وصف الأشخاص الثنائيي اللغة
كنت أجلس في أحد الأيام على أحد المقاهي في الهواء الطلق وسمعت ثلاثة أشخاص يتحدثون عن معنى أن تكون ثنائي اللغة. أصغيت جيدا لكنني قاومت إغراء مقاطعتهم بشدة، على الرغم من أنهم كانوا يتحدثون عن موضوعي المفضل. أصر أحدهم على أن معنى كون المرء ثنائي اللغة أن يتحدث لغتين بطلاقة تامة. وافق شخص آخر على كلامه وأضاف أن الشخص الثنائي اللغة لا بد له أن ينشأ أيضا على اللغتين. أما الشخص الثالث فلم يكن متأكدا مثلهما، وذكر ببساطة أن الشخص الثنائي اللغة يستخدم لغتين بانتظام، ثم قال: «على أية حال، قد يعرف شخص ما لغتين بطلاقة، لكنه لا يستخدم إحداهما على الإطلاق تقريبا، فهل هذا يجعله ثنائي اللغة؟ وماذا عن شخص لا يعرف لغتين بالمستوى نفسه لكنه يستخدمهما بانتظام؟ ألا يمكن وصف هذا الشخص بأنه ثنائي اللغة؟» أخذت رشفة من قهوتي بهدوء وأنا أجلس على الطاولة المجاورة، وقطعت وعدا على نفسي بأن أكتب فصلا في كتابي القادم عن الثنائية اللغوية حول هذه النقطة.
نامعلوم صفحہ
سنعرض فيما يلي، بالإضافة إلى تناول معياري الطلاقة والاستخدام، بعض العوامل الأخرى التي تساعد في وصف الأشخاص الثنائيي اللغة، مثل: نوعية اللغات التي يستخدمونها، والغرض من استخدامها، وتاريخهم اللغوي، وإتقانهم للمهارات اللغوية المختلفة، والأوضاع اللغوية التي ينتقلون بينها، وما إذا كانوا ثنائيي الثقافة أيضا أم لا. (1) الطلاقة أم الاستخدام؟
منذ عدة سنوات سألت بعض الطلاب الجامعيين الأحاديي اللغة عما يفهمونه عندما أخبرهم أن شخصا ما ثنائي اللغة في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، فكانت الإجابة الأكثر ورودا (من 36 في المائة من الطلاب) أن هذا يعني أن هذا الشخص يتحدث باللغتين بطلاقة. وعندما طلبت منهم تحديد أهمية الطلاقة على مقياس من 1 إلى 5، بحيث يكون 1 ليست مهمة، و5 شديدة الأهمية، أعطوا «الطلاقة في اللغتين» متوسط تقييم مرتفعا وصل إلى 4,7.
تنتشر فكرة أن معنى كون المرء ثنائي اللغة أنه يتحدث لغتين بطلاقة. أمعنت نانسي هيوستن - الكاتبة الثنائية اللغة ذات الأصل الكندي لكنها عاشت في فرنسا لعدة سنوات - التفكير في ثنائيتها اللغوية والثقافية، وكتبت عن الأمر. وسأذكر آراءها في أجزاء كثيرة من هذا الكتاب. ترى هيوستن أن الأشخاص الثنائيي اللغة الحقيقيين هم الذين يتعلمون إتقان لغتين منذ مرحلة مبكرة في طفولتهم، والذين يستطيعون التنقل ذهابا وإيابا بينهما بسلاسة ودون عناء.
1
كما أن بعض علماء اللغة طرحوا الطلاقة اللغوية بوصفها السمة المميزة للأشخاص الثنائيي اللغة؛ فقد كتب عالم اللغة الأمريكي ليونارد بلومفيلد، على سبيل المثال، يقول إن الثنائية اللغوية هي التحكم في لغتين كأنهما لغتان أصليتان.
2
وبعد عدة عقود، تشدد أكثر المحاضر والمترجم الشفوي الدبلوماسي كريستوف تيري عندما كتب يقول:
إن الشخص الثنائي اللغة الحقيقي هو من يراه أعضاء مجموعتين لغويتين مختلفتين، لديهما المستوى الاجتماعي والثقافي نفسه تقريبا؛ واحدا منهم.
3
وقد أفاد بأن الأشخاص الثنائيي اللغة «الحقيقيين» الذين درسهم، قد تعلموا لغاتهم في صباهم (قبل سن الرابعة عشرة)، وتحدثوا باللغتين في المنزل، وتنقلوا ذهابا وإيابا بين مجتمعين لغويين، ودرسوا بلغتيهم. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد لديهم لكنة في أي من اللغتين، ويتقنون جميع المهارات اللغوية في اللغتين، ولا يدعون إحدى اللغات تتداخل مع الأخرى عند تحدثهم مع أحاديي اللغة.
نامعلوم صفحہ
إن أحد الأهداف الرئيسية لهذا الكتاب هو إظهار أن الغالبية العظمى من الأشخاص الثنائيي اللغة لا يشبهون ببساطة هؤلاء الأشخاص النادري الوجود؛ فعلى الرغم من وجود بعض الذين يشبهونهم، مثل المترجمين الشفويين والتحريريين (وسنعود إلى الحديث عنهم في الفصل الثالث عشر)، فإن معظم الأشخاص الثنائيي اللغة لا ينطبق عليهم ببساطة هذا الوصف؛ فربما لم يكتسبوا اللغتين في مرحلة الطفولة، أو لم يتحدثوا بهما في المنزل، أو ربما عاشوا في مجتمعين لغويين مختلفين. لم يدرس كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة بلغتيهم، وتوجد لدى كثير منهم لكنة في إحدى اللغتين، وفي كثير من الأحيان تتداخل إحدى اللغتين مع الأخرى. إذا كان يفترض بنا تطبيق وصف ثنائي اللغة فقط على الذين يتقنون كلا من اللغتين كأنهم أحاديو اللغة فيها، فلن يصبح لدينا تصنيف للغالبية العظمى من الذين يستخدمون لغتين أو أكثر بانتظام لكن ليس بطلاقة اللغة الأصلية لهم. فوفقا لتعريف الطلاقة اللغوية، هم ليسوا ثنائيي اللغة، وليسوا أحاديي اللغة أيضا؛ لأنهم يقضون حياتهم وهم يستخدمون أكثر من لغة.
أدت وجهة النظر الأحادية اللغة للأشخاص الثنائيي اللغة، التي ما زلنا نجدها لدى عامة الناس (لكن عادة بمعدل أقل بكثير لدى المختصين في الثنائية اللغوية)، إلى وجود سوء الفهم الشائع التالي:
خرافة: يتمتع الأشخاص الثنائيو اللغة بمعرفة متساوية وممتازة بلغاتهم
يضيف البعض أن الأشخاص الثنائيي اللغة لا بد أن يكونوا قد اكتسبوا لغاتهم في طفولتهم، ويزيد البعض على هذا فكرة ضرورة ألا يكون لديهم لكنة في أي من اللغتين. هؤلاء هم ثنائيو اللغة «الحقيقيون» و«الخالصون» و«المتوازنون» و«المثاليون»، أما كل الآخرين (في الواقع، الغالبية العظمى من الذين يستخدمون لغتين أو أكثر في حياتهم اليومية)، فينظر إليهم على أنهم أشخاص ثنائيو اللغة «غير حقيقيين» أو «أقل» في المرتبة من الأشخاص الثنائيي اللغة الحقيقيين. وإحدى تبعات هذا أن المهارات اللغوية لثنائيي اللغة تقيم طوال الوقت تقريبا من خلال المعايير الخاصة بالأشخاص الأحاديي اللغة. خضعت آثار الثنائية اللغوية لفحص دقيق، ونادرا ما يقيم الأشخاص الثنائيو اللغة كفاءتهم اللغوية ويرون أنها ملائمة؛ فهم يميلون إلى تبني وجهة النظر الأحادية اللغة للثنائية اللغوية والتضخيم من حجمها، ومن ثم ينتقدون ثنائيتهم اللغوية. فهم يشتكون من عدم قدرتهم على الحديث بإحدى لغاتهم جيدا، ومن أن لديهم لكنة، وأنهم يخلطون بين لغاتهم، إلى آخره. ولا يريد كثير منهم أن يصنفوا على أنهم ثنائيو اللغة، حتى إن بعضهم يخفون معرفتهم باللغة الأضعف من بين لغاتهم.
إن هذا كله أمر مؤسف؛ إذ إنه لا يضع في اعتباره الحقيقة، التي سنناقشها بمزيد من التعمق في الفصل التالي، المتمثلة في أن معظم الأشخاص الثنائيي اللغة يستخدمون لغاتهم لأغراض مختلفة، وفي مواقف مختلفة، ومع أشخاص مختلفين. فهم ببساطة لا يحتاجون إلى التمتع بطلاقة متساوية في كل لغاتهم؛ فمستوى الطلاقة اللغوية الذي يصلون إليه في إحدى اللغات (خصوصا في المهارة اللغوية) سيعتمد على احتياجهم لهذه اللغة، وسيكون خاصا بمجال معين؛ ولذلك فإن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة بارعون بشدة في إحدى اللغات، وبعضهم لا يعرف القراءة والكتابة بإحدى اللغتين، بينما يعرف آخرون لغة دون أن يستخدموها. ربما يتمتع عدد قليل من الأشخاص الثنائيي اللغة بطلاقة متساوية وممتازة في لغتيهم، على الرغم من أن أينار هوجن - أحد رواد أبحاث الثنائية اللغوية، الذي شرفت بمعرفته - لا يعتقد أن هذا ممكن في الحقيقة؛ فقد كتب يقول:
هل يمكن الحفاظ على نقاء أنماط لغتين (أو أكثر) بالكامل، بحيث يصبح الشخص الثنائي اللغة بمنزلة شخصين من الأشخاص الأحاديي اللغة، يتحدث كل منهما إحدى اللغتين بإتقان لكنه يفهم أيضا اللغة الأخرى باقتدار، ويستطيع في إحدى اللغتين إنتاج المعنى المعبر عنه في اللغة الأخرى دون الإخلال في أي وقت بأسلوب استخدام أي من اللغتين؟ ظاهريا يميل المرء إلى الرد بالنفي. نظريا هذا الأمر ممكن تماما مثلما يمكن نظريا وجود خط مستقيم تماما، أو جمال لا عيب فيه، أو نعيم كامل. لكن عمليا من الضروري الرضا بأقل من هذا.
4
نظرا لأن اعتبار الطلاقة اللغوية معيارا لتعريف الثنائية اللغوية أمر مثير للجدل، اختار كثير من الباحثين بدلا منه «استخدام» اللغة، وبالتدريج زاد عدد الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يستخدمونه عند وصف ثنائيتهم اللغوية. اتبع هذا النهج كل من أوريل فاينريش وويليام ماكي، وهما اثنان من العلماء المهمين الذين أثروا مجال الثنائية اللغوية في النصف الثاني من القرن الماضي؛ فقد عرفا الثنائية اللغوية على أنها الاستخدام المتبادل للغتين (أو أكثر).
5
أما تعريفي الخاص، الذي يرى أن الأشخاص الثنائيي اللغة هم الذين يستخدمون لغتين (أو لهجتين) أو أكثر في حياتهم اليومية، فيشبه هذا التعريف كثيرا ويركز على استخدام اللغة.
نامعلوم صفحہ
يزيد عدد الذين يمكن وصفهم بأنهم ثنائيو اللغة كثيرا عندما نركز على استخدام اللغة؛ فمن ناحية، نجد العامل المهاجر الذي قد يتحدث ببعض الصعوبة لغة الدولة المضيفة له، والذي لا يستطيع القراءة أو الكتابة بها. ومن ناحية أخرى، نجد المترجم الشفوي المحترف الذي يتمتع بطلاقة لغوية تامة في لغتين. وبين هذين الاثنين، نجد العالم الذي يقرأ المقالات ويكتبها بلغة ثانية لكنه نادرا ما يتحدث بها، والزوج الأجنبي الذي يتعامل مع أصدقائه بلغته الأولى، وأحد أعضاء الأقليات اللغوية الذي يستخدم لغة الأقلية في المنزل فقط ولغة الأغلبية في كل مجالات الحياة الأخرى، والإنسان الأصم الذي يستخدم لغة الإشارة مع أصدقائه ولغة منطوقة (عادة في صورتها المكتوبة) مع شخص يسمع، إلى آخره. على الرغم من التنوع الكبير بين هؤلاء الأشخاص، فإنهم يشتركون جميعا في سمة مشتركة، وهي أنهم يعيشون حياتهم مع استخدام لغتين أو أكثر. (2) الطلاقة اللغوية واستخدام اللغة
على الرغم من التركيز المتزايد على استخدام اللغة عند وصف الأشخاص الثنائيي اللغة، فإننا لا نستطيع الاستغناء تماما عن فكرة الطلاقة؛ أي اللغات التي يعرفها الأشخاص الثنائيو اللغة ودرجة إجادتهم لها. هذا وقد صنعت الشبكة الموضحة في الشكل
2-1 ، بحيث تضع في الاعتبار كلا العاملين.
يعرض استخدام اللغة بطول المحور الرأسي للشبكة بتسلسل (بداية من عدم الاستخدام «على الإطلاق»، وحتى الاستخدام «يوميا»)، وتوجد الطلاقة بطول المحور الأفقي (بداية من الطلاقة «المنخفضة»، وحتى الطلاقة «العالية»). يمكن تحديد مكان لغات الأشخاص الثنائيي اللغة على الشبكة بناء على المستويات التي وصلوا إليها فيها في كل من البعدين. في المثال الموجود، أستعرض الثنائية اللغوية لدى آنا، وهي طالبة تدرس الكيمياء في سنتها الثانية في إحدى الجامعات الكبرى في وسط غرب الولايات المتحدة؛ فبسبب خلفيتها (فقد هاجر والداها من جمهورية الدومينيكان)، والسنة التي قضتها في إيطاليا، واللغات التي درستها في المدرسة، تمتلك أربع لغات: الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والفرنسية. وهي تتمتع بطلاقة عالية في اللغة الإنجليزية، وطلاقة متوسطة في الإسبانية، وتستخدم اللغتين كلتيهما يوميا. يعتبر مستوى طلاقة آنا في اللغة الإيطالية منخفضا إلى حد ما، وتستخدمها من حين لآخر مع صديقة التقت بها في إيطاليا (تعرف هذه الصديقة ثلاثا من اللغات التي تتحدث بها آنا)، كما أن مستوى طلاقتها في اللغة الفرنسية منخفض، ولا تستخدم هذه اللغة أبدا. (قد يرغب القراء المهتمون في ملء الشبكة بلغاتهم الخاصة بناء على استخدامها ومستويات الطلاقة فيها.)
شكل 2-1: وصف الأشخاص الثنائيي اللغة من حيث استخدام اللغة والطلاقة اللغوية. إن اللغات المعروضة في هذا المثال هي: الإنجليزية (اللغة الأولى)، والإسبانية (اللغة الثانية)، والإيطالية (اللغة الثالثة)، والفرنسية (اللغة الرابعة).
يضع التعريف القديم للثنائية اللغوية التركيز على الطلاقة اللغوية العالية (الجزء الأيمن من الشبكة). ونظرا لأن آنا لديها طلاقة متوسطة في اللغة الإسبانية، فربما لا يمكن اعتبارها ثنائية اللغة وفقا لوجهة النظر هذه. أما التعريف الحديث للثنائية اللغوية، فيضع التركيز على الاستخدام المنتظم للغة (الجزء العلوي من الشبكة)؛ فنرى أن آنا تستخدم كلا من الإنجليزية والإسبانية بصفة يومية؛ لذا يمكن اعتبارها من الأشخاص الثنائيي اللغة. ويعتمد كون آنا ثلاثية اللغة (في اللغات الإنجليزية والإسبانية والإيطالية) على وضعها فيما يتعلق بتسلسل استخدام اللغة. للوهلة الأولى يمكننا القول إنها ثنائية اللغة في اللغتين الإنجليزية والإسبانية وتعرف قليلا عن اللغتين الإيطالية والفرنسية، وهذا نمط شائع في عصرنا الحالي؛ فقد يستخدم ثنائيو اللغة لغتين أو أكثر بصفة منتظمة، ويكون لديهم أيضا قدر من المعرفة بلغة أخرى أو أكثر.
سأتحدث طوال الوقت في هذا الكتاب عن موضوع اللغات التي يعرفها الأشخاص الثنائيو اللغة، حتى إن كان مستوى طلاقتهم فيها منخفضا للغاية، واللغات التي يستخدمونها؛ وسأفعل هذا عن طريق الإشارة إلى هذه الشبكة. (3) تعقيد الأمور قليلا
يجب وضع الكثير من العوامل الأخرى - بالإضافة إلى البيانات الشخصية التقليدية (السن والجنس والوضع الاجتماعي والاقتصادي والوظيفة وغيرها) - في الاعتبار عند وصف الأشخاص الثنائيي اللغة. سأذكر القليل منها هنا وأتابع تناول بعضها في الفصول التالية.
أولا: كما أشرنا في الشكل
2-1 ، لا بد لنا أن نعرف اللغات التي توجد لدى الأشخاص الثنائيي اللغة معرفة حقيقية بها، وتلك التي يستخدمونها. يعرف كثير منا عدة لغات بدرجات متفاوتة (أربع لغات في حالتي)، لكننا نستخدم عددا قليلا منها على نحو منتظم (لغتين في حالتي). كذلك لا بد لنا أن نعرف نوع العلاقة بين اللغات التي يستخدمها الشخص؛ فسيساعدنا هذا على فهم التأثير الذي قد تمارسه لغة ما على اللغات الأخرى (فاللغات التي تكون قريبة بعضها من بعض، على سبيل المثال، يزيد احتمال تأثير بعضها على بعض).
نامعلوم صفحہ
من المهم أيضا معرفة ما إذا كان بعض اللغات لا يزال الشخص في مرحلة اكتسابها (تخيل شخصا لم يمض على وجوده في الولايات المتحدة إلا عام واحد، وما زال يحاول تحقيق تقدم في تعلم اللغة الإنجليزية)، وإذا ما كانت لغات أخرى في مرحلة إعادة الهيكلة؛ بمعنى تعرضها للتعديل نتيجة تأثير لغة أقوى منها عليها. ينطبق هذا، على سبيل المثال، على اللغة الهندية لدى الشخص الثنائي اللغة في الهندية والفرنسية الذي يعيش في فرنسا، والذي لا يستخدم الهندية كثيرا نظرا لعيشه في الخارج لعشر سنوات.
يمثل التاريخ اللغوي للشخص الثنائي اللغة العامل الثالث الذي يجب علينا وضعه في الاعتبار. فما هي اللغات (والمهارات اللغوية) المكتسبة؟ ومتى تكتسب؟ وهل اكتسبت اللغات كلها في الوقت نفسه (وهذا أمر من النادر نسبيا أن يحدث) أم الواحدة تلو الأخرى؟ على سبيل المثال: يكتسب كثير من الناس إحدى اللغات في المنزل، ثم يكتسبون لغة ثانية عند التحاقهم بالمدرسة. وما هو أسلوب اكتساب هذه اللغات؟ هل تكتسب في ظروف عادية أم في ظروف رسمية أكثر (في المدرسة)، أم في مزيج من الاثنتين؟ يمكن أن تؤثر طريقة اكتساب المرء للغة ما على درجة إجادته لها، خاصة فيما يتعلق بكفاءة استخدامها في القراءة والكتابة. نحتاج أيضا إلى معرفة نمط استخدام اللغة على مر السنين. إجمالا، يؤثر العمر الذي اكتسب فيه المرء لغة ما، وطريقة اكتسابها، ومقدار استخدامه لها على مر السنين؛ على مدى إجادته لها، وطريقة معالجتها، وحتى على طريقة تخزين العقل لها وتعامله معها. سنعود مرة أخرى إلى هذا الأمر في الفصل الذي يتحدث عن اللغات على مدى حياة المرء.
يجب أن نعرف أيضا مدى كفاءة (طلاقة) الشخص الثنائي اللغة في كل من المهارات الأربع (التحدث والاستماع والقراءة والكتابة) في كل لغة. (لم نذكر حتى الآن إلا معيار الطلاقة العام في كل لغة.) وأفضل طريقة لتوضيح هذا، ولوقت معين، تكون باستخدام أربع شبكات مثل الموضحة في الشكل
2-1 ، واحدة لكل مهارة، وملء كل منها على أساس استخدام كل مهارة ودرجة إجادتها. يمكن بعد ذلك إجراء اختبارات إجادة دقيقة، بالإضافة إلى استبيانات للتقييم الذاتي.
6
ما سيتضح لنا هو أن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة قد لا يعرفون القراءة والكتابة بلغة معينة، على الرغم من أنهم يتحدثون بها ويفهمونها عند الاستماع إليها. بالإضافة إلى ذلك، من النادر أن تكون درجة إجادتهم متساوية لكل اللغات، كما شرحنا من قبل، وربما تكون لديهم لكنة في إحدى اللغات، وهو أمر سنعود إلى الحديث عنه في فصل لاحق من هذا الكتاب.
يتعلق أحد العوامل الأخرى التي تميز الأشخاص الثنائيي اللغة بوظائف لغاتهم؛ ما اللغات (والمهارات اللغوية) التي يستخدمونها، وفي أي سياق، ولأي غرض، وإلى أي مدى. فعلى سبيل المثال: نحن نعرف أن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة يستخدمون لغة واحدة في مجالات معينة على وجه الخصوص (مثل اللغة المستخدمة في العمل وفي الممارسات الدينية)، بينما يمكن استخدام لغات أخرى في عدة مجالات (مثل استخدام عدة لغات مع الأصدقاء). سنفحص في الفصل التالي تأثير هذا على سيادة إحدى اللغات، بالإضافة إلى تأثيره على سلوكيات مثل الترجمة.
يتطلب تقديم وصف كامل للأشخاص الثنائيي اللغة أن نضع في اعتبارنا الوضع اللغوي، المتمثل في تفعيلهم للغاتهم، بناء على عوامل مثل الموقف والمتحدث والموضوع. في بعض المواقف، مثل الحديث مع أحاديي اللغة، لا تفعل ولا تستخدم إلا لغة واحدة؛ على سبيل المثال: عندما أتحدث إلى جمهور فرنسي، فإنني لا أستخدم إلا لغتي الفرنسية وأوقف عمل لغاتي الأخرى بحيث لا تدخل في حديثي. مع ذلك، في مواقف أخرى، مثل الحديث مع شخص آخر ثنائي اللغة يعرف اللغات نفسها التي أعرفها، يمكن تفعيل لغتين أو أكثر، ويمكن أن تظهر في الحوار؛ على سبيل المثال: عندما أتحدث بالفرنسية إلى زوجتي، وهي ثنائية اللغة في الفرنسية والإنجليزية، يمكنني ذكر كلمات أو جمل باللغة الإنجليزية، وفقا لاحتياجي إليها؛ إذ أعرف أنها ستفهمني. في هذا الموقف (الذي يسمى الوضع الثنائي اللغة)، يستطيع الأشخاص الثنائيو اللغة ببساطة تفعيل لغة أخرى لإدخال كلمة أو عبارة أو جملة منها (عبر آليتين هما التبديل اللغوي والاقتباس)، أو يمكنهم فعليا تغيير اللغة التي يتحدثون بها (وهو ما يطلق عليه تغيير اللغة الأساسية). وسوف أخصص ثلاثة فصول كاملة للحديث عن مثل هذه الظاهرة؛ إذ إنها أساسية في التواصل الثنائي اللغة.
آخر عامل يجب وضعه في الاعتبار هو الثنائية الثقافية؛ أي ما إذا كان الأشخاص الثنائيو اللغة يتعاملون مع ثقافتين أو أكثر أم يعيشون حياتهم بثقافة واحدة. ليس كل الأشخاص الثنائيي اللغة ثنائيي الثقافة أيضا؛ على سبيل المثال: إن الشخص المغربي الذي يعرف اللغة العربية المغربية واللغة العربية الحديثة ويستخدمهما، والذي عاش طوال حياته في المغرب؛ ثنائي اللغة لكنه ليس ثنائي الثقافة. ومع ذلك، فإن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة، مثل الجيل الأول من المهاجرين، يكونون ثنائيي الثقافة أيضا، ويلعب هذا دورا في ثنائيتهم اللغوية. سنناقش هذا في الفصل العاشر.
الفصل الثالث
نامعلوم صفحہ
وظائف اللغات
سنبدأ هذا الفصل بزيارة قصيرة إلى بلدة بوميرود في ولاية سانتا كاتارينا في البرازيل. في هذا المجتمع الذي يضم 20 ألف شخص، والذي أسسه المهاجرون الألمان القادمون من منطقة بوميرانيا في ألمانيا، تتحدث الغالبية العظمى من السكان باللغتين الألمانية (البوميرانية، على وجه الدقة) والبرتغالية . الأمر المثير للاهتمام هو طريقة توزيع السكان للغاتهم في المجالات الحياتية المختلفة؛ فبعض المجالات تغطيها لغة واحدة، وتستخدم اللغة الأخرى في بعض المجالات الأخرى، وتستخدم اللغتان في مجالات ثالثة.
1
فعلى سبيل المثال: تستخدم اللغة البرتغالية فقط في مواقف معينة (مع السلطات، وفي النوادي، وفي الرياضة، وفي الكتابة)، وفي مواقف أخرى لا تستخدم إلا اللغة الألمانية (في الكنيسة، على سبيل المثال)، وفي بعض المجالات تستخدم اللغتان (في العمل، والمتاجر، وفي المنازل، ومع الأصدقاء).
ينطبق حال الأشخاص الثنائيي اللغة في بوميرود الذين يتحدثون البرتغالية والبوميرانية على معظم الثنائيي اللغة في العالم، سواء أكانوا يعيشون مع ثنائيي اللغة آخرين أم وحدهم؛ فهم يوزعون لغاتهم على مجالات الحياة المختلفة، ويستخدمون لغات مختلفة مع أشخاص مختلفين. بعد مناقشة المبدأ الذي يعبر عن هذه الظاهرة، سنتعرف على تأثيرها على الطلاقة اللغوية لدى الأشخاص الثنائيي اللغة، وسيادة إحدى اللغات، وقدرات الترجمة، بالإضافة إلى تأثيرها غير المباشر على الذاكرة. (1) استخدامات اللغات
يمكن صياغة ما أطلق عليه اسم مبدأ التكامل على النحو التالي:
يكتسب عادة الأشخاص الثنائيو اللغة لغاتهم ويستخدمونها لأغراض مختلفة، وفي مجالات مختلفة من الحياة، ومع أشخاص مختلفين. فتتطلب جوانب الحياة المختلفة دوما استخدام لغات مختلفة.
يعرض الشكل
3-1
مبدأ التكامل. في هذا الشكل أخذت مثال آنا من الفصل السابق، ونسبت لغاتها للمجالات التي تستخدمها فيها. ولتبسيط الأمور، قللت عدد المجالات الموجودة؛ ففي الحقيقة يوجد أكثر من ذلك بكثير. لا توجد لغة آنا الرابعة (الفرنسية) في هذا الشكل؛ إذ إنها لا تستخدمها. يعرض كل مجال في شكل سداسي، ويمكن استخدام لغة أو لغتين أو ثلاث لغات للتعامل معه. نرى أن اللغة الإنجليزية (أفضل لغة تعرفها آنا وأكثر لغة تستخدمها وفقا للشكل في الفصل الثاني) تستخدم وحدها في خمسة مجالات في الحياة؛ في الجامعة والتسوق والتنزه ومع الحبيب وفي الأمور الرسمية. أما اللغة الإسبانية (التي تستخدمها أيضا كثيرا لكن مستوى طلاقتها فيها متوسط) فتستخدم وحدها في مجالين في الحياة؛ مع الوالدين والأقارب البعيدي الصلة. وتستخدم اللغتين الإنجليزية والإسبانية معا في ثلاثة مجالات؛ مع الإخوة والأصدقاء وفي الطقوس الدينية. أخيرا، نشير إلى أن اللغة الإيطالية، التي لا تستخدمها آنا كثيرا ولا تعرفها جيدا أيضا، تشترك في مجال واحد مع اللغتين الإنجليزية والإسبانية (الأصدقاء غير المقربين).
نامعلوم صفحہ
2
يمكننا رسم النمط نفسه لاستخدام اللغة لجميع الأشخاص الثنائيي اللغة ليغطي مجالات مثل: الوالدين، والأطفال، والإخوة، والأقارب البعيدي الصلة، والعمل، والرياضة، والدين، والمدرسة، والتسوق، والأصدقاء، والتنزه، والهوايات، وغيرها، ونخرج منه بتوزيع للغاتهم. ستغطي بعض اللغات الكثير من المجالات، وستغطي لغات أخرى مجالات أقل، وستغطي بعضها مجالات بجانب لغة (أو لغات) أخرى. ومن النادر أن يستخدم ثنائيو اللغة كل لغاتهم في كل مجالات حياتهم (اللغة الإنجليزية والإسبانية في العمل، وفي المنزل، ومع أفراد الأسرة). فإذا كانت جميع اللغات تستخدم في كل المجالات، فعلى الأرجح لن يوجد سبب لأن يصبح المرء ثنائي اللغة؛ فستصبح لغة واحدة كافية بطبيعة الحال.
شكل 3-1: توضيح لمبدأ التكامل. المجالات التي تغطيها اللغات الإنجليزية (اللغة الأولى)، والإسبانية (اللغة الثانية)، والإيطالية (اللغة الثالثة)؛ ممثلة في صورة أشكال سداسية.
تجدر الإشارة إلى أنه في حالة الازدواجية اللغوية - وهي أحد أشكال الثنائية اللغوية المجتمعية؛ حيث تستخدم إحدى المجموعات لغتين أو شكلين من لغة واحدة - تستخدم كل لغة في مجال معين؛ ومن ثم فإن المبدأ المذكور سابقا لا ينطبق على الازدواجية اللغوية؛ إذ يوجد عدد قليل جدا، إن وجد، من المجالات التي يمكن أن تغطيها لغتان أو أكثر. (2) تأثير مبدأ التكامل
أول تأثير يوجد لهذا المبدأ يكون على الطلاقة اللغوية. بوجه عام، إذا كانت إحدى اللغات تستخدم في عدد قليل من المجالات ومع عدد محدود من الأفراد، إذا فإنها لن تتطور مثل لغة تستخدم في مجالات أكثر ومع عدد أكبر من الأفراد. يرجع هذا إلى أن حاجة الأشخاص الثنائيي اللغة للغاتهم واستخداماتها تكون عادة مختلفة بدرجة كبيرة، بحيث لا تكون اللغات لديهم متطورة بالقدر نفسه، ولا يكون مستوى طلاقتهم فيها واحدا. ينطبق هذا أيضا على مهارات لغوية معينة، مثل القراءة والكتابة؛ فلا يضطر كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة للقراءة أو الكتابة بواحدة أو أكثر من لغاتهم، ومن ثم لا تنمو لديهم هذه المهارات. وحتى إن كانت لديهم مهارات القراءة والكتابة بكل لغة، فإن مستويات الإجادة ستكون على الأرجح مختلفة؛ لأن حاجتهم لهذه المهارات ليست واحدة في حياتهم اليومية.
إذا لم تستخدم إحدى اللغات للتعامل مع أحد المجالات، فلن يمتلك الثنائيو اللغة ببساطة المفردات اللغوية الخاصة بهذا المجال، ولا التنوع الأسلوبي، وأحيانا حتى لا توجد لديهم القواعد النظرية والعملية الضرورية لهذا المجال. دعني أقدم لك مثالا شخصيا: عندما عملت ضمن أعضاء هيئة التدريس في جامعة نورث إيسترن في بوسطن في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، درست مادة مبادئ الإحصاء، من بين مناهج أخرى؛ ومن ثم عرفت «لغة الإحصاء»، لكني كنت أعرفها بالإنجليزية فقط. عندما عدت إلى أوروبا وعرضت تدريس مادة الإحصاء بالفرنسية، وجدت نفسي فجأة في مأزق؛ فلم تكن لدي ببساطة مفردات المادة بالفرنسية، ولم أكن أعرف كيف أعبر عن مفاهيم مثل «التوزيع المعياري» و«مخطط التشتت» و«اختبار الفرضية» وغيرها. كان هذا شعورا غريبا جدا؛ فأنا أجيد التحدث بالفرنسية، ومع ذلك لم أكن أعرف كيف أعبر عن تلك المفاهيم.
أعلم أن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة تعرضوا لتجربة الاضطرار فجأة إلى استخدام لغة لا يستخدمونها عادة في مجال معين. يحدث عندها أمر مثير للاهتمام، لكنه يكون محبطا في بعض الأحيان؛ فأنت تلجأ إلى تحسس طريقك في اللغة التي تكون جديدة في هذا المجال، وعندما لا تجد الكلمة أو التعبير المناسب، ينشأ لديك دافع إلى الاقتباس من اللغة أو اللغات الأخرى التي تعرفها، وهي طريقة تنجح أحيانا إذا كنت تتحدث مع آخرين من الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يشتركون معك في اللغات التي تعرفها، لكنه لا يكون مناسبا عند الحديث مع أحاديي اللغة. لذا تستمر في المعاناة، وربما تلجأ في النهاية إلى إدخال بعض الكلمات من اللغة (أو اللغات) الأخرى على أية حال، مع ملاءمتها للسياق وشرحها، وأحيانا تحاول ببساطة تقصير الحوار. كتب أحد الأشخاص الثنائيي اللغة يقول:
عندما أضطر إلى أن أشرح بالفرنسية أي شيء عن أنشطتي المهنية أو خبرتي المدرسية السابقة في الولايات المتحدة، يصعب علي للغاية عدم استخدام كلمات إنجليزية؛ لأن هذه التجارب تنتمي إلى «خلفيتي الإنجليزية»؛ فقد تعلمت لغة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة، ويصعب علي للغاية التعبير عن الأفكار نفسها بالفرنسية. لحسن الحظ يحدث هذا الأمر في أغلب الأوقات مع أصدقاء ثنائيي اللغة؛ ومن ثم لا يستاء أحد من التحول من لغة لأخرى، أو من الخلط بين اللغتين في الحوار نفسه.
3
أجرى ثلاثة من طلابي (كريستين جاسر، وروكسان جاكارد، وفانيسا سيفيدين) مقابلات مع أشخاص ثنائيي اللغة، البعض منهم في الإنجليزية والألمانية، والبعض الآخر في الفرنسية والإيطالية، بشأن المجالات التي ترتبط بلغات معينة (مثل العمل والأسرة والتسويق والهوايات).
نامعلوم صفحہ