يأتي على قمة هذه الشجرة عامل المكان، يليه الرسمية، ثم الألفة، ثم جدية الحوار، وإذا كنت لا تزال محتفظا بتركيزك، فلا تزال ثمة ثلاثة عوامل متبقية: أول لغة مكتسبة، ومستوى الإجادة المتوقع من الشخص، وجنس المشاركين. لا تحتاج كل القرارات اللغوية إلى الخوض في العديد من الخطوات، لكن يظل اختيار اللغة عملية معقدة، حتى إن كان سلوكا مكتسبا يحدث بسلاسة وبسرعة. عادة لا يدرك ثنائيو اللغة العوامل الكثيرة الموجودة وراء اختيارهم؛ فهذا مجرد جزء من طبيعتهم الثنائية اللغة.
على الرغم من المحاولات المضنية التي يبذلها المرء من أجل تحديد اللغة المناسبة لسياق معين، فقد لا يتمكن من الوصول لحل مرض. تعرضت لمثل هذا الموقف عندما كنت أجلس أنا وزوجتي في مطعم في الجزء الألماني من سويسرا في أحد الأيام؛ لاحظت أن الأشخاص الخمسة الجالسين على الطاولة المجاورة لطاولتنا لا يتحدثون جميعا اللغات نفسها. رسمت مخططا للوضع على طاولتهم عندما عدت إلى المنزل (انظر الشكل
4-3 )؛ كان من الواضح أن الوالد والوالدة والابنة من بين هؤلاء جاءوا في زيارة من الولايات المتحدة ، وقد دعوا جدة هذه الابنة لأبيها وأختها على العشاء. كان الوالد والابنة يتحدثان بلغتي السيدتين الهرمتين (الألمانية والفرنسية) بالإضافة إلى الحديث بلغة الأم الوحيدة (الإنجليزية). وضحت في الشكل من كان يتواصل مع من، واللغة المستخدمة في ذلك (يرمز «ج» للغة الإنجليزية، و«م» للألمانية و«ف» للفرنسية). أوضحت كذلك، باستخدام الخطوط المتقطعة، الأشخاص الذين لم يستطيعوا التواصل بعضهم مع بعض؛ الأم مع الجدة، والأم مع خالة الأب. لاحظ أن ثمة شخصين كانا محورين طوال الوقت؛ الأب والابنة؛ فقد كانا يعرفان اللغات الثلاث ويستخدمانها؛ ومن ثم استطاعا تسهيل عملية التواصل. إن هذا مثال جيد على التعقيد الذي قد يواجه المرء في مواقف اختيار اللغة، وأيضا على حقيقة أن بعض الأشخاص قد يهمشون عندما لا تكون لديهم معرفة بلغة (لغات) الآخرين. كذلك يوضح مدى أهمية الوسطاء؛ فهم يلعبون دورا محوريا قد يكون مرهقا جدا في بعض الأحيان.
شكل 4-3: اللغات المستخدمة على طاولة عشاء.
يوضح مثال آخر كيف يمكن لعامل نرى لأول وهلة ضرورة أن يلعب الدور الأهم في اختيار اللغة الأساسية، أن يوضع جانبا لبعض الوقت من أجل عامل آخر أقل أهمية. كنت أجلس في مكتبي في أحد الأيام عندما جاءت إلي طالبة وسألتني بالفرنسية، بتردد بالغ ولكنة أمريكية واضحة، إن كنت أنا جروجون. أجبتها بالإيجاب، ونظرا لإدراكي مستواها الضعيف للغاية في اللغة الفرنسية، وإدراكي أهمية التواصل الجيد فيما يتعلق بالموضوعات الإدارية، اقترحت عليها بالإنجليزية استخدام الإنجليزية في التحدث، لكني فوجئت بأنها لم تقبل عرضي، واستمرت في التحدث بلغتها الفرنسية الضعيفة جدا، التي وجدت صعوبة في فهمها. سألتها مرة أخرى، بالإنجليزية، إذا كانت تريد تغيير لغة الحوار إلى الإنجليزية، فردت علي، بالفرنسية، قائلة إنها أتت إلى سويسرا لتتعلم الفرنسية وتريد التحدث بها؛ وعليه، استمر الحديث بيننا بالفرنسية، لكن نظرا لعدم تأكدي من أن كلا منا كان يفهم الآخر، أعطيتها بعض الأوراق لتأخذها معها وأنهينا الحوار. عند استرجاعي لهذا الموقف، أعتقد أنه كان يفترض علي أن أوافق على تأدية دور معلم اللغة لها ، وتلبية رغبتها في التحدث بالفرنسية، لكنه كان يوما حافلا ولم أكن أرى أننا نتواصل جيدا. مع ذلك جعلني هذا أشعر بالامتنان أن معظم حالات التواصل في مواقف اختيار اللغة تكون عادة أكثر سلاسة وفاعلية.
الفصل الخامس
التبديل اللغوي والاقتباس
رأينا أنه إذا كان شخص ثنائي اللغة يتواصل مع شخص آخر ثنائي اللغة يشاركه في اللغات التي يعرفها، فإن هناك لغة أساسية ستكون مفعلة طوال عملية التواصل بينهما، واللغة الأخرى ستكون مفعلة أيضا، لكن بقدر أقل. ويستطيع المتحدث الثنائي اللغة إدخال اللغة الأخرى هذه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإذا شعر بأن من يتحدث معه لا يمانع في ذلك. إليك مثالا على هذا؛ تشاهد أسرة فرنسية مجموعة من الصيادين تصطاد في الجليد في بركة والدن بوند في الشتاء القارص. يظهر الابن الصغير مارك اهتماما كبيرا بالمعدات التي يستخدمونها والأسماك التي يصطادونها، والأم - التي تدخل دوما اللغة الإنجليزية عندما تتحدث بالفرنسية - تشعر ببرد شديد وتقول لزوجها:
Va chercher Marc and bribe him avec un chocolat chaud with cream on top . تعني العبارة الفرنسية
Va chercher Marc : «اذهب وابحث عن مارك»، في حين تعني العبارة الفرنسية الأخرى
نامعلوم صفحہ