وَقَالَ الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف
(وَقد زعمت جمل بأنى أردتها ... على نَفسهَا تَبًّا لذَلِك من فعل)
(سلوا عَن قَمِيص مثل شَاهد يُوسُف ... فَإِن قميصى لم يكن قد من قبل)
وَأما الْقَمِيص الثَّالِث فَهُوَ مثل سَائِر فِي لطف الْموقع كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب المتنبى
(كَأَن كل سُؤال فِي مسامعه ... قَمِيص يُوسُف فِي أجفان يَعْقُوب)
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الخالدى للوزير المهلبى وَذكر معز الدولة
(إِن غبت أودعك الْإِلَه حياطة ... وَإِذا قدمت أباحك الترحيبا)
(وَيكون من مقة كتابك عِنْده ... كقميص يُوسُف إِذْ أَتَى يعقوبا)
ولبلغاء المترسلين لاسيما أهل الْعَصْر مِنْهُم فِي التَّمْثِيل بِهَذَا الْقَمِيص نكت وغرر وَمن أحْسنهَا فصل للأمير السَّيِّد أَبى الْفضل من رِسَالَة إِلَى أَبِيه وصل كتاب مَوْلَانَا فعددت يَوْم وُرُوده عيدا أعَاد عهد السرُور جَدِيدا ورد طرف الحسود كليلا وَقد كَانَ حديدا وَلم أشبه فِي غهداء الرّوح ورد الشِّفَاء وتلاقى الرّوح بعد أَن أشفت على الْمَكْرُوه كل الإشفاء إِلَّا بقميص يُوسُف حِين تَلقاهُ يَعْقُوب من البشير وألقاه على وَجهه فَنظر بِعَين الْبَصِير فكم أوسعته لثما واستلاما والتقطت مِنْهُ بردا وَسلَامًا حَتَّى لم يبْق فِي الصَّدْر غلَّة إِلَّا بردتها وَلَا غمَّة فِي النَّفس إِلَّا طردتها وَلَا شَرِيعَة من الْأنس إِلَّا رويت مِنْهَا وَقد وردتها
وَمِنْهَا فصل لبّى الْعَبَّاس الضبى وصل كتاب مَوْلَانَا فَكَانَ ﵀ عِنْد أَيُّوب وقميص يُوسُف عِنْد أجفان يَعْقُوب
٥٦ - (حسن يُوسُف) يضْرب بِهِ الْمثل فِي شعراء الْعَرَب والعجم
وفى الْخَبَر أَن يُوسُف أعْطى نصف الْحسن فَكَانَ النّصْف لَهُ وَالنّصف لسَائِر النَّاس وَمَا الظَّن عَن النسْوَة لما ﴿رأينه أكبرنه وقطعن أَيْدِيهنَّ وقلن حاش لله مَا هَذَا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم﴾
وَكَانَ أَبُو عِيسَى بن الرشيد أحسن أهل زَمَانه حَتَّى إِنَّه كَانَ أحسن من أَخِيه مُحَمَّد الْأمين وَهُوَ الْمَضْرُوب بِهِ الْمثل فِي الْحسن فَكَانَ يُقَال لأبى عِيسَى يُوسُف الزَّمَان وسيمر ذكره فِي مَوْضِعه من الْكتاب
٥٧ - (سنو يُوسُف يضْرب بهَا الْمثل فِي الْقَحْط والشدة وَكَانَت سبعا متواترة قَالَ النَّبِي ﷺ (اللَّهُمَّ اشْدُد وطاتك على مصر وَابعث فيهم سِنِين كسنى يُوسُف) فَاسْتَجَاب الله دعاءه حَتَّى شووا الْجلد وأكلوا الْقد
وَمن قصَّة سنى يُوسُف أَنه كَانَ ﷺ قد أعد فى سنى الخصب من الْحِنْطَة وَالشعِير وَسَائِر الْحُبُوب فِي الأهراء والخزائن مَا يسع أهل مصر وَغَيرهم فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ السنون الشداد جعل يُوسُف يبيعهم فى السّنة الأولى بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير حَتَّى استغرق دَرَاهِم مصر ودنانيرها ثمَّ باعهم فِي الثَّانِيَة بالحلى والجواهر حَتَّى لم يبْق فِي أيدى النَّاس شىء مِنْهَا ثمَّ باعهم فى الثَّالِثَة بالمواشى وَالدَّوَاب حَتَّى أحتوى عَلَيْهَا كلهَا ثمَّ باعهم فِي الرَّابِعَة بالعبيد وَالْإِمَاء حَتَّى لم يبْق لأَحَدهم عبد وَلَا أمة ثمَّ باعهم فى الْخَامِسَة بالضياع وَالْعَقار والدور حَتَّى جمع بَين ملك مصر وملكها ثمَّ باعهم فِي السَّادِسَة بأولادهم حَتَّى استرقهم ثمَّ باعهم فى السَّابِعَة برقابهم حَتَّى لم يبْق بِمصْر حر وَلَا حرَّة إِلَّا صَار عبدا وَصَارَت أمة لَهُ ثمَّ إِنَّه ﷺ قَالَ إنى لم أملك مصر لأملك أَهلهَا
1 / 48