أما بعد حمد الله الذى أقل نعمه يسْتَغْرق أَكثر الشُّكْر وَالصَّلَاة على نبيه الْمُصْطَفى مُحَمَّد وَآله مَا نطق لِسَان بِالذكر فَإِن هَذَا الْكتاب مترجم ب ثمار الْقُلُوب فِي الْمُضَاف والمنسوب خدمت فِيهِ خزانَة كتب الْأَمِير السَّيِّد أَبى الْفضل عبيد الله بن أَحْمد الميكالى عمرها الله تَعَالَى بطول عمره وعلو أمره وَإِن كنت فِي ذَلِك كمهدى الْعود إِلَى الهنود وناقل الْمسك إِلَى أَرض التّرْك وجالب العنبر إِلَى الْبَحْر الْأَخْضَر وَلَكِن مَا على الناصح إِلَّا جهده ولى أُسْوَة فِي ابْن طَبَاطَبَا العلوى إِذْ قَالَ
(لَا تنكرن إهداءنا لَك منطقا ... مِنْك استفدنا حَسَنَة ونظامة)
(فَالله ﷿ يشْكر فعل من ... يَتْلُو عَلَيْهِ وحيه وَكَلَامه)
وأنشدني أَبُو الْفَتْح على بن مُحَمَّد البستى لنَفسِهِ
(لَا تنكرن إِذا أهديت نَحْوك من ... علومك الغر أَو آدابك اللطفا)
(فقيم الباغ قد يهدى لمَالِكه ... برسم خدمته من باغه التحفا)
وَبِنَاء هَذَا الْكتاب على ذكر أَشْيَاء مُضَافَة ومنسوبة إِلَى أَشْيَاء مُخْتَلفَة يتَمَثَّل بهَا وَيكثر فِي النثر وَالنّظم وعَلى ألسن الْخَاصَّة والعامة
1 / 3
اسْتِعْمَالهَا كَقَوْلِهِم غراب نوح ونار إِبْرَاهِيم وذئب يُوسُف وعصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان وحمار عُزَيْر وبردة النَّبِي مُحَمَّد ﷺ
وكقولهم كنز النطف وقوس حَاجِب وقرطا مَارِيَة وصحيفة المتلمس وَحَدِيث خرافة ومواعيد عرقوب وَجَزَاء سنمار وَيَوْم عبيد وعطر منشم ونسر لُقْمَان وعير أَبى سيارة
وكقولهم سيرة أزدشير وَعدل أنوشروان وإيوان كسْرَى وَرمى بهْرَام
وكقولهم سيرة العمرين ودرة عمر وقميص عُثْمَان وفضائل عَليّ وَصدق أبي ذَر وحلم الْأَحْنَف وزهد الْحسن وعنز الْأَعْمَش وجامع سُفْيَان
وكقولهم حنين الْإِبِل وخيلاء الْخَيل وأخلاق البغال وصبر الْحمار وداء الذِّئْب وزجر الْكَلْب ونوم الفهد وروغان الثَّعْلَب وقبح القرد
وكقولهم أفاعى سجستان وثعابين مصر وعقارب نَصِيبين وجرارات الأهواز وَحمى خَيْبَر وطحال الْبَحْرين ودماميل الجزيرة
وكقولهم تفاح الشَّام وأترج الْعرَاق وسكر الأهواز وَورد جور وعود الْهِنْد ومسك تبت وَعَنْبَر الشحر وطرف الصين
وكقولهم فِي الاستعارات رَأس المَال وَوجه النَّهَار وَعين الشَّمْس وأنف الْجَبَل ولسان الْحَال وناب النوائب وَأذن الْحَائِط وقلب الْعَسْكَر وكبد السَّمَاء وَصدر الْأَمر
وَقد خرجتها فِي أحد وَسِتِّينَ بَابا ينْطق كل مِنْهَا بِذكر مَا يشْتَمل عَلَيْهِ أَولا ويفصح عَن الاستشهاد وسياقه المُرَاد آخرا وَمَا مِنْهَا إِلَّا مَا يتَعَلَّق
1 / 4
من الْمثل بِسَبَب ويوفى من اللُّغَة وَالشعر على طرف وَيضْرب فِي التشبيهات والاستعارات بِسَهْم وَيَأْخُذ من الْأَخْبَار والأنساب بقسم وبجيل فِي خَصَائِص الْبلدَانِ والأماكن قدحا ويجرى فِي أَعَاجِيب الْأَحَادِيث شوطا وَهَذَا تَرْتِيب الْأَبْوَاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
اللّبَاب الأول فِيمَا يُضَاف إِلَى اسْم الله تَعَالَى عز ذكره وَجل اسْمه
الْبَاب الثَّانِي فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ
الْبَاب الثَّالِث فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين
الْبَاب الرَّابِع فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْقُرُون الأولى
الْبَاب الْخَامِس فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
الْبَاب السَّادِس فِي ذكر رجالات الْعَرَب مختلفى الألقاب والمراتب مضافين ومنسوبين إِلَى أَشْيَاء مُخْتَلفَة تضرب بأكثرهم الْأَمْثَال
الْبَاب السَّابِع فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْقَبَائِل
الْبَاب الثَّامِن فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى رجال مُخْتَلفين
الْبَاب التَّاسِع فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْعَرَب
الْبَاب الْعَاشِر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين
الْبَاب الحادى عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْقُرَّاء وَالْعُلَمَاء
الْبَاب الثانى عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى أهل الْمذَاهب والآراء والأهواء
الْبَاب الثَّالِث عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى مُلُوك الْجَاهِلِيَّة وخلفاء الْإِسْلَام
1 / 5
الْبَاب الرَّابِع عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْكتاب والوزراء فِي الدولة العباسية
الْبَاب الْخَامِس عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى طَبَقَات الشُّعَرَاء
الْبَاب السَّادِس عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْبلدَانِ والأماكن
الْبَاب السَّابِع عشر فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى أهل الصناعات
الْبَاب الثَّامِن عشر فِي الْآبَاء المضافين الَّذين لم يلدوا والأمهات المضافات اللواتى لم يلدن والبنين وَالْبَنَات الَّذين لم يولدوا
الْبَاب التَّاسِع عشر فِي الأذواء والذوات
الْبَاب الْعشْرُونَ فِي ذكر النِّسَاء والمضافات والمنسوبات الَّتِى يتَمَثَّل بهَا لَهُنَّ
الْبَاب الحادى وَالْعِشْرين فِيمَا يُضَاف وينسب إلَيْهِنَّ
الْبَاب الثَّانِي وَالْعِشْرين فِي أَعْضَاء الْحَيَوَان وَمَا يُضَاف وينسب إِلَيْهَا ويستعار مِنْهَا
الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي الْإِبِل وَمَا يُضَاف وينسب مِنْهَا وإليها وَإِلَى غَيرهَا
الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الْخَيل وَالْبِغَال
الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الْحمير وَمَا يُضَاف وينسب مِنْهَا وإليها
الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي الْبَقر وَالْغنم
الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الْأسد
الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي الذِّئْب
1 / 6
الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي الْكَلْب
الْبَاب الثَّلَاثُونَ فِي سَائِر السبَاع والوحوش
الْبَاب الحادى وَالثَّلَاثُونَ فِي السنور والفأر
الْبَاب الثانى وَالثَّلَاثُونَ فِي الضَّب والظربان والقنفذ والسرطان
الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحَيَّة وَالْعَقْرَب
الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي سَائِر الحشرات والهوام
الْبَاب الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ فِي النعام
الْبَاب السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ فِي الطير
الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي عتاق الطير
الْبَاب الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ فِي الْغُرَاب
الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحمام
الْبَاب الْأَرْبَعُونَ فِي سَائِر أَصْنَاف الطير
الْبَاب الحادى وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْبيض
الْبَاب الثانى وَالْأَرْبَعُونَ فِي الذُّبَاب والبعوض وَمَا يجانسهما
الْبَاب الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ فِي الأَرْض وَمَا يُضَاف وينسب إِلَيْهَا
الْبَاب الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي الدّور والأمكنة والأبنية
الْبَاب الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى الْبلدَانِ والأماكن من فنون شَتَّى
الْبَاب السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَيْهَا من الْأَعْرَاض
الْبَاب السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْجبَال وَالْحِجَارَة
1 / 7
الْبَاب الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْمِيَاه وَمَا يُضَاف وينسب مِنْهَا وإليها
الْبَاب التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي النيرَان وَمَا يُضَاف وينسب إِلَيْهَا
الْبَاب الْخَمْسُونَ فِي الشّجر والنبات
الْبَاب الحادى وَالْخَمْسُونَ فِي اللبَاس وَالثيَاب
الْبَاب الثانى وَالْخَمْسُونَ فِي الطَّعَام وَمَا يتَّصل بِهِ وَمَا يذكر مَعَه
الْبَاب الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ فِي الشَّرَاب وَمَا يتَّصل بِهِ وَيذكر مَعَه
الْبَاب الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ فِي السِّلَاح وَمَا يجانسه
الْبَاب الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ فِي الْحلِيّ وَمَا أشبههَا
الْبَاب السَّادِس وَالْخَمْسُونَ فِي الليالى المضافة
الْبَاب السَّابِع وَالْخَمْسُونَ فِي الْأَزْمَان والأوقات
الْبَاب الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ فِي الْآثَار العلوية سوى مَا تقدم مِنْهَا
الْبَاب التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ فِي الْأَدَب وَمَا يتَعَلَّق بِهِ
الْبَاب السِّتُّونَ فِي فنون مُخْتَلفَة التَّرْتِيب على توالى حُرُوف الهجاء
الْبَاب الحادى وَالسِّتُّونَ فِي الجنات
وَهُوَ آخر الْأَبْوَاب جعلهَا الله تَعَالَى أبوابا مَفْتُوحَة للأمير السَّيِّد إِلَى أمْنِيته وعرفه من بركاتها مَا يربى على عدد سطورها بل حروفها برحمته
وَبعد فحقيق على من تصفح هَذَا الْكتاب فرتع فِي رياضة وجنى من ثماره أَن يَدْعُو للْآمِر بِهِ والداعى إِلَى إِيجَاد أَسبَابه بطول الْبَقَاء ودوام النعماء ورغد الْعَيْش وَسُكُون الجأش وَطول الْيَد وعلو الْجد وكفاية المهم ودفاع الملم
1 / 8
فَأَما أَنا فأستوفق الله لفرض خدمته وشكر نعْمَته وأسأله مَسْأَلَة المتضرع لَدَيْهِ الرافع يَدَيْهِ بِأَن يَسُوق جمل السُّعُود إِلَيْهِ ويوفر أَقسَام السعادات عَلَيْهِ حَتَّى تَجْتَمِع لَهُ حظوظ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ومصالح العاجلة والآجلة وَأَن يقر عين الْمجد بِبَقَاء الْأُمَرَاء النجباء من أَوْلَاده ويريه فيهم وَفِي كل مَا يسمو إِلَيْهِ بآماله غَايَة محبته وَنِهَايَة مُرَاده من حَيْثُ لَا تهتدى النوائب إِلَى عراصه وَلَا تطمع الْحَوَادِث فِي انتقاصه
1 / 9
الْبَاب الأول فِيمَا يُضَاف إِلَى اسْم الله تَعَالَى عز ذكره
أهل الله
بَيت الله
رَسُول الله
كتاب الله
خَلِيل الله
روح الله
أَرض الله
أَسد الله
سيف الله
قَوس الله
رمح الله
كلب الله
نَار الله
شمس الله
ظلّ الله
سعد الله
نَاقَة الله
نهر الله
خَاتم الله
رَحْمَة الله
ستر الله
يَد الله
عُمَّال الله
سَبِيل الله
بَاب الله
نور الله
حراس الله
أَمَان الله
ميزَان الله
خَالِصَة الله
مَوَائِد الله
عين الله
أَمر الله
طراز الله
خلَافَة الله
لعنة الله
سجن الله
بُنيان الله
صبغة الله
وَفد الله
الاستشهاد
(أهل الله) كَانَ يُقَال لقريش فِي الْجَاهِلِيَّة أهل الله لما تميزوا بِهِ عَن سَائِر الْعَرَب من المحاسن والمكارم والفضائل والخصائص الَّتِى هى أَكثر من أَن تحصى
فَمِنْهَا مجاورتهم بَيت الله تَعَالَى وإيثارهم سكن حرمه على جَمِيع بِلَاد الله وصبرهم على لأواء مَكَّة وشدتها وخشونة الْعَيْش بهَا
وَمِنْهَا مَا تفردوا بِهِ من الإيلاف والوفادة والرفادة والسقاية والرياسة واللواء والندوة
وَمِنْهَا كَونهم على إِرْث من دين أبويهم إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل ﵉ من قرى الضَّيْف ورفد الْحَاج والمعتمرين وَالْقِيَام بِمَا يصلحهم وتعظيم الْحرم وصيانته عَن البغى فِيهِ والإلحاد وقمع الظَّالِم وَمنع الْمَظْلُوم
1 / 10
وَمِنْهَا كَونهم قبْلَة الْعَرَب وَمَوْضِع الْحَج الْأَكْبَر يُؤْتونَ من كل أَوب بعيد وفج عميق فَترد عَلَيْهِم الْأَخْلَاق والعقول والآداب والألسنة واللغات والعادات والصور وَالشَّمَائِل عفوا بِلَا كلفة وَلَا غرم وَلَا عزم وَلَا حِيلَة فيشاهدون مَا لم تشاهده قَبيلَة وَلَيْسَ من شَاهد الْجَمِيع كمن شَاهد الْبَعْض وَلَا المجرب كالغمر وَلَا الأريب كالعتل فكثرت الخواطر واتسع السماع وأنفسحت الصُّدُور بالغرائب الَّتِى تتَّخذ والأعاجيب الَّتِى تحفظ فثبتت تِلْكَ الْأُمُور فِي صُدُورهمْ وأضمرت وتزاوجت فتناتجت وتوالدت وصادفت قريحة جَيِّدَة وطينة كَرِيمَة وَالْقَوْم فِي الأَصْل مرشحون لِلْأَمْرِ الجسيم فَلذَلِك صَارُوا أدهى الْعَرَب وأعقل الْبَريَّة وَأحسن النَّاس بَيَانا وصارا أحدهم يُوزن بِأمة من الْأُمَم وَكَذَلِكَ ينبغى أَن يكون الإِمَام فَأَما الرَّسُول ﷺ فقد كَانَ يزن جَمِيع الْأُمَم
وَمِنْهَا ثبات جودهم وجزيل عطاياهم واحتمالهم الْمُؤَن الْغِلَاظ فِي أَمْوَالهم المكتسبة من التِّجَارَة وَمَعْلُوم أَن الْبُخْل وَالنَّظَر فِي الطفيف مقرون بِالتِّجَارَة الَّتِى هى صناعتهم والتجار هم أَصْحَاب التربيح والتكسب والتدنيق والتدقيق وَكَانَ فِي اتِّصَال جودهم العالي على الأجواد من قوم لَا كسب لَهُم من التِّجَارَة عجب من الْعجب وأعجب من ذَلِك أَنهم من بَين جَمِيع الْعَرَب دانوا بالتحمس والتشدد فِي الدّين فتركوا الْغَزْو كَرَاهَة للسبي وَاسْتِحْلَال الْأَمْوَال فَلَمَّا زهدوا فِي الغصوب لم يبْق مكسبة سوى التِّجَارَة فَضربُوا فِي الْبِلَاد إِلَى قَيْصر بالروم وَالنَّجَاشِي بِالْحَبَشَةِ والمقوقس بِمصْر وصاروا بأجمعهم
1 / 11
تجارًا خلطاء فَكَانُوا مَعَ طول ترك الْغَزْو إِذا غزوا كالأسود على فرائسها مَعَ الرأى الْأَصِيل والبصيرة النافذة
فَهَذَا يسير من كثير خصائصهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَلما جَاءَ الله تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ وَبعث مِنْهُم خير خلقه وَأفضل رسله مُحَمَّدًا رَسُول الله ﷺ تظاهر شرفهم وتضاعف كرمهم وصاروا على الْحَقِيقَة أَهلا لِأَن يدعوا أهل الله فاستمر عَلَيْهِم وعَلى سَائِر أهل مَكَّة وعَلى أهل الْقُرْآن هَذَا الأسم حَيْثُ قَالَ النَّبِي ﷺ (أهل الْقُرْآن هم أهل الله وخاصته) وَقَالَ لعتاب بن أسيد لما بَعثه إِلَى مَكَّة
هَل تدرى على من اسْتَعْمَلْتُك اسْتَعْمَلْتُك على أهل الله
وَسَأَلَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ نَافِع بن عبد الْحَارِث الخزاعى حِين قدم عَلَيْهِ من مَكَّة من اسْتخْلفت على مَكَّة قَالَ ابْن أَبْزَى قَالَ أتستخلف على أهل الله مولى قَالَ إِنَّه أقرؤهم لكتاب الله تَعَالَى قَالَ إِن الله تَعَالَى يرفع بِالْقُرْآنِ أَقْوَامًا
قَالَ بعض السّلف حَسبك من قُرَيْش أَنهم أهل الله وَأقرب النَّاس بُيُوتًا من بَيت الله وأقربهم قرَابَة من رَسُول الله وَلم يسم الله تَعَالَى قَبيلَة باسمها غير قُرَيْش وَصَارَت فيهم وَلَهُم الْخِصَال الْأَرْبَع الَّتِى هى أشرف خِصَال الْإِسْلَام النُّبُوَّة والخلافة والشورى والفتوح فَلَيْسَ الْيَوْم على ظهر الأَرْض وممالك الْعَرَب والعجم وَفِي جَمِيع الأقاليم السَّبْعَة ملك فِي نِصَاب نبوة وإمامة فِي مغرس رِسَالَة إِلَّا من قُرَيْش
1 / 12
وَقَالَ النَّبِي ﷺ (الْأَئِمَّة من قُرَيْش) وَقَالَ ﷺ (قدمُوا قُريْشًا وَلَا تتقدموها وتعلموا مِنْهَا وَلَا تعلموها) وينشد
(إِن قُريْشًا هى من خير الْأُمَم ... لَا يضعون قدما على قدم) أى يتبعُون وَلَا يتبعُون
وَقَالَ الْأَعْشَى وَهُوَ يُعَاتب رجلا ويخبر أَنه مَعَ شرفه لم يبلغ مبلغ قُرَيْش
(فَمَا أَنْت من أهل الْحجُون وَلَا الصَّفَا ... وَلَا لَك حق الشّرْب فِي مَاء زَمْزَم)
وسيمر بك فِي هَذَا الْكتاب من نكت فضائلهم وغرر غرائبهم مَا تكْثر فَائِدَته وتطيب ثَمَرَته وَإِن كَانَ لَا مزِيد على وصف الجاحظ لَهُم ومدحه إيَّاهُم وتخصيصه بنى هَاشم مِنْهُم فَإِنَّهُ ﵀ ألْقى جمة فَصَاحَته واستنزف بَحر بلاغته فِي فصل لَهُ وَهُوَ قَوْله
الْعَرَب كالبدن وقريش روحها وهَاشِم سرها ولبها وَمَوْضِع غَايَة الدّين وَالدُّنْيَا مِنْهَا وَبَنُو هَاشم ملح الأَرْض وزينة الدُّنْيَا وحلى الْعَالم والسنام الأضخم والكاهل الْأَعْظَم ولباب كل جَوْهَر كريم وسر كل عنصر لطيف والطينة الْبَيْضَاء والمغرس الْمُبَارك والنصاب الوثيق ومعدن الْفَهم وينبوع الْعلم وثهلان ذُو الهضبات فِي الْحلم وَالسيف الحسام فِي الْعَزْم مَعَ الأناة والحزم والصفح عَن الجرم والإغضاء عَن العثرة وَالْعَفو
1 / 13
عِنْد الْقُدْرَة وهم الْأنف الْمُتَقَدّم والسنام ألاكوم والعزم المشمخر والصيانة والسر وكالماء الذى لَا يُنجسهُ شَيْء وكالشمس لَا تخفى بِكُل مَكَان وكالنجم للحيران وَالْمَاء الْبَارِد للظمآن وَمِنْهُم الثَّقَلَان والطيبان والسبطان والشهيدان وَأسد الله وَذُو الجناحين وَسيد الوادى وساقى الحجيج وحليم الْبَطْحَاء وَالْبَحْر والحبر وَالْأَنْصَار أنصارهم وَالْمُهَاجِر من هَاجر إِلَيْهِم أَو مَعَهم وَالصديق من صدقهم والفاروق من فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل مِنْهُم والحوارى حواريهم وَذُو الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُ شهد لَهُم وَلَا خير إِلَّا هم أَو فيهم أَو لَهُم أَو مَعَهم أَو انضاف إِلَيْهِم وَكَيف لَا يكونُونَ كَذَلِك وَمِنْهُم رَسُول رب الْعَالمين وَإِمَام الْأَوَّلين والآخرين وَسيد الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين الذى لم تتمّ لنَبِيّ نبوة إِلَّا بعد التَّصْدِيق بِهِ والبشارة بمجيئه الذى عَم برسالته مَا بَين الْخَافِقين وأظهره الله على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ فَقَالَ ﴿نذيرا للبشر﴾ وَقَالَ ﴿قل يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا﴾
وَقَالَ ﷺ (بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود وَإِلَى النَّاس كَافَّة) وَقَالَ (نصرت بِالرُّعْبِ من مسيرَة شهر وَأعْطيت جَوَامِع الْكَلم وَعرضت على مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض) وَقَالَ (أَنا أول شَافِع وَمُشَفَّع وَأول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض)
وَقد أقسم الله ﷾ بحياته فِي الْقُرْآن فَقَالَ ﴿لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون﴾ وَقَالَ ﴿ن والقلم﴾ استفتاح وَقسم ثمَّ قَالَ ﴿وَمَا يسطرون﴾
1 / 14
) فأكد الْقسم وَفسّر الْمَعْنى ثمَّ قصد نبيه فَقَالَ ﴿وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم﴾ ولاعظيم أعظم مِمَّن عظمه الله كَمَا أَنه لَا صَغِير أَصْغَر مِمَّن صغره الله
فأى ممدوح أعظم وأفخر وأسنى وأكبر من ممدوح مادحه الله وناقل مديحه وراوية كَلَامه جِبْرِيل والممدوح مُحَمَّد ﷺ
قَالَ مؤلف الْكتاب وكما سمتهم الْعَرَب أهل الله سمى مُحَمَّد بن عبد الْملك ابْن صَالح الْهَاشِمِي ابْن آل الله وَكَانَ يطْلب مهاجاة مُحَمَّد بن يزِيد المسلمى من ولد مسلمة بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَكَانَ المسلمى يَأْبَى ذَلِك وَيَقُول لَا أهاجى رجلا فِي دولته وَكَانَ إِذا فَخر فِي قصيدة نقض عَلَيْهِ مُحَمَّد فَمن ذَلِك قَول المسلمى
(أما صفاتى فلهَا شان ...)
وهى طَوِيلَة يفخر فِيهَا ببنى أُميَّة فَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك على وَزنهَا قصيدة أَولهَا
(أَنا ابْن آل الله من هَاشم ... حَيْثُ نمى خير واحسان)
(من نبعة مِنْهَا نبى الْهدى ... مؤنقة وَالْفرع فينان)
(منا على بن أَبى طَالب ... ومنك مَرْوَان وسُفْيَان)
(مَوْلَاك فِي الْإِيمَان لَا تنسه ... إِن كَانَ فِي قَلْبك إِيمَان)
(آمن بِاللَّه وآياته ... وَأَنْتُم صم وعميان)
وَأول من قَالَ لَهُم عترة الله إِبْرَاهِيم بن المهدى فَإِنَّهُ لما أغارت الرّوم
1 / 15
بعد أنصراف المعتصم على الْمُسلمين وأسرت خلقا كثيرا مِنْهُم دخل على المعتصم وأنشده قصيدة يحضه بهَا على جهادهم فَمِنْهَا قَوْله
(يَا عترة الله قد عَايَنت فانتقمى ... تِلْكَ النِّسَاء وَمَا مِنْهُنَّ يرتكب)
(هَب الرِّجَال على إجرامها قتلت ... مَا بَال أطفالها بِالذبْحِ تستلب)
وَقبل إِبْرَاهِيم قد جعلهم الْحَارِث بن ظَالِم المرى قرابين الله يتَقرَّب إِلَيْهِ بهم لأَنهم هم فَقَالَ
(إِذا فَارَقت ثَعْلَبَة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إِلَى لؤى)
(إِلَى نسب كريم غير وغد ... وحى هم أكارم كل حى)
(وَإِن تعصب بهم نسبى فَمنهمْ ... قرابين الْإِلَه بَنو قصى) وفى الْمُنَاسبَة بَين العترة والقرابين خَفَاء
(بَيت الله) كَمَا أَن أهل مَكَّة أهل الله وَالْحجاج زوار الله فالكعبة بَيت الله الذى جعله الله مثابة للنَّاس وحطة للخليل وحلة للذبيح وقبلة لسَيِّد ولد آدم وَخَاتم الْأَنْبِيَاء ﷺ وكعبة لأمته الَّتِى هى خير الْأُمَم وَقد كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة لَا تبنى بنيانا مربعًا تَعْظِيمًا للكعبة وَقد كَانَت تحلف بِبَيْت الله كَمَا قَالَ زُهَيْر
(فأقسمت بِالْبَيْتِ الذى طَاف حوله ... رجال بنوه من قُرَيْش وجرهم) وَقَالَ النَّابِغَة
(فَلَا وَرب الذى قد زرته حجَجًا ... وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد)
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم ﵇ ﴿رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون﴾
فَمن خَصَائِص الْحرم أَنه بواد غير ذى زرع وَلَا شجر وَيُوجد فِيهِ كل ثَمَرَات الْأَشْجَار وَالزَّرْع وَغَيرهَا
وَمن خَصَائِصه أَن الذِّئْب يريغ الظبى ويعارضه ويصيده فَإِذا دخل الْحرم كف عَنهُ
وَمن خَصَائِصه أَنه لَا يسْقط على الْكَعْبَة حمام إِلَّا وَهُوَ عليل عرف ذَلِك من أمتحنه وتعرف حَاله وَلَا يسْقط عَلَيْهَا مَا دَامَ صَحِيحا
وَمن خَصَائِصه أَن الطير إِذا حاذت الْكَعْبَة انفرقت فرْقَتَيْن وَلم تعلها
وَمن خَصَائِصه أَنه لَا يرَاهُ أحد مِمَّن لم يكن رَآهُ إِلَّا ضحك أَو بَكَى
وَمِنْهَا أَنه إِذا اصاب الْمَطَر الْبَاب الذى من شقّ الْعرَاق كَانَ الخصب فِي تِلْكَ السّنة بالعراق وَإِذا أصَاب الذى من شقّ الشَّام كَانَ الخصب بِالشَّام وَإِذا عَم جَوَانِب الْبَيْت كَانَ الخصب عَاما فِي الْبلدَانِ
وَمِنْهَا أَن الْجمار ترمى فِي ذَلِك المرمى مُنْذُ يَوْم حج النَّاس الْبَيْت على طول الدَّهْر ثمَّ كَانَت إِلَى الْيَوْم على مِقْدَار وَاحِد وَلَوْلَا أَنه مَوضِع الْآيَة
1 / 16
وَقَالَ النَّابِغَة
(فَلَا وَرب الذى قد زرته حجَجًا ... وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد)
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم ﵇ ﴿رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون﴾
فَمن خَصَائِص الْحرم أَنه بواد غير ذى زرع وَلَا شجر وَيُوجد فِيهِ كل ثَمَرَات الْأَشْجَار وَالزَّرْع وَغَيرهَا
وَمن خَصَائِصه أَن الذِّئْب يريغ الظبى ويعارضه ويصيده فَإِذا دخل الْحرم كف عَنهُ
وَمن خَصَائِصه أَنه لَا يسْقط على الْكَعْبَة حمام إِلَّا وَهُوَ عليل عرف ذَلِك من أمتحنه وتعرف حَاله وَلَا يسْقط عَلَيْهَا مَا دَامَ صَحِيحا
وَمن خَصَائِصه أَن الطير إِذا حاذت الْكَعْبَة انفرقت فرْقَتَيْن وَلم تعلها
وَمن خَصَائِصه أَنه لَا يرَاهُ أحد مِمَّن لم يكن رَآهُ إِلَّا ضحك أَو بَكَى
وَمِنْهَا أَنه إِذا اصاب الْمَطَر الْبَاب الذى من شقّ الْعرَاق كَانَ الخصب فِي تِلْكَ السّنة بالعراق وَإِذا أصَاب الذى من شقّ الشَّام كَانَ الخصب بِالشَّام وَإِذا عَم جَوَانِب الْبَيْت كَانَ الخصب عَاما فِي الْبلدَانِ
وَمِنْهَا أَن الْجمار ترمى فِي ذَلِك المرمى مُنْذُ يَوْم حج النَّاس الْبَيْت على طول الدَّهْر ثمَّ كَانَت إِلَى الْيَوْم على مِقْدَار وَاحِد وَلَوْلَا أَنه مَوضِع الْآيَة
1 / 17
والعلامة والأعجوبة الَّتِى فِيهَا لقد كَانَ كالجبال هَذَا من غير أَن تكسحه السُّيُول أَو يَأْخُذهُ النَّاس
وَمن سُنَنهمْ أَن من علا الْكَعْبَة من العبيد فَهُوَ حر لَا يرَوْنَ الْملك على من علاها وَلَا يجمعُونَ بَين عز علوها وذل الرّقّ وبمكة رجال من الصلحاء لم يدخلوها قطّ إعظاما لَهَا
وَمن يَسْتَطِيع ان يدعى الْإِحَاطَة بفضائل بَيت الله وخصائصه
وَمن بارع التمثل بِهِ قَول بعض الْمُحدثين فِي الْحسن بن مخلد وَقد خلع عَلَيْهِ
(أَبَا مُحَمَّد المسعود طالعه ... فت الْبَريَّة طرا أَيّمَا فَوت)
(زهت بك الخلعة الميمون طائرها ... كزهو خلعة بَيت الله بِالْبَيْتِ) وَقَالَ آخر
(وكعبة الله لَا تُكْسَى لإعواز ...)
٣ - (رَسُول الله) قَالَ الله ﷿ ﴿لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة﴾
وَمِمَّنْ تمثل بِهِ فَأحْسن جدا ابْن الرومى حَيْثُ قَالَ فِي التَّمْثِيل لتفضيل الْوَلَد على الْوَالِد
(قَالُوا أَبُو الصَّقْر من شَيبَان قلت لَهُم ... كلا لعمرى وَلَكِن مِنْهُ شَيبَان)
(وَكم أَب قد علا بِابْن ذرا شرف ... كَمَا علا برَسُول الله عدنان)
1 / 18
وَقَالَ آخر فِي تَفْضِيل الْأَخير على الأول
(كَذَاك رَسُول الله آخر مُرْسل ... وَمَا مثله فِيمَا تقدم مُرْسل)
وَقَالَ الطائى فِي الِاعْتِذَار من أختيار غير الْخِيَار واصطناع من لَا يصلح للصنيعة
(هَذَا رَسُول الله صفوة ربه ... من بَين باد فِي الْأَنَام وقار)
(قد خص من أهل النِّفَاق عِصَابَة ... وهم أَشد أَذَى من الْكفَّار)
(وَاخْتَارَ من سعد لعين بنى أَبى ... سرح لوحى الله غير خِيَار)
(حَتَّى استضاء بشعلة السُّور الَّتِى ... رفعت لَهُ سجفا عَن الْأَسْرَار)
٤ - (كتاب الله) قَالَ ابْن الرومى متمثلا بِهِ
(وكأنما يمناى حِين تناولت ... يمناك إِذْ صافحتنى بِكِتَاب)
(أخذت كتاب الله وَهُوَ مُبشر ... بكرامة الرضْوَان يَوْم حِسَاب)
٥ - (خَلِيل الله) اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَاتخذ مُحَمَّدًا حبيبا والحبيب أخص من الْخَلِيل فِي الشَّائِع المستفيض من الْعَادَات أَلا ترَاهُ تَعَالَى قَالَ لَهُ ﷺ ﴿مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى﴾ بِمَعْنى أحبك وَمُقْتَضى هَذِه اللَّفْظَة أَنه اتَّخذهُ حبيبا وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك ويؤكده أَنه تَعَالَى لَا يحب أحدا مَا لم يُؤمن بِمُحَمد ويتبعه أَلا تسمعه يَقُول ﴿قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله﴾
وَمِمَّنْ ملح فِي التَّمْثِيل بخليل الله الأصمعى حِين استقرضه صديق لَهُ من
1 / 19
خلص اصدقائه فَقَالَ نعم وكرامه وَلَكِن سكن قلبى برهن يساوى ضعف مَا تلتمسه فَقَالَ لَهُ يَا ابا سعيد السِّت واثقا بى فَقَالَ بلَى وَلَكِن هَذَا خَلِيل الله كَانَ واثقا بربه حِين قَالَ ﴿رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي﴾
٦ - (روح الله) قَالَ تَعَالَى فِي ذكر عِيسَى ﵈ ﴿وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ﴾ فَلِذَا قيل لَهُ روح الله كَمَا قيل لإِبْرَاهِيم خَلِيل الله ولموسى كليم الله عَلَيْهِم الصَّلَاة السَّلَام الْأَرْوَاح كلهَا مِنْهُ وَله وَإِنَّمَا أضيفت روح الله إِلَيْهِ على سَبِيل الِاخْتِصَاص
وَمِمَّا يستملح لأبى أَحْمد بن أَبى بكر الْكَاتِب قَوْله لعلى بن عِيسَى الْوَزير ويروى لِابْنِ بسام وَهُوَ بقوله أشبه
(لست روح الله عِيسَى ... إِنَّمَا أَنْت ابْن عِيسَى)
(كلم النَّاس فَإِن الله ... قد كلم مُوسَى)
٧ - (أَرض الله) قد أَكثر النَّاس فِي الْحَث على السّير فِي الأَرْض لطلب الرزق قَالَ مَنْصُور بن ماذان
(فسر فِي بِلَاد الله وَالْتمس الْغنى ... فَمَا الكرج الدُّنْيَا وَلَا النَّاس قَاسم)
وَقَالَ البحترى
(شَرق وَغرب فعهد العاهدين بِمَا ... طالبت فِي ذملان الأينق الذمل)
1 / 20
(وَلَا تقل أُمَم شَتَّى وَلَا فرق ... فالأرض من تربة وَالنَّاس من رجل)
وَقَالَ سعيد بن مُحَمَّد الطبرى
(سأغنى بالهبيد وباللبيد ... وبالفلوات عَن قصر مشيد)
(فأرض الله وَاسِعَة أمامى ... إِذا ضَاقَ الفضاء على البليد)
وَمعنى الهبيد الحنظل واللبيد الجوالق أى أستغنى بالحنظل ومرعى الْبر عَن اسْتِصْحَاب زَاد
وَكَأن أحسن مَا قيل من ذَلِك مقتبس من قَوْله عز ذكره ﴿ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا﴾
٨ - (أَسد الله) كَانَ يُقَال لِحَمْزَة بن عبد الْمطلب أَسد الله لتقدم قدمه فِي الْحَرْب وَشدَّة إقدامه على أَعدَاء رَسُول الله ﷺ وَلما قَالَ حَمْزَة يَوْم حَرْب بدر أَنا أَسد الله وَأسد رَسُول الله قَالَ لَهُ عتبَة بن ربيعَة أَنا أَسد الحلفاء
قَالَ الزبير بن بكار لم يعرف لعتبة رفث إِلَّا هَذِه الْكَلِمَة وَكلمَة أُخْرَى قَالَهَا يَوْم بدر أَيْضا لأبى جهل وهى قَوْله فِي كَلَام جرى بَينهمَا يَا مصفر استه وَلست أدرى أى رفث فِي قَوْله أَنا أَسد الحلفاء
٩ - (سيف الله) خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أَبُو سُلَيْمَان سَمَّاهُ النبى ﷺ سيف الله لحسن آثاره فِي الْإِسْلَام وَصدقه فِي قتال الْمُشْركين فَكَانَ النَّبِي ﷺ إِذا نظر إِلَيْهِ وَإِلَى عِكْرِمَة بن أَبى جهل قَرَأَ ﴿يخرج﴾
1 / 21
الحى من الْمَيِّت) لِأَنَّهُمَا من خِيَار الصَّحَابَة وأبواهما أعدى عَدو لله وَرَسُوله
وروى أَبُو هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي ﷺ نظر إِلَى خَالِد رضى الله عَنهُ لابسا درعه فَقَالَ (نعم الْمَرْء خَالِد) وَكَانَ على مقدمه رَسُول الله ﷺ يَوْم حنين وَهُوَ الذى تولى كسر أَكثر الْأَصْنَام وَهدم جلّ الْأَوْثَان الَّتِى كَانَت قُرَيْش تعبدها وَتسمع من أجوافها همهمة نَحْو أصوات الْبَقر حَتَّى فتنت بهَا وَلما هدم عزى رمته بالشرر حَتَّى أحرقت عَامَّة فَخذه فعاده النَّبِي ﷺ
قَالَ الجاحظ وَمَا أَشك فِي أَنه قد كَانَت لسدنة الْأَوْثَان حيل وكمين وَلَو سَمِعت أَو رَأَيْت بعض مَا أعد الْهِنْد من هَذِه المخاريق فِي بيُوت عباداتهم لعَلِمت أَن الله تَعَالَى قد من على جملَة الْمُسلمين بالمتكلمين الَّذين نشئوا فيهم
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَمَا زَالَت السَّدَنَة تحتال للنَّاس من جِهَة النيرَان بأنواع الْحِيَل كاحتيال رُهْبَان كَنِيسَة الرها لمصابيحها حَتَّى إِن زَيْت قناديلها ليستوقد لَهُم من غير نَار فِي بعض ليالى أعيادهم وبمثل هَذَا احتيال السادن لخَالِد بن الْوَلِيد حَتَّى حِين رَمَاه بالشرر ليوهمه أَن ذَلِك من الْأَوْثَان عُقُوبَة على ترك عبادتها وإنكارها والتعرض لَهَا حِين قَالَ
(يَا عز كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إنى رَأَيْت الله قد أَهَانَك)
قَالَ وَجعلت قُرَيْش وَقد أَهْوى خَالِد بِسَيْفِهِ إِلَى الْعُزَّى تصيح يَا عزى
1 / 22