The Promised Generation for Victory and Empowerment
الجيل الموعود بالنصر والتمكين
ناشر
دار الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
پبلشر کا مقام
مصر
اصناف
- من ذاق عرف:
لقد ذاق الصحابة حلاوة الانشغال بالقرآن، وأدركوا قيمته، وشاهدوا ثمرة ذلك في واقعهم الذي تغير تغيرًا جذريًا، وأصبحوا شخصيات أخرى غير تلك التي كانت قبل إسلامهم، وكأنهم ولدوا من جديد (١)، ومن هنا كان حرصهم الشديد على تبليغ هذه الرسالة إلى من بعدهم، وكانوا ينزعجون من انشغال الناس بشيء غير القرآن. فهذا عبد الله بن مسعود ﵁ يأتيه اثنان من التابعين بصحيفة يريدان منه أن يقرأها ويقولان له: هذه صحيفة فيها كلام حسن، فقال: " هاتها، يا خادم هاتي الطست فاسكبي فيها الماء، فجعل يمحوها بيده، ويقول ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ﴾ (يوسف:٣) ". فقلنا انظر فيها، فإن فيها كلامًا عجبًا، فجعل يمحوها ويقول: " إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره" (٢).
- المعجزة القرآنية:
إذن فحرص الصحابة على تبليغ وصية نبيهم بالانشغال بالقرآن وحده، وبخاصة في فترة التكوين الأولى ناتج عن رؤيتهم لنتاج المعجزة القرآنية التي أحدثت فيهم تغييرًا جذريًا وأحيتهم الحياة الحقيقية: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ (الأنعام:١٢٢).
لقد أدركوا قيمة النور بعد أن عاشوا سنين طوالًا في الظلمات ..
فإن قلت إن التغيير الضخم الذي حدث للصحابة، وانعكس على واقعهم كان بسبب وجود رسول الله ﷺ بينهم؟!
نعم، إن وجود الرسول ﷺ بين الصحابة له دور كبير في ضبط عملية التغيير وتجويدها، وترشيدها بصفته معلم ومربٍ - كما سيأتي بيانه - أما منهج التغيير والمصنع الذي دخله الصحابه فغيَّرهم هذا التغيير فهو بلا شك القرآن الذي قال عنه الله ﷿: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر:٢١).
ويؤكد على هذا المعنى سيد قطب ﵀ فيقول:
"لو كان وجود شخص رسول الله ﷺ، حتميًا لقيام هذه الدعوة، وإيتائها ثمراتها، ما جعلها الله دعوة للناس كافة، وما جعلها آخر رسالة، وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض إلى آخر الزمان. "
ولكن الله سبحانه تكفل بحفظ الذكر، وعلم أن هذه الدعوة يمكن أن تقوم بعد رسول الله ﷺ، ويمكن أن تؤتي ثمارها، فاختاره إلى جواره، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الرسالة، وأبقي هذا الدين من بعده إلى آخر الزمان.
إن النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن .. فما كان حديث الرسول ﷺ وهديه إلا أثرًا من آثار ذلك النبع، فعندما سُئلت عائشة ﵂ عن خلق رسول الله ﷺ قالت: (كان خلقه القرآن) (٣).
- المدينة فتحت بالقرآن:
ولعل من أوضح الأمثلة التي تؤكد هذا المعنى أن القرآن هو الذي فتح المدينة كما قال الإمام مالك وغيره، وذلك قبل هجرة الرسول ﷺ إليها، فبعد بيعة العقبة أرسل ﷺ مصعب بن عمير إلى يثرب ومعه ما معه من القرآن .. فماذا حدث؟!
_________
(١) تم بفضل الله عرض تصور عن الكيفية التي يقوم من خلالها القرآن بتغيير عقل وقلب ونفس الإنسان في كتاب العودة إلى القرآن، وكتاب كيف نغير ما بأنفسنا؟
(٢) فضائل القرآن لأبي عبيد / ٧٣ - دار بن كثير - دمشق.
(٣) معالم في الطريق لسيد قطب / ١١، ١٢.
1 / 52