The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
اصناف
الفرق بين المحافظة على الدعوة والمحافظة على النفس
هناك نقطتان مهمتان لتكتمل الصورة: النقطة الأولى: أن الفارق بين الحكمة في الحفاظ على النفس وبين الجبن خطوة، فمن الممكن أن يقول شخص: أنا أحافظ على نفسي؛ لأن المرحلة تريد هذا، فلا يقول كلمة حق ولا يجاهد، ولا يدعو إلى الله، ولا أي شيء أبدًا في سبيل الله، بينما الدافع الحقيقي وراء هذا الركون أو القعود هو الجبن والخوف من مواجهة الباطل.
إذًا: كيف نفرق بين الحكيم الذي يتبع الرسول ﷺ، وبين الجبان الذي لا يريد أن يحمل هم الدعوة؟ أولًا: يرجع في ذلك إلى الدليل الشرعي من سيرة الرسول ﷺ، وذلك أن يكون موقفه هذا يشبه موقف الرسول ﷺ عندما أخذ بالسرية.
ثانيًا: الورع والإيمان والتقوى الذي في قلب الإنسان، والله ﷾ هو المطّلع على القلوب ويراك، وأنت أولًا وآخرًا تتعامل مع الله ﷾.
ثالثًا: الرأي المشار إليه من قبل القائد والجماعة والشورى في هذه المرحلة، والشورى في غاية الأهمية وهكذا يمكن أن يخرج عامل الهوى، ونستطيع أن نفرق بين الحكيم وبين الجبان.
النقطة الثانية: أن الذي يُراعى هو مصلحة المسلمين والإسلام عمومًا، وليس مصلحة الفرد، أي: أنه قد يهلك الفرد وتكون الهلكة محققة، لكن هذا في مصلحة المجموعة، هنا لا يُلتفت إلى الحفاظ على الفرد؛ لأننا نحافظ على الدين بصفة عامة، وعلى الأمة أو المصلحة العامة، أي: أنه سيأتي بعد ثلاث سنين من هذا الأمر أن الرسول ﷺ يجهر بدعوته، وستكون هناك خطورة حقيقية عليه، لكن المصلحة الأعم للدعوة أنه يُعلن، وسيأتي بعد فترة يبعث مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة، وسيكون هناك خطورة حقيقية على مصعب بن عمير ﵁ وأرضاه، ففي المدينة المشركين واليهود وغيرهم، لكن المصلحة المتحققة أعلى، فيُضحى بمصلحة مصعب بن عمير على حساب تحقيق مصلحة أكبر للدعوة، من الذي يحكم في النهاية؟ الشورى والقائد، ومن المؤكد أن الهوى سيدخل إذا لم تدخل الشورى أو القائد في الموضوع.
وقد يكون من الهوى أن يموت؛ لأنه لم يتحمل الظلم الواقع على المسلمين، ولا يستحمل أن الكفر له الغلبة، فيحاول أن يتخلص من الأمر بالتسرع في إعلان نفسه، أو التسرع بالقتال في سبيل الله، أو في إظهار أمر الدعوة في مكان لا يستقيم أن يُظهر فيه أمر الدعوة في هذه المرحلة، كل هذا قد يكون هوى في قلب الإنسان، والله ﷾ يريد منك تصرفًا آخر، ولهذا نؤكد دائمًا على الشورى والرجوع إلى قائد المسلمين.
5 / 6