The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
اصناف
ضرورة الحفاظ على الدعوة بالسرية
نخرج من موقف الرسول ﷺ عند بدء الدعوة بقاعدة مهمة: وهي أن الدعاة مطالبون بالحفاظ على أنفسهم وعلى حياتهم لا لخوفهم من الموت، فالموت في سبيل الله في حد ذاته غاية، ولكن حفاظًا على الدين وعلى الإسلام، وعلى استمرار المسيرة، أي: أن العملية ليست عملية ملل من الدعوة أو الحياة أو الأعداء، لا، فهنا نظام وحكمة ومنهج ثابت.
ومن هذا أخذ العلماء حكمًا فقهيًا مشهورًا وهو: أنه يجوز للجيش المسلم أن يفر من مثليه، وقد بوب له الفقهاء باسم: باب جواز الفرار من المثلين، كما يقول الله ﷾: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ﴾ [الأنفال:٦٦] الفقهاء قالوا: لو أن العدد أكبر من الضعف، أي: مائة مقاتل يقابلهم ثلاثمائة أو أربعمائة مقاتل يجوز لهم القتال ويجوز لهم الفرار حسب ما يرى القائد، بل إن الإمام مالك ﵀ قال: يجوز الفرار من المثل، وليس من المثلين، وقال: إذا كان العدو أعتد جوادًا وأجود سلاحًا وأشد قوة، وغلب على ظن قائد المسلمين الهلكة، وأخذ في الحسبان العوامل الأخرى غير العدد بل ذهب العز بن عبد السلام إلى أبعد من ذلك، فقال: إذا لم تحصل النكاية في العدو.
أي: لو أنك تحارب عدوك وأنت متأكد أنك لا تستطيع أن تؤذي عدوك فلا تقاتله، قال: إذا لم تحصل النكاية في العدو وجب الانهزام؛ لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين، أي: أن النفس ستذهب والمسلمون سوف يموتون، والكفار لن يحصل فيهم أي أثر، بل سيزيد الكفر؛ لأن المسلمين قلوا.
ويقول العز بن عبد السلام: وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.
أي: أنه يأثم المسلم بإظهار نفسه إذا كان الاختفاء والانسحاب هو الألزم للمرحلة، وهذا إدراك لسلوك المسلم وسلوك الرسول ﷺ في مثل هذه المواقف.
5 / 5