241

The Arabs in Sicily

العرب في صقلية

ناشر

دار الثقافة

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

١٩٧٥

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

اصناف

عن بطولة قومه في الحرب البرية والبحرية وعن بلائهم في الروم، ليكون هو واحدًا منهم وليعيد من أبطالهم ويتحقق وجوده النفسي في وجودهم، ولكن تلك البطولة قذفت بهم في هوة الفناء فغاروا كما تأفل النجوم " وأبقوا على الدنيا سواد الغياهب " ولم تكن الدنيا التي أبقوا عليها ذلك السواد إلا التي كانت تراها عيناه، ومن خلل السواد أخذ يتطلع في حسرة إلى المعاهد والديار، وبعد أن كان يتحدى الكون، تحدته شعلة الحنين في صدره فإذا به يبكي كالضعيف:
ألا في ضمان الله دارٌ بنوطس ... ودرت عليها معصرات الهواضب
أمثلها في خاطري كل ساعة ... وأمري لها قطر الدموع السواكب
أحن حنين النيب (١) للموطن الذي ... مغاني غوانيه إليه جواذبي
ومن سار عن أرض ثوى قلبهُ بها ... تمنى له بالجسم أوبة آيب وفي كل تحية وداع أو خاتمة قصيدة يغلب الحزن ذلك الرجل القوي فتتساقط الدموع من عينيه.
هذه القصيدة بناء شاهق وأكثر قصائد ابن حمديس أبنية شاهقة فيها أجزاء كثيرة تجعل منها في النتيجة كلًا ضخمًا كبيرًا - كما تمتاز قصائده العاطفية الأخرى التي نظمها في هذه الفترة - بعد ضياع صقلية مباشرة - بوشيجة تنظم أجزاءها وتضمن لها الاتساق والانسجام، فهي بناء ضخم من حيث النغم وتراكب الأجزاء وتسلسلها، ومما يلفت الانتباه أن أكثر قصائده في هذه الفترة بخلاف المقطوعات التي نظمها وهو في صقلية جاءت على البحر الطويل.
وإذا كانت صقلية هي موضوع القصيدة لم يحس الإنسان هذه التجزئة في القصيدة ولكن ابن حمديس، حين كان يفقد التعطف بينه وبين الأشياء التي يتحدث عنها، كان يرقص نظره بين أجزائها ويسافر فيها مستقصيًا ليتكلم عن كل جزء على حدة - ذلك اصبح شأنه إذا وصف قصرًا أو أسدًا أو سفينة أو أي

(١) في الديوان: حنين البنت.

1 / 250