The Arabs in Sicily
العرب في صقلية
ناشر
دار الثقافة
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٩٧٥
پبلشر کا مقام
بيروت - لبنان
اصناف
مقدمة في هذه الدراسة ومصادرها
كان أملى حين بدأت هذه الدراسة أن تكون تأريخًا لحياة الشعر العربي في صقلية. ولكنى وجدت أن دراسة الشعر لا يمكن أن تتم دون تعميق في فهم تأريخ صقلية من نواحيه السياسية والاجتماعية والثقافية. ولذلك قدمت البحث في هذه الجوانب على البحث في الشعر، متعمدًا الاستقصاء والاستكثار من الحقائق، بانيًا الموضوع بالتدريج دون تحليل كثير أو مقارنات ومقايسات. إذا لا بد في البدء من تكوين صورة وافية لصقلية الإسلامية في ناحيتي التاريخ والأدب قبل القيام بالقياس والمقارنة والتحليل.
وكان مما أعانني في دراسة النواحي التاريخية حضور مادتها في مجموعتين هما مكتبة الصقلية التي جمعها ميشيل أمارى من المطبوع والمخطوط، وكتاب العيد المئوي لميلاد ميشيل أماري Centenario Della Nascita Di M.Amari وهو يتمم عمل ذلك المؤرخ الكبير بمختارات لم يكن قد عثر عليها. وقد كان أماري ذا أثر كبير في توضيح الناحية التاريخية بتحقيقاته واستنتاجاته وآرائه التي ضمنها كتابه الضخم (تاريخ مسلمي صقلية) Storia Dei Musulmani Di Di Sicilia فهو عمدة كل باحث في هذه الناحية، لما وهب مؤلفة من دقة وضبط ونزاهة، ولأنه بلغ الغاية في الإحاطة بأطراف الموضوع، حين اعتمد على المصادر العربية واللاتينية واليونانية والوثائق والنقوش وعلى ما كتبه جماعة تناولوا نواحي الموضوع قبله. والطبعة التي اعتمدتها من كتابه الثانية وقد اشرف عليها الأستاذ نللينو وزودوها بتعليقات هامة، ومن تعليقاته تلك أفدت الكثير.
أما الشعر فقد عالجه أمارى أيضًا في تاريخه، ولكن حديثه لا يعدو التعريف بالشاعر وترجمة شيء من شعره، ومعتمده في ذلك الخريدة للعماد الأصبهاني في كثير الأحيان. وقد قسم الشعر إلى موضوعات كالغزل والهجاء
1 / 1
واختار لكل موضوع خير من يمثله من الشعراء الصقليين. وتحدث البارون فون شاك عن الشعر الصقلي في كتابه:
Poesi Und Kunst Der Araber In Spanien Und Sicilien
وفي المجلد الثاني من هذا الكتاب فصلان عن صقلية أحدهما للشعر والثاني للفن، وأولهما مصدر بمقدمة في الشعر الصقلي ثم بتراجم الشعراء الصقليين وترجمة شيء من أشعارهم.
وقد أفد مما كتبه هذان المستشرقان الجليلان عن الشعر فائدة جزئية، وجعلت همي في استقصاء مادة الشعر من المخطوطات والمطبوعات وجمعت منه قدرًا صالحًا يصلح للدرس.
وتبين لي أن المصدر الأول للشعر الصقلي هو " الدرة الخطيرة من شعر شعراء الجزيرة " لابن القطاع (- ٥١٥ هـ) . غير أن هذا الكتاب لا يزال في طي الخفاء والموجود منه مختصرات ونقول. أما المختصرات فهي الآتية:
(أ) مختصر من الكتاب المنتخل من الدرة الخطيرة في شعر (الشعراء) الجزيرة تأليف أبي القاسم علي بن جعفر بن علي التميمي السعدي رحمة الله، اختيار الشيخ أبي اسحاق بن أغلب ﵀، ذكر فيه سبعة وستين شاعرًا من شعراء جزيرة صقلية. وهذا الكتاب في المكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية (رقم ٢٢١٦ تاريخ) وهو فصلة من مخطوط بمكتبة باريس (رقم ٣٤١٨) لأن أولى ورقاته تبدأ بالرقم ٩٦ وتنتهي بالورقة ١١٠. وأول ترجمة فيه للأمير أبي القاسم عبد الله بن سليمان الكلبي، ثم لأميرين من أمراء الكلبيين، وليس هنالك ما يشير إلى ترتيب معين اتبعه صاحب المختصر، أو صاحب الأصل، وربما كان ابتداؤه بالبيت الكلبي إشارة إلى أن هذا هو الترتيب الذي سار عليه ابن القطاع نفسه.
ولست اعرف شيئًا عن الشيخ أبي إسحاق بن أغلب صاحب المختصر ولا عن العصر الذي عاش فيه.
وهذا المختصر ناقص فليس فيه أسماء سبعة وستين شاعرًا كما جاء في المقدمة
1 / 2
فعدد من ذكروا فيه ثلاثة وأربعون، وبعد الورقة ١٠٦ يظهر نقص واضح يدل على سقوط بعض الترجمات. كما أن نهاية المختصر ليست فيما يبدو نهاية طبيعية وربما كان في هذا الموضع نقص آخر. وعلى هامش المختصر كتاب يضم منتخبات من الشعر بينها أشعار وأسماء صقلية ولا نستطيع أن نفرض أن هذه الأسماء التي على الهامش من أصل المختصر نفسه لوجود أسماء من غير صقلية فيما بينها، بل إننا لو فرضناها من الأصل لما بلغ عدد الشعراء الموجودين فيه سبعة وستين، فنقص المختصر لا يزال واقعًا.
وقد عمل أبو إسحاق في اختصاره شيئين:
١ - حذف مقدمة الترجمة في أغلب الأحيان واكتفى بإيراد الشعر
٢ - أسقط أسماء كثير من الشعراء فلم يورد إلا سبعة وستين من مائة وسبعين شاعرًا كانوا في الأصل.
وليس له في اختياره منهج واضح وإن أكثر من الاختيار للفقهاء وأهل العربية. ولم يذكر ابن حمديس إما استغناء عن ذلك بشهرته، وأما لأن ابن القطاع لم يذكره في شعراء صقلية، والثاني هو الأرجح.
(ب) الحريدة الجزء الحادي عشر رقم (٤٤٥٩ أدب) بدار الكتب المصرية من الورقة الأولى إلى الحادية والخمسين والمأخوذ من الخريدة في هذه الأوراق يشمل ٢١ - ٥١. وفي مواضع أخرى من هذا الجزء ترجمات صقلية أضيفت استدراكًا (انظر الورقة ١١٧ - ١١٨، ١٤٣،١٣٧) . والأولى من هذه التراجم مأخوذة من الدرة الحطيرة.
وقد بدأ العماد اختياره بترجمة ابن القطاع صاحب الدرة مع أن المختصر ذكره قبل آخر اثنين فيه. وتمتاز قطعة الخريدة عن غيرها بأنها حفلت بمجموعة ضخمة من شعر صقلية، ولم يكن العماد في اختياره متعجلًا كما انه لم يحفل كثيرًا بأشعار النحويين وأهل اللغة والفقهاء. وقد أغفل ذكر أبي القاسم بن سليمان الكلي الذي أطال صاحب المختصر في الاختيار من شعره وكذلك أهمل العماد ذكر ابن الخياط الربعي الصقلي الذي ورد في المختصر
1 / 3
وفي قطعة المغرب. ولعل العماد أغفله لقلة احتفال ذلك الشاعر بالمحسنات وهو تعليل لا يستقل بالإقناع. وكذلك لم يذكر العماد في هذه القطعة أبا العرب الصقلي مع أن ابن سعيد صرح بأنه من شعراء الدرة، وذلك لأن العماد عده من الأندلسيين.
ومع ما في اختيار العماد من نقص فقطعة الجريدة غير ما وصلنا من الشعر الصقلي من حيث الكثرة والتنوع. وقد أدرج أمارى قطعة الخريدة في المكتبة الصقلية ولكنه لم يذكر من الشعر الوارد فيها إلا قليل.
(ج) المغرب وفي الجزء الرابع منه (نسخة دار الكتب المصرية رقم ٢٧١٢ تاريخ) قطعة من صقلية تكون الكتاب الثاني من كتب شمال المغرب حسب ترتيب ابن سعيد واسمها (كتاب الألحان المسلية في حلى جزيرة صقلية) .
والكتاب مصدر (بمنصة) وصف فيها صقلية جغرافيًا نقلًا عن رحلة لابن عبد ربه والشريف وابن حوقل، ويتلوها (التاج) وفيه ذكر فتحها، ثم ترجم للأمير تاج الدولة الكلبي نقلا عن ابن القطاع، وختم الفصل بذكر نهاية صقلية. ثم بدأ باختيار الشعر فذكر أبا القاسم عبد الله بن سليمان الكلبي فأشبه في بداءته المختصر، ثم اختلفا بعد ذلك لأن ابن سعيد رسم لنفسه تقسيمات عامة سار عليها في كل كتابه، فهو يقسم الناس إلى طبقات من كتاب وعمال وزهاد وشعراء ويختار لهم شعرا. وفي قسم الشعراء ذكر ابن الخياط الصقلي. ولما ترجم لابن حمديس لم يشر إلى انه ينقل ترجمته من الدرة كما فعل مع غيره، وأضاف إلى الصقليين اثنين متأخرين عاشا في أيام المنصور والمستنصر من بنى عبد المؤمن. وابن سعيد في اختياراته سريع يورد البيت والبيتين والمقطوعة ولا يهتم بالقصيدة، ولكنه كان أمينًا فألزم نفسه الإشارة إلى الدرة في كل مرة نقل منها. وهذه القطعة من المغرب نشرها موريتز في العيد المئوي لميلاد ميشيل أمارى المجلد ١: ٢٩٣ - ٣٠٠.
ويلحق بهذه القطعة من عمل ابن سعيد قطعة أخرى أفرادها لصقلية في آخر كتابه (رايات المبرزين) الذي نشره الأستاذ غريسه غومس، وهو اختصار
1 / 4
للمغرب وذكر فيه اثنين لم يذكرهما في المغرب وهما ابن أبي البشر الصقلي وابن قاضي ميله.
(د) اختيار علي بن منجب الصيرفي أو ابن الصيرفي (٥٤٢ هـ) ١١٤٧ - ١١٤٨ من الدرة الخطيرة وهي أقدم المختارات فيما يظهر وتتضمن تسعة عشر شاعرًا. والمخطوطة نسخة وحيدة يملكها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب باشا وقد ترجمها I. Di. Matteo إلى الإيطالية ونشرها ببلرم سنة ١٩٣٧ بعنوان
Antelogia Di Poeti Siciliani Stratta Da Guella Di Ibn Al - Qatta
ثم نشرها الشيخ محمد النفير التونسي في كتابه (عنوان الأريب) المطبوع بتونس سنة ١٩٥١.
وأما المصادر التي نقلت عن الدرة الخطيرة فهي:
(١) القفطى: إنباه الرواة (رقم ٢٨٠ تاريخ بدار الكتب المصرية) وكتاب المحمدين من الشعراء (رقم ٢٢١٧ تاريخ بالمكتبة التيمورية مصور من مكتبة باريس رقم ٣٣٣٥) . وقد اعتمد السيوطي على الأول منهما فأدرج بعض أسماء صقلية مما ورد فيه في كتابه بغية الوعاة. ولم يطاع الأستاذ أمارى على هذا الكتاب وإنما اطلع على مختصر الذهبي له. أما المحمدون من الشعراء فهو ناقص وفي القسم الموجود منه بدار الكتب تراجم ستة صقليين بينهم أربعة لم يرد لهم؟ فيما أعرف؟ ذكر في غيره.
(ب) ياقوت: معجم البلدان كما هو واضح في مادة سمنطار وودان وفي معجم الأدباء ذكر لبعض اللغويين والأدباء.
(ج) القاضي عياض، ترتيب المدارك (رقم ٢٢٩٣ تاريخ بدار الكتب المصرية) وما ينقله عن الدرة يصدره بقوله (وأورد له جامع شعر صقلية) .
وما نقله القاضي عياض في كتابه إنما هو أشعار لبعض الفقهاء، وكل ما ورد عنده موجود في المجلد الأول من كتاب C.A (العيد المئوي لميلاد ميشيل أمارى) .
(د) وفي الوافي بالوفيات تراجم لبعض الصقليين ولكن اضطراب نسخة دار الكتب تجعل الإفادة منها عسيرة. وفي الجزء الثالث من الوافي الموجود بمكتبة
1 / 5
أحمد الثالث تحت رقم٢٩٢٠/٢١ ترجمة لابن أبي البشر الصقلي ومختارات من شعره، وفي مرآة الزمان ترجمة لأربعة من الصقليين، قال سبط ابن الجوزي إنهم من الشعراء الذين ذكرهم ابن القطاع في كتابه. وواضح أن سبط ابن الجوزي ينقل عن الخريدة ومن ثم أخطأ فجعل محمد بن عيسى الصقلي بين من ذكرهم ابن القطاع مع أنه من شعراء العصر النورماني.
هذه هي المصادر التي تدور حول الدرة الخطيرة اختصارًا أو نقلا وهناك مصادر أخرى أهمها.
١ - القسم الأول من قطعة الخريدة التي تقدمت الإشارة إليها (أي من الورقة ١ - ٢١) وهذا القسم يتضمن شعر أبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن أبي البشر الصقلي الأنصاري الكاتب منقولة من مجموع لم يذكر اسمه. ويتضمن قطعة أخرى نقلت من كتاب " المختار من النظم والنثر لأفاضل العصر " لابن بشرون المهدوي الذي كان في صقلية في العهد النورماني. وتمتاز هذه المجموعة بأنها المجموعة الوحيدة التي تصور لنا الشعر العربي أيام النورمان ويتمشى مع هذه القطعة ما ورد في الخريدة الورقة ١١٧ عن أبي الضوء سراج الذي كان في بلاط رجار، ويمتاز ما اختاره العماد عن ابن بشرون بوجود النثر الصقلي فيه إلى جانب الشعر. وعيب العماد في هذه القطعة تحرجة من الإمعان في اختيار ما مدح به الكفار. ولو لم تقف هذا الحرج في طريقه لكانت الفائدة فيما اختاره أبلغ.
٢ - الجزء من شعر أبي الحسن علي بن عبد الرحمن الصقلي الكاتب رواية الفقيه أبي محمد عبد الله بن يحيى بن حمود الخريمي (الأسكوريال رقم ٤٦٧) .
ولأبي الحسن الصقلي أشعار أخرى متفرقة في بعض المجاميع الأدبية وقد أورد له صاحب المختصر قصيدة طويلة في مدح رئيس الرؤساء، وبعض هذه القصيدة أوردة العماد في ترجمة ابن أبي البشر الصقلي. ومن ثم ثار عندي هذا التساؤل:
هل أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الصقلي الأنصاري الكاتب هو أبو الحسن علي بن عبد الرحمن (ابن أبي البشر) الصقلي الأنصاري الكاتب الذي افتتح
1 / 6
العماد القطعة عن صقلية باسمه؟ وبعد البحث تبين لي أنهما شخص واحد عاش في القرن الخامس وهاجر إلى مصر ودرس فيها النحو والعروض وتختلط أشعارهما اختلاطًا لا يدع مجلا للشك في هذه الحقيقة.
٣ - ديوان ابن حمديس الصقلي (نشر سكيابا ريللى روما سنة ١٨٩٧) وقد نشر أماري بعض قصائد ابن حمديس في المكتبة الصقلية (ص ٥٤٧ - ٥٧٣) والملحق الأول (١٣ - ٤٦) وقراءة الشعر في مواطن كثيرة منها مضطربة، وتمتاز نشرة سكيابا ريللي بالترتيب وترقيم القصائد والإشارات الدقيقة إلى اختلاف الروايات. وهي أضبط مما نشره أمارى ولكنها لا تخلو من أخطاء تعمى المعنى على القارئ في كثير من الأحيان، وقد أخذت نفسي بتوجيه القراءة التي أراها أكثر إظهارًا للمعنى دون أن أشير إلى ما فارقت فيه قراءة الديوان.
٤ - السلفى: المعجم (رقم ٣٩٣٢ تاريخ بدار الكتب المصرية) وهو جزءان اضطربت أرقامهما وربما كانت النسخة كاملة لا ينقصها إلا إعادة ترتيبها. وهذا المعجم يعرفنا بأكثر المهاجرين من صقلية إلى الإسكندرية عند ما احتل النورمان الجزيرة ويلقى أضواء قليلة على بعض حياة صقلية الثقافية وفيه شعر للصقليين غير كثير.
٥ - ابن بسام: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وفيها تراجم بعض الراحلين من صقلية إلى الأندلس مثل سليمان بن محمد الصقلي وترجمته منقولة عن جذوة المقتبس للحميدي، وليس من الضروري أن نفرد الجذوة بالأشارة والتعريف لأنها لم تحتو من شعر الصقليين إلا على أبيات لسليمان المذكور. وفي الذخيرة ترجمة لابن حمديس وقصائد له لم ترد في الديوان وشعر لأبي العرب الصقلي وترجمة لابن الصباغ تجمع إلى جانب شعره ثلاثًا من رسائله.
٦ - التجيبي. شرح المختار من شعر بشار وفيه قطعه صالحة من شعر ابن الخياط الربعي الصقلي تبلغ ١٨٨ بيتًا وفيه بيتان لابن الطوبي وقد كان التجيبي معاصرًا وصديقًا لابن الخياط ولكن النسخة المطبوعة من هذا الكتاب غير كاملة وكم كنا نحب أن نراها في صورتها الكاملة لتكون لابن الخياط
1 / 7
مجموعة أكبر من الشعر إذ الدراسة المتمعنة للشعر الصقلي جعلتني أختص ابن الخياط بالالتفاف لأنه عاش حياته في صقلية.
٧ - أشعار صقلية: وجدت مكتوبة على الآثار أو على شواهد القبور نشرها الاستاذ أمارى في مجموعات مثل:
(أ) Amari: Le Eqigrafi Arabiche Di Sicilia
(ب) Su Le Iscrizioni Arabiche Del Palazze Regie Di Messina
والثاني من نشر Reale Accademia Dei Lincei سنة ١٨٨٠ - ١٨٨١
وقراءاتها تختلف، ولكن قراءة الأستاذ أماري تعد تحسنًا واسعًا إذا قيست بقراءة غرغوريو greqorio في كتابه:
Rerum Arabicarum Qusa Ad Historiam Siculam Sqectant
(انظر مثلا النص ٢٤ ص ١٦٢)
وهناك مجموعة منسقة منها ليست مقترنة بصور للأصول، ذكرها جويدي في محاضراته بالجامعة المصرية (١٩٠٧) ولا تفيدنا هذه الأشعار كثيرًا لسببين:
١ - أنها ناقصة مبتورة في كثير من الأحيان وقد طمس كثير من معالمها.
٢ - أننا لا نقطع بأنها من تأليف الصقليين أنفسهم، وإلى ذلك أشار الأستاذ جويدي نفسه أيضًا.
وهنالك أشعار صقلية متناثرة في الكتب التاريخية والأدبية ظفرت ببعضها وألحقته بمجموعة الشعر الصقلي، وقد رتبت هذه المجموعة ورقمتها وجعلتها ملحقًا لهذه الدراسة، وكل ما أتمناه أن أستطيع في يوم من الأيام تقديمها إلى القراء والمشتغلين بالدراسات الأدبية.
وقد جعلت هذه الدراسة في ثلاثة كتب، خصصت الأول منها لتاريخ صقلية في العصر الإسلامي، والثاني لتاريخ المسلمين فيها تحت حكم النورمان، لأن الجماعة الإسلامية في تلك الجزيرة شهدت عصرين بينهما جوانب من التفاوت. وفي أحدهما عرفت السيادة الذاتية، وفي الثاني عرفت الخضوع للحاكم الغريب. أما الكتاب الثالث فدرست فيه الشعر في هذين العصرين
1 / 8
وبينت فيه المؤثرات التي عملت في تكوين الشعر الصقلي وما تركته من مظاهر القوة والضعف، ووضحت موقف صقلية في طبيعة موقعها بين التأثر والتأثير، وفي طبيعة النفسيات التي أنشأت ذلك الشعر، وفيما تركته الفتنة والفتح النورماني من آثار فيه، وتحدثت عن الشعر العربي في ظل السيادة النورمانية، وختمت الكتاب بفصل عن العلاقة بين الشعر والشخصية الصقلية عامة.
وإنى لأشعر؟ في غير زهو أو تكثر؟ أن هذه الدراسة تضيف شيئًا إلى ما تقدمها من دراسات، وخاصة من النواحي الثقافية والأدبية، لأنه توفر لها من المصادر المخطوطة ما كان مجهولا. فلأول مرة؟ فيما أعتقد؟ يستفاد من مختصر الدرة، وتثقيف اللسان، وتهذيب المدونة أو مسائل عبد الحق الصقلي وترسل ابن قلاقس، والزهو الباسم ومعجم السلفى وكتاب المحمدين للقفطي وغيرها.
وإلى جميع الذين أعانوني على إتمام هذا العمل أقدم شكري الخالص. غير أننى أحب أن أنوه بفضل أستاذي وصديقي الدكتور شوقي ضيف الذي رعى هذه الدراسة بالتوجيه السديد، كما أشكر صديقي المستشرق الأسباني الأب زكريا ريميرو الذي ساعدني في قراءة تاريخ أمارى، والسيد ولفرد مدلونج المستشرق الألماني الذي ترجم ما كتبه شاك عن الشعر الصقلي إلى اللغة الإنجليزية.
والله أسأل أن تكون أخطائي في هذا الكتاب قليلة، فأما العصمة فأنها ليست من نصيب الخطائين.
1 / 9
الكتاب الأول
صقلية في العصر الإسلامي
1 / 19
فراغ
1 / 20
الفصل الأول
الحياة السياسية
١ - لمحة جغرافية
٢ - صقلية في العهد البيزنطي
٣ - الفتح الإسلامي
٤ - الفتن الصقلية في فترة الانتقال من يد الأغالبة إلى بني أبي الحسين
٥ - صقلية تحت حكم بني أبي الحسين الكلبيين
٦ - أمراء الطوائف
٧ - الحكومة الإسلامية بصقلية
1 / 21
فراغ
1 / 22
١ - لمحة جغرافية
في ذات يوم من أيام الربيع خرجت برسيفونة الجميلة ابنة ربة الخصب تخطر في المروج الصقلية الخضر، وتمتع طرفها بالنظر إلى الجداول المترقرقة ومن حولها صواحبها يطفن الأزهار، واقترب منها رب الجحيم والعالم الأدنى في خفة واختطفها وانحدر بها إلى عالمه.
أسطورة قديمة من تلك الأساطير الكثيرة التي أوحت بها إلى الطبيعة صقلية ولكن الحقائق الجغرافية من وراء رموزها لا تزال جديدة، فربة الخصب لم تتخذ مقامها في تلك الجزيرة عبثًا، والجحيم لا يزال قابعًا في ناحية من نواحي الجزيرة تحت بركان إتنا الجبار، ولا يزال مردة الحدادين يضربون بمطارقهم صفائح الحديد تحت ذلك البركان؟ الذي كان لغز القرون حتى الفتح الإسلامي؟ ليعدوا منها صواعق لرب الأولمب. وما تزال سكلا الوحشية تعوي عند المجاز المسيني عواء لا ينقطع وتتقاتل مع خاربديس قتالا كانت تجأر منه سفن القرون الوسطى بالشكوى.
نعم قد تكون بعض المظاهر الطبيعية والاقتصادية تغيرت في الجزيرة التي كان عرشًا لربة الخصب، ربما اختفت منها أنواع من المزروعات وقلت غابات البلوط التي يذكرها ثيوقريطس، واختفت مدن وقلاع كثيرة جنى عليها تتابع الهجرات وتغير الحكام؟ كل ذلك قد يخضع للتغير ولكن المظاهر الأساسية لا تزال هنالك؟ فالخصب لم يفتأ يتكشف عن القمح الذي كانت تعيش عليه روما، والكرمة والزيتون اللذين جلبهما اليونان، والليمون والبرتقال اللذين جلبهما العرب وأشجار اللوز والتين، وأنواع الأزهار. ولا تزال الأرض التي أوحت لثيوقريطس أغاني الرعاة مسرحًا للأغنام السائمة في السهول
1 / 23
والربى: ولولا أن الغابات فيها قليلة وبعض الجبال قد أصبح عاريًا مجردًا من زينته الخضراء لتقدمت فيها حرفة الرعي وصناعات الألبان. وتزدان هذه الطبيعة بالجداول والعيون والفوارات والحمامات وكلها كانت في يوم ما موضوعات الأساطير.
أما إتنا الشامخ على كل ما حوله في الجزيرة فإنه يهدر منذرًا بالويل، وقد تلفع بعمامته الثلجية، وتضرم جوفه بالنار، فإذا به ذلك السيد الرحيم القاسي في آن، الذي يستطيع أن يجمع معجزة القرون الوسطى في شخصه، لأنه يمزج (العنصرين) في كفه. وإذا ثارت حممه غطى الأرض بطبقة خصبة، وفزع الآمنين.
والحقائق الجغرافية هي التي رسمت للجزيرة حياتها الداخلية: مرتفعات وهضاب في الداخل لا تسمح للأرضي بالانبساط الواسع وتتباين تباينا واضحًا في ارتفاعاتها وأشكالها نحو السواحل، فترسم مواقع المواني. وعلى أعلى أجزائها بينت المدن الداخلية لتكون حصينة، وكان لذلك أثره في توجيه كل فتح، وبنيت المدن الساحلية عند خير المواقع صلاحية للملاحة، وهيأت السواحل حظوظًا متفاوتة لتلك المدن. فالشاطئ الغربي والجنوبي الغربي المقابل لأفريقية أقلها أهمية، وموانيه قليلة الصلاحية للملاحة، ونادرًا ما تصل المرتفعات فيه إلى البحر إلا في نتوء واضح يبرز عند شنت ماركو. والساحل الشمالي يكاد يكون مستويا وفيه تقع ثرمة وجفلوذ وبلرم، ووراء هذه الأخيرة تنحسر الجبال مكونة سهلا من أخصب السهول. وفي الساحل الشرقي ذى الميزات الطبيعية والتاريخية تقع سرقوسة وطبرمين، وفيه سجل للتاريخ اليوناني والحضارة اليونانية. كما أن الساحل الشمالي شهد بدوره أروع الحضارات السامية.
وموقعها الجغرافي شارك شخصيتها الجغرافية في تدوين تاريخها وتلوينه. فموقعها في البحر جعلها ابنة لهذا البحر لا يحوزها إلا من قهره، ولذلك كانت القوى المتصارعة في ذلك الميدان المائي تلتقي فيها وجهًا لوجه حتى تقرر تلك السيادة، وتوسطها بين أوروبة وأفريقية جعلها محط النزاع بين أقوام
1 / 24
الشمال والجنوب، وضيق مجاز مسينة قرن تاريخها بتاريخ أوروبة، وعند سواحلها كانت تتكسر أمواج الغزاة المتدحرجة في شبة الجزيرة الإيطالية. ومواجهة بعضها لليونان وفينيقيا، ومواجهة بعضها لأفريقية أنشأ تفاوتًا في أجزائها. فتاريخها إذن هو تاريخ الشعوب ذات الحضارات في حوض البحر المتوسط فهو جزء من تاريخ اليونان والفينيقيين والرومان والقوط والبيزنطيين والعرب؟ من يد القوط أخذها بلزاريوس قائد جستنيان، ومن أيدي البيزنطيين انتزاعها قادة بني الأغلب بعد جهاد عنيف.
٢
- صقلية في العهد البيزنطي
لم يلق بلزاريوس قائد جستنيان عناء في الاستيلاء على صقلية من يد القوط حينما دخلها بجيشه سنة ٥٣٥م، فقد عهد أليه الإمبراطور بفتح الجزيرة إن كان ذلك أمرًا ميسورًا لا يكلفه جهدًا، ولا يستغرق منه زمنًا طويلًا. ووجد بلزاريوس كل ما يهيئ له البلوغ إلى غايته؟ وجد صقلية تكاد تكون خالية من الحاميات القوطية، وتلقاه السكان فرحين مرحبين يريدون التخلص من حكم القوط، فاستولى على قطانية، وفتحت له سرقوسة أبوابها، ولم يلق مقاومة إلا في بلرم لأنها كانت مطمئنة إلى مناعة أسوارها وقوة الحامية القوطية فيها، ولكن لم يمض وقت طويل حتى أصبحت كل جزيرة في قبضته دون ان يزهق نفسا (١) .
وعد القوط هذا التقلب في عواطف السكان وترحيبهم بالبيزنطيين نكرانًا للجميل. إذ كان الصقليون قد رجوا ثيودريك القوطي أن يعفى بلدهم من الحاميات والفرق العسكرية، فأجابهم إلى طلبهم، وترك شؤونهم في أيديهم،
_________
(١) Bradley: The Goths P.٢٠٩؛ Hodgkins؛ Italy And Her Invaders Vol؛ ٤ P.٧.
1 / 25
وكانت عاقبة هذا التسامح أن خذلوا القوط وتنكروا لهم أمام الفاتح الجديد، فلم تدافع مدينة عن نفسها، ولم يحاول أحد أن يشترك حتى في مناوشة، ولم يتظاهر السكان بأنهم مغلوبون على أمرهم. بل إنهم حالما شهدوا تلك القلة الضئيلة يقودها بلزاريوس، نكسوا كل علم قوطى وتنافسوا فيما بينهم في إظهار الولاء لبلزاريوس وسيده، فجرحوا بذلك شعور القوط جرحًا عميقًا ظلوا يتلمسونه ويتألمون منه على مر الأيام، حتى إذا أمكنتهم الفرصة أيام توتلا كان أول عمل قاموا به الانتقام لأنفسهم من صقلية الخائنة المتقلبة (١) .
ولم تطل الفرحة بالصقليين فسرعان ما وجدوا أنفسهم يدفعون الضرائب الفادحة لخزينة الامبراطور، وعين جستنيان للجزيرة بريتورًا praetor من الدرجة الثانية، وجعل منها ومن دلماتيا ولاية واحدة (٢) .
وخضعت صقلية للأنظمة التي فرضها جستنيان على ما فتحه في الغرب، تلك الأنظمة التي جرت ألوان التعاسة على أفريقية وإيطالية. ويرى بروكوبيوس (في تاريخه السري) أن أقفرت من سكانها، وخليت الولايات دون حماية، وأصبح حكمها سيئًا، ورزحت تحت عبء الضرائب والاضطهاد الديني والثورات العسكرية، ومهما يكن في كلامه من مبالغة ففيه أيضًا جانب كبير من الحق (٣) .
أما حال الجيش فخير ما يصور لنا بؤس صقلية حينئذ أن العساكر البيزنطية كانت كالمجتمع نفسه أخلاطا من شعوب، لا يمكن أن تنبت في صدورهم محبة الوطن. وضعف الإغريق الذين كانوا عصب الجسم في الإمبراطورية، وغرقوا في الخرافات والأساطير وأخذوا يتهربون من الجندية، ويدفعون الفدية عن أنفسهم، فأصبح التجنيد وقفًا على البرابرة وسكان الحدود، ولم تكن الموارد الاقتصادية تكفي لتمد الجيوش بما يقوم بحاجاتهم، فلجأ القادة
_________
(١) Hodgins: Italy، Vol، ٤، P. ٨.
(٢) Cambridge Med. Histore، Vol.٢، P.٢٠ - ٢١
(٣) Cambridge med. History vol ٢،p؛ ٢٠ - ٢١
1 / 26
والحكام إلى طرق خطيرة النتائج، فكان القائد مثلا يعهد بأرضه إلى جماعة من الجنود كي يفلوحها ويفيدوا من حاصلاتها (١) . ودخل في صفوف الجيش جماعة من الفقراء الذين رضوا أن يتقاضوا أجرًا قليلًا، وحل هؤلاء بجهلهم محل العسكريين أصحاب الدربة القديمة (٢) . وهكذا تحول الجند إلى حاشية للقائد، ولم يعودوا أداة لكبح جماح الطغيان بل أصبحوا أداة لإحلال طغيان محل آخر (٣) .
وأما في الضرائب فكانت صقلية كغيرها من ولايات الدولة فريسة لجشع المحصلين تدفع ضريبة على الأملاك، وأخرى على الرؤس، وإتاوات على التجارة والصناعة، وزيادات إضافية على الضريبة الأولى، وضرائب للجند، وأخرىللملاحين وأموالا يبتزها الموظفون ويزيدون بها الحمل ثقلا (٤) . وكانت الحال سيئة في أيام القوط فزادت سوءًا أيام السادة البيزنطيين حتى إن أحد الجباة في نهاية القرن السادس أجبر الرعايا العاجزين عن دفع المال على تقديم أبنائهم، واستطاع موظف تافه الشأن في صقلية أن يصادر الممتلكات بالقوة، ويقول القديس جريجوريو: " نحتاج إلى مجلد لنفصل الجور الذي سمعنا به من هذا القبيل " (٥) .
ولم تكن الدولة هي المستغل الوحيد لصقلية بل كانت الكنيسة تشاركها النفوذ والسلطان لكثرة أملاكها فيها، فكان لكنيسة روما وميلان ورافنا اقطاعات كثيرة (patrimori) وكانت أملاك كنيسة روما موزعة في أنحاء الجزيرة حول سرقوسة وقطانية وميلاص وبلرم وجرجنت، وكان يديرها رئيسان أحدهما في سرقوسة والثاني في بلرم (٦) .
_________
(١) amari: storia dei musulmani di sicilia vol،٢p. ٣٣٩
(٢) op.cit.، p.٣٤٠
(٣) op.cit.،p. ٣٤١
(٤) amari: s.d. .m.vol،٢p.٣٣٢
(٥) op.cit.، p.٣٣٣
(٦) op.cit.،١٢٥
1 / 27
وكان في الأراضي الكنسية فلاحون يسمون الكولونيين coloni وهم طبقة من الناس تشبه العبيد في ارتباطها بالأرض وتدفع الضرائب نقدًا أو محصولات (١) .
وظلت صقلية؟ كما كانت من قبل؟ " اهراء روما " يسافر منها كل عام أسطولان محملان بالقمح، مرة في الربيع وأخرى في الخريف، وإذا غرقت المؤن في البحر أو نهبت قبل وصولها، طولب الكولونيون بالتعويض (٢) . هذا بالإضافة إلى أن جامعي المحصول كانوا يتلاعبون بالمكيال ويزيدون في نسبة الضريبة المقررة. فلما اعتلى جرجوريو الأول كرسي الباباوية سنة ٥٩٠م ورأى سوء الحال حاول أن يصلحها جهده. وفي الثمانية عشر شهرًا الأولى من رئاسته كتب أربع عشرة رسالة إلى وكيل له بصقلية اسمه بطرس يحاول أن يذكره بضرورة النظر في ظلامات الناس وإنصافهم وتحقيق العدالة فيهم (٣) . فهو يأمره أن يرجع نسبة الضريبة إلى الحد المقرر، ويكسر المكاييل الكبيرة، ويصدر لكل فلاح في أراضي الكنيسة دفتر ضمان libellus securitatis يقيد فيه ما يدفعه من ضريبة مشروعة (٤) . ومن هذه الرسائل يتبين لنا الحيف الذي كان يصيب طبقات الفلاحين.
وكان المشرفون على أراضي القديس أبولنارس حامي رافنا يبعثون كل سنة سفنًا محملة بمئات القناطير من القمح والفواكه والخضروات والجلود المدبوغة باللون الأرجواني، ومحملة بالحرير اللازوردي والمواد الصوفية وغيرها وكلها كانت توفر للكنيسة دخلا هائلا (٥) .
وفي أواخر القرن السابع أصبحت الجزيرة حصنًا يدفع العدوان عن الجناح الغربي للإمبراطورية وثغرا بين عدوين قويين، وسمح لها أن تستقل نوعًا في
_________
(١) Gregorovius: history of rome vol، ٢p.٥٧
(٢) Gregorovius: history of rome vol، ٢p.٥٧
(٣) Hodgkins: italy and her invaders vol، ٥p. ٣١٠
(٤) op. cit. ٣١٣
(٥) Gregorovius: vol، ٢، p. ٣٦٥
1 / 28
تنظيم قواتها العسكرية، فأصبح لحاميتها تحت رياسة قائدها الأعلى stategos نفوذ واسع، ولكن هذه الحامية كانت غريبة تدافع عن غير وطنها، ولم يشترك فيها الشعب الصقلي، بل عاش ضحية لها أو متفرجًا يرمقها بأنظاره وحينا يصفق وحينًا آخر يلعن ويبكي، ولكنه لم يبادر إلى حمل السلاح أبدًا (١) .
تلك هي حال الجزيرة بين أطماع الحكومة والكنيسة وفساد حال الجيش، ومن ثم لم يكن المجتمع الصقلي في ظل الدولة البيزنطية مجتمعًا سعيدًا ناهضًا مكفول الحرية؟ كانت الجزيرة تضم خليطًا من لأجناس، أهم عناصره الإغريق والطليان، وإلى جانبهم جماعات من اليهود تميزوا منذ البدء بانكماشهم على أنفسهم، وبكره الأجناس الأخرى لهم، ولكنهم لم يكونوا كثيري العدد (٢) . وقد حاول جرجوريو أن ينصفهم ويدفع عنهم الاضطهاد. كما حاول أن يغريهم بالتنصر حين كلف وكيله في صقلية بحط الضرائب عنهم إن هم فعلوا (٣) ولما استولى أسقف بلرم على معبد اليهود وحوله إلى كنيسة، عد جرجوريو هذا العمل حيفًا، وأمر الأسقف بأن يدفع ثمن المعبد، إذ كان رده إلى حاله الأولى قد اصبح عسيرًا (٤) وأضافت الحكومة إلى هذه الأجناس بعض المنفييين، إذ كانت تعتبر صقلية منفى للمذنبين والمجرمين والعساكر المتمردين.
وامتلأت الجزيرة بقطعان العبيد الذين كثروا بما انضم اليهم من أسرى ومن ملاك صغار عجزوا عن الفلاحة لما بهظتهم الضرائب، فهربوا والتمسوا لهم منازل في مزارع الأغنياء ودفعوا حرياتهم ثمنًا لذلك. وبعد زمن أخذ يقل تردد اسم العبيد في سجلات الأرض ويحل محله اسم الكولونيين (٥) . ولم تحاول الكنيسة أن تصلح من حالهم بل أن جرجوريو شد وثائقهم في أملاك البابا،
_________
(١) amari s.d.m vol، I pp. ٣٤١ - ٣٤٢
(٢) amari، s.d..m.vol، p.٣٢٤
(٣) Hodgkin's،vol، ٥ p.٣١٦
(٤) freeman: Sicily، p.٣٥١
(٥) Amari، s.d.m vol، I p. ٣٢٦
1 / 29