أو لو بلا تبيت فلا كفارة عليه، لشبهة السفر، ولشبهة أقوال العلماء فيه، حتى إن منهم من أجاز أن يفطر من بيته، وأما المريض فيبيت الإفطار من الليل، وإن أفطر بلا تبيت وخاف على نفسه، أو عضوه، أفطر بقدر ما يصل به الليل، وقيل أو بما شاء فيبيت نية الإفطار فى الليل المستقبل، وزعم بعض قومنا أن يفطر المريض بلا تبيت إفطار بخلاف المسافر، لقوله تعالى: { أو على سفر } وليس بشىء لقوله تعالى:
ولا تبطلوا أعمالكم
[محمد: 33] فليتم المريض يومه إن قدر على إتمامه كالمسافر، والمسافر متمكن على السفر فى أثناء اليوم كما تمكن عليه وقت طلوع الفجر، وإن كان السفر لمعصية لم يجز له الإفطار على الصحيح، وعليه الأكثر، ويجب الإفطار إن كان الصوم يضر المريض والمسافر، ولا مشقة، فالصوم أفضل عند بعض، والإفطار أفضل عند بعض، وأوجتبه الإمامية وأخطأوا { فعدة } قدر ما أفطر بمعنى معدودجة كالطحن بمعنى المطحون { من أيام أخر } فعليه صوم عدة إن أفطر، أو يقدر فأفطر عقب قوله أو على سفر، وكذلك عليه عدة الشهر إن أفطره كله إن كان تسعة وعشرين قضى تسعة وعشرين فقط، ولو بدأ القضاء من أول شهر وكان فيه ثلاثون فلا تهم، فإنما عليه قضاء شهر رمضان الذى خوطب به، فإذا كان من تسعة وعشرين لم يزدد، والآية حجة لى، وذكر بعض أصحابنا وشهروه، وبعض قومنا أنه إن بدأ من أول الشهر أتمه زاد على رمضان أو نقص، وبضع إن نقص أتمه، ومن للبيان أو للتبعيض، أى عدة من جملة أيام مثل أن يخص أياما من شهر كأوله ووسطه وآخره { وعلى الذين يطيقونه } إن أفطروا فى غير سفر أو يقدر هذا بعد قوله: { فدية طعام مسكين } أى فدية، هى طعام مساكين، والجمع باعتبار الجمع فى إفطاره، بأن أفطر ثلاثة أيام فصاعدا، ولو أفطر يوما لكان فدية طعام مسكين بالإفراد، أو يومين لكان طعام مسكينين، يكال لكل مسكين مدان من بر، أو أربعة من غيره عند العراقيين، ومدا من بر عند الحجازيين، ويجوز ذلك من غالب قوت البلد، وأجيز مدان من شعير، ويجوز أن يأكل فى بطنه حتى يشبع، غداء، وعشاء، وأجيز أكلة واحدة حتى يشبع، وإن لم يفطروا فلا فدية عليهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، أو بقوله: شهر رمضان الذى أنزل الخ، أو بقوله: وأن تصوموا خير لكم، وذلك تدريج لهم لمشقته إذ لم يتعودوه ليتدبروا، والنسخ بعد العمل هنا، ولو كان الصحيح أنه يجوز قبل العمل أيضا، وحكمته قبل العمل قبول المنسوخ والإذعان له قبل نسخه، فيثاب على ذلك وغيره مما قررته فى أصول الفقه، وعن ابن عباس كانوا يفطرون ويطعمون ولو أصبحوا على الصوم { فمن تطوع خيرا } عالج الطاعة بصوم أكثر من العدة التى أفطر فيها، أو بإطعام أكثر مما لزمه { فهو } أى الخير وهو صوم الزائد على العدة، أو على الطعام الواجب أو الضمير للتطوع { خير له } أفضل ثوابا أو فهو نفع له أخروى { وأن تصوموا خير لكم } من الإطعام والإفطار، ولو مع زيادة على القدر الواجب فى الإطعام، أو خير لكم من الإفطار والإطعام والزيادة فيه، وإن قدرنا لا يطيقونه لنحو كبر من العلل اللازمة، أو الذين كانوا يطيقونه ثم عجزوا لكبر ونحوه من العلل اللازمة مع ما فيها من التكلف فلا نسخ، وقدر بعضهم لا يطيقونه أو كانوا يطيقونه شاملا لكبر ونحوه، وحمل ورضاع، إلا أن الحامل أو المرضع تقضيان.
لو أطعمتا، ولا إطعام على مريض يرجى برؤه، وأما قوله عز وجل { يطيقونه } على إبقائه بكانوا ولا بلا فغير شامل للحامل والمرضع، لأنهما ولو تطيقان لكن خافتا على الحمل ولرضيع متفطران وجوبا وتطعمان وتقضيان بخلاف الصحيح المطيق فإن إفطاره على التخيير بينه وبين الصوم ولا قضاء عليه، وذلك قبل النسخ، ومن عجز بعده عن الصوم لكبر أو علة لازمة أفطر وأطعم، وقيل لا إطعام عليه. قال بعض: على الحامل والمرضع القضاء والإطعام إن خافتا على الولد، وإن خافتا عليهما فقط أو عليهما وعلى الولد فالقضاء فقط، وقال أبو حنيفة لا إطعام على الحامل والمرضع لأنهما تقضيان بخلاف الكبير، وعن الحسن: أى مرض أشد من الحمل تفرط الحامل وتقضى ولا تطعم، خافت على نفسها أو ولدها أو عليهما، ويقال الصوم خير لمن تطوع به وهو مريض أو مسافر مع عدم شدة المشقة، وأما معهما فالإفطار خير، والمطبق بحسب الأصل اسم للقادر على الشىء مع شدة، فتشمل الآية الكبير بلا تقدير لا ولا تقدير كانوا { إن كنتم تعلمون } يظهر لكم أنه خير، إن كنتم من أهل العلم، أو إن كنتم تعلمون ثوابه وحسن براءة الذمة اخترتموه، أو ما فعلوه.
[2.185]
{ شهر رمضان } إضافة عام لخاص كشجر أراك، وهى للبيان، أى شهر هو رمضان، فيجوز ذكر رمضان بلا شهر، وليس اسما لله كما ادعى من زعم أنه مروى، والمعنى كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان { الذي أنزل فيه القرءان } أو تلكم الأيام المعدودات شهر رمضان الذى أنزل الخ، أو شهر رمضان الشهر الذى أنزل فيه القرآن بمرة كله إلى السماء الدنيا والشهر من شهرت الشىء أظهرته، لأن الشهور تعين للعبادة أو للمعاملة، ورمضان من الرمض بإسكان الميم، وهو مطر يأتي قبل الخريف يزيل الغبار عن وجه الأرض، فكذلك صومه يزيل الذنوب، وقيل سمى لارتماضهم فيه عاما بالجوع والعطش، أو لوقوعه أيام رمض، أى شدة حر، فيسمى بعد، ولو لم يكن جوع أو عطش أو حر، أو لاحتراق الذنوب، إلا أن هذا يناسب النزول، لا ما قبله، ولا بأس، بل هو المروى عنه صلى الله عليه وسلم، أو لرمض الفصال، قيل نقتل أسماء الشهور عن أسمائها الأولى دفعة، ولما تمت اتفق أنهم سموها كتحريم القتال فى المحرم، وخلو مكة عن أهلها فى صفر للحرب، وارتباع الناس فى الربيعين، وجمود الماء فى الجمادين وشوال أذناب اللقاح فى شوال، ورجب النسا شحرهم بالعمد لعظم حملها وتعظيمهم ولو فى الجاهلية رجبا حتى إنهم يحجون فيها كما فى ذى الحجة والرجب التعظيم وقعودهم عن الحرب فى ذى القعدة وحجهم من قبل الإسلام فى ذى الحجة أصالة وتشعب القبائل فى شعبان { هدى للناس } حال كونه هاديا، وإسناد الهداية إليه مجاز عقلى ولولا قوله { وبينت } لكان مفعولا من أجله، أى وآيات واضحات والهدى أعم لأنه يكون بواضح وخفى { من الهدى } مما يهدى إلى الحق { والفرقان } ومن الفرقان ما يفرق بين الحق والباطل، الهدى الأول هداية حاصلة بإعجازه، الهدى الثانى هو الهدىالحاصل باشتماله على الحق، والتفريق بينه وبين الباطل لما فيه من أنواع الحكمة وأمور الدين، ومن واجب، وحرام، ومستحب، أو لأولى الآداب والديانات الاعتقادية، والثانى أمور الدين، أو الأولى الاعتقاديات والثانية باقى ما ذكر فلا تكرير { فمن شهد منكم الشهر } المذكرو أى حضره، بالغا عاقلا صحيحا، قادرا، غير مسافر، رأى الهلال هو أو غيره أو استكمل العدة لشعبان، وليس الشهر مرادا به الهلال، فسمى أول الشهر باسم كله أو يقدر مضاف. قال ابن عباس وعلى وابن عمر: من شهد أول الشهر فليصمه جميعه ولا يفطر ولو سافر، ولذلك قال الله جل وعلا { فليصمه } ولم يقل فليصم فيه، والصحيح أن لمن شهد أوله أن يسافر ويفطر، والآية لا تمنع ذلك، بل توجب الصوم على حاضره ما لم يكن مريضا أو مسافرا، ولو جن فى باقيه حتى انسلخ فإنه يقضى، أو جن قبله وأفاق فيه فإنه يقضى ما مضى، وقيل لا يقضيان بناء على أن كل يوم فرض، وان جن قبله وأفاق بعده فلا قضاء عليه لأنه لم يشهده { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } كرره لئلا يتوهم أنهما داخلان فيمن شهد، المعبر به هنا دون ما مضى، ولئلا يتوهم نسخ قوله أولا، فمن كان منكم مريضا الخ بقوله هنا، فمن شهد منكم الشهر فليصمه بأنه يجب الصوم على المريض والمسافر مع أنه ليس كذلك، كما نسخ وعلى الذين يطيقونه { يريد الله بكم اليسر } فى دينه أى يشرعه، وهو مراد أبى حيان، إذ فسر لإرادة بالطلب، قال ذلك خروجا عن تبديل الإرادة فإن إرادة الله لا تتبدل، وذلك منه خروج عن مذهب الاعتزال، إذ زعمت المعزلة أن إرادته تعالى قد يخالفها العبد وتبطل { ولا يريد بكم العسر } ومن ذلك أنه أباح لإفطار فى المرض والسفر دائما، وخير بين الصوم والإطعام، أولا تسهيلا وتأنيثا ثم نسخ لما تدربتم فتوافر الأجر { ولتكملوا العدة } اللام ليست للأمر بإكمال ما أفطرتم فيه أو بإكمال عدة رمضان ثلاثين أو تسعة وعشرين بل لتعليل عطفا على المعنى، كعطف التوهم فى غير القرآن، لأن قوله يريد فى معنى العلة للأمر بالصوم وكذا قوله { ولتكبروا الله } ولا تكون لام الأمر لأن أمر المخاطب باللام يختص بالضروة أو شذا، أو لغية { على ما هدكم } أى ولتثنوا عليه لأجل هدايتكم إياكم لدينه، أو تثنوا عليه حامدين عليها والتنكير للتعظيم والثناء وقيل تكبير العبد من المغرب إلى صلاة العيد وقيل تكبير رؤية الهلال { ولعلكم تشكرون } الله على التيسير والترخيص ويجوز أن يكون المعنى عدة أيام أخر لتكملوا العدة التى لم يصم المريض والمسافر فى مثل تلك العدة، وهداكم كيفية القضاء متتابعا كما دل له لفظ عدة، كأنه قيل مجموعة بنية من الليل نية واحدة له لتكبروا الله على إرشادكم إلى الحق ولا سيما القضاء المطلق، ورخص فى لإفطار للمسافر والمريض وحامل ومرضع لكى تشكروا، أو العطف على محذوف، أى ليسهل ولتكملوا، أو لتعلموا ما تعملون ولتكملوا، ولا يخفى أن أمر الله ونهيه متخلفان بأمر المكلف ولا يمتثل وينهاه ولا ينتهى، وإرادته لا تتخلف، كما قال أو حيان ردا منه على المعتزلة، فلا يجوز العطف على اليسر بزيادة اللام، هكذا يريد الله بكم اليسر، وتكميل العدة فقد لا يكملها ولا يكبر الله، وقد قصى الله بالتكميل والكبير، هذا باطل لا يصح إلا أن يتكلف بتأويل الإرادة هنا بالأمر، وصائم رمضان يثاب على ثلاثين يوما ولو نقص الشهر لأنه نوى إن تم صامه تاما.
[2.186]
قالت جماعة من العرب، أو أعرابى، لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه، أى ندعوه سرا، أم يعيد فنناديه، أى تجهر له، فنزل قوله تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } بعلمى بهم وبأحوالهم، ونفعى لهم وإجابة دعائهم، والله قريب، سأل العباد عنه أم لم يسألوا، ولكن المعنى، وإذا سألك عبادى عنى فقل لهم عنى إنى قريب، سألوه عن القرب والبعد الحسيين، لأنهم حديثو عهد بالإسلام، ولا سيما إذا قلنا إن السائل أعرابى، فإن البدوى كثير الجهل، وأجابهم بأنه قريب قربا معنويا، ويحتمل أنهم مشركون سألوه عن القرب والبعد حسا، فأجابهم بالقرب المعنوى، ولا يبعده قوله تعالى: { وإذا سألك عبادي عني } لأنه يحبب الإسلام إلى المشركين بهذا. وبما هو أعظم فليس كما قيل إن قوله عبادى وقولهم فنناجيه يبعد كون السائلين مشركين، وقيل سألوه عن القرب والبعد المعنويين، وهم مسلمون، ورجحه بعض، وهما قرب الإجابة وبعدها. وإذا قلنا السائل واحد فالجمع لكون الحكم يعم السائل وغيره ، والسؤال لا يختص به، وربما سأل غيره ولذا قال إذا، مع أنه قد وقع السؤال من واحد أو جماعة، ويجوز أن تكون إذا لتنزيل حال النزول منزلة ما تقدم عن السؤال { أجيب } بإعطاء المطلوب { دعوة الداع إذا دعان } تفسير للقرب المذكور فى الآية خصوصا. وإن أريد به عموم أنه عالم، فهذا تقرير له، وعلى الوجهين هو وعد بالإجابة ولا يشكل تخلفها لحكمة فقد تتخلف مطلقا، وقد تتخلف إلى بدل، قال صلى الله عليه وسلم:
" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله تبارك وتعالى إحدى ثلاث، إما أن يعجل دعوته، وإما أن يدخر له، وإما أن يكف عنه من السوء مثلها "
{ فليستجيبوا لي } بالطاعة كما أجيب دعاءكم أو ليطلبوا إجابتى { وليؤمنوا بي } إن كانوا مشركين ليدوموا على الإيمان إن كانوا موحدين { لعلهم يرشدون } يهتدون إلى مصالحهم الدينية والدنيوية.
نامعلوم صفحہ