{ إذ } بدل من إذ باعتبار مدخوليها أو متعلق بشديد أو مفعول لا ذكر { تبرأ الذين اتبعوا } ادعى الرؤساء المتبوعون براءة ذمتهم { من الذين اتبعوا } من ذنوب التابعين، لهم بأن قولوا ما أضللناكم أو ما قهرناكم على الضلال، بل اخترتموه، تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون { ورأوا } عطف على تبرأ أو حال، أو والحال أنهم قد رأوا { العذاب وتقطعت } زالت كما يقال تمزقت بهم الطرق أى فرقتهم { الأسباب } الأمور التى يتوصلون بها إلى مرادهم، من دين الباطل وسائر الأغراض، كما يتوصل بالحبال من القرابة والمودة والجوار والأموال، فليسوا ينجون بها يوم القيامة، ولو نفعتهم فى الدنيا، والسبب الحبل مطلقا، أو الذى يتوصل به إلى الماء، أو الذى تعلق بالسقف أو الذى ترتقى به النخلة، فهو استغارة أصلية تحقيقية تصريحية والقرينة حالية.
[2.167]
{ وقال الذين اتبعوا } هؤلاء الرؤساء { لو } ثبت { أن لنا } معشر التابعين والمتبوعين { كرة } أى رجعة إلى الدنيا " فنتبرأ منهم " فى الدنيا إذا رجعنا إليها نحن وهم، فلا نتابعهم على الكفر إذا دعونا إليه. فعدم المتابعة بعد الرجوع هو تبرؤهم منهم، أو نتبرأ من دينهم إذا رجعنا إلى الآخرة مسلمين بعد الرجوع إلى الدنيا، ورجعوا إليها كافرين، أو لو أن لنا رجعة إلى الدنيا فنسلم ونرجع إلى الآخرة وهم باقون فيها لم يرجعوا، فنتبرأ من دينهم، ولو للتمنى، ونصب نتبرأ فى جوابه، ولا يلزم من التشبيه أن يكون تبرؤ التابعين من جنس تبرؤ المتبوعين، فقد تخالفا؛ إذ تبرؤ المتبوعين بقولهم لم نقهركم على الضلال، وتبرؤ التابعين بقولهم لسنا على دينكم لو رجعوا إلى الدنيا وأصحلوا، أو يجوز أن يكون المتبوعون الأصنام إذ عظموهم وجعلوهم كالعقلاء فى الآخرة، ما كنتم إيانا تعبدون، تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون { كما تبرءوا منا } كما تبرأ هؤلاء الرؤساء المتبوعون منا معشر التابعين، بأن قالوا: إنا بريئون من ذنوبكم، ما أضللناكم أو ما قهرناكم على الضلال، بل اخترتموه، وذلك مجازاة لهم، إذ غاظهم تبرؤ الرؤساء المتبوعين، فأرادوا أن يغيظوهم بالتبرؤ، بأن يرجعوا إلى الدنيا ويسلموا، فيقولوا لسنا على دينكم، ويبقى الرؤساء المتبوعين على الكفر، وذلك إغاظة فى الدنيا أو يوم القيامة، إذا رجعوا إلى الآخرة من الدنيا التى رجعوا إليها { كذلك } أى مثل ما ذكر من رؤية العذاب ومن تبرؤ المتبوعين من التابعين، وذلك أنه يجوز أن يقال قمت كما قعدت، أى فعلت القيام كما فعلت القعود، فلا يضر أن التبرؤ لم تسلط عليه الرؤية بل لا مانع من أن يقال المراد مثل إرادة العذاب وشدته، وتبرؤهم لأن ذلك كله يرونه. ولو لم يذكر رؤية كل ذلك فى الآية، فكيون التذكير بتأويل ما ذكر أو يشار إلى الإرءاء بهمزتين بينهما ألف، وهى عين الكلمة منلزة حرف العلة، فيكون من باب إقامة، لكن، لأنا قدرناه مضافا، فهو مذكر كقوله تعالى:
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
[النور: 37]، والمعنى على كل حال كما أراهم ذلك { يريهم الله } يعلمهم أو يجعلهم رائين بأبصارهم باعتبار الأثر { أعملهم حسرات } وجبات ندمات فى حزن وتلهف، فالحسرة أخص من الندم مترادفان { عليهم } متعلق بحسرات، أو نعته، لأن المعنى مضرات عليهم، أو المراد حسرات على خبثهم إفراطا وتفريطا { وما هم بمخرجين من النار } ولو وجدوا لخرجوا بأنفسهم ولو بلا إخراج، بخلاف أهل الجنة فإنهم لا يخرجون منها إلا بإخراج مخرج لو كان، لكن لا خروج ولا إخراج، والجملة الاسمية، والباء للمبالغة فى الخلود، وليس فى ذلك حصر، وإذا قيل به فى مثل ذلك فمن دليل عدم خلودهم، وليس فى ذلك صيغة حصر، وأيضا ليس المقام مقام حصر الخلود فى المشرك، حصر قلب أو تعيين، أو إفراد، والمراد نفى أصل الخروج، مثل قوله تعالى:
يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها
[المائدة: 37].
[2.168]
{ يأيها الناس كلوا مما في الأرض حللا } غير محرم كمغصوب، ومسروق، وخمر، وميتة، وما أخذ فى قمار. أو زنا، أو كهانة أو فى معصية ونحو ذلك من المحرمات { طيبا } نعت مؤكد، لأن الحلال، مستلذا أو غير مستلذ. فالآية نزلت ردا على من حرم البحيرة والسائبة، والوصيلة والحامى، من المشركين، وعلى قوم من ثقيف، ومن بنى عامر بن صعصعة وخزاعة، وبنى مدلج، إذ حرموا على أنفسهم التمر والأقط، ويضعف لقوله تعالى:
وأن تقولوا
نامعلوم صفحہ