ثم يبرز حيث لا يراه أنيس فيشرف الله عليه وهو راجع وساجد أن العبد إذا سجد نادى إبليس يا ويلاه أطاع هذا وعصيت وسجد هذا وأبيت وأقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد فأحب الأعمال إلى الله يعنى الذي يحبه من عباده الصلاة ظاهرها وباطنها فظاهرها معروف وباطنها كما ذكرنا دعوة الحق، وهى آخر وصايا الأنبياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أزفت نقلته أوصى إلى وصيه وأمره بأن يقيم الدعوة لنفسه كما كانت له هو فى حياته، فذلك آخر ما يوصى به لأنه لا يوصى بذلك أعنى الدعوة إلى غيره حتى ينقضى أمره، والذي استحسن من الغسل والوضوء فهو فى الباطن كما ذكرنا الطهارة من المعاصى والذنوب والصلاة الدخول فى دعوة الحق وقوله حيث لا يراه أنيس، يعنى حيث لا يطلع عليه ولا يراه أحد من أهل الظاهر وركوعه وسجوده الإقرار منه والطاعة لولى أمره ولمن نصبه الولى له.
وقوله وأقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد فقد تقدم بيانه وأنه ليس شيء أقرب إلى الله من شيء والمعنى فى القرب منه التقرب إليه بصالح الأعمال، وقول إبليس إذا رأى المؤمن ساجدا أى مطيعا يا ويلاه أطاع هذا وعصيت وسجد هذا وأبيت، بيان ذلك أن السجود الطاعة فى الباطن وإبليس من أبلس أى يئس من رحمة الله لإصراره على معاصيه والإبلاس فى اللغة اليأس فكذلك من غلبته شهوته واستولت عليه شقوته فتمادت به معصيته لا يؤمل الإقلاع عنها ولا يضمر التوبة منها مؤثرا لزوم ذنبه آيسا من رحمة ربه إذا رأى أهل الطاعة والعبادة غبطهم بما هم فيه وعرف فضلهم عليه.
ويتلو ذلك قول أبى جعفر محمد بن على صلى الله عليه وسلم: إذا أحرم العبد المسلم فى صلاته أقبل الله إليه بوجهه ووكل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا فإذا أعرض أعرض الله عنه ووكله إلى الملك، تأويل ذلك أن الإحرام فى الظاهر الدخول فى الصلاة وكذلك هو فى الباطن الدخول فى الحق التى هى باطن الصلاة ووجه الله هو وليه الذي يتوجه به إليه أهل كل زمان لأن الله تعالى لا يوصف بصفات خلقه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وإقبال الله به على من استجاب لدعوته هو نصبه إياه لهم وتوكيل الملك بالمستجيب هو توكيل الذي ملك أمر تقويمه وتبصيره وإرشاده وتربيته والتقاطه القرآن من فيه هو أخذه عهده وميثاقه لإمام زمانه فيأخذ إقراره له
صفحہ 196