هذا حال خواص المحبين ، (1) فافهموا - رحمكم الله - هذا, فإنه من دقائق أسرار التوحيد الغامضة . وإلى هذا المقام أشار - صلى الله عليه وسلم - في خطبته لما قدم المدينة حيث قال : - أحبوا الله من كل قلوبكم - ، (2) وقد ذكرها ابن إسحاق وغيره .
فإن من امتلأ قلبه من محبة الله لم يكن فيه فراغ لشيء من إرادات النفس والهوى ، وإلى ذلك أشار القائل بقوله
أروح وقد ختمت على فؤادي
فلو أني استطعت غضضت طرفي
أحبك لا ببعضي بل بكلي
وفي الأحباب مخصوص بوجد
إذا اشتبكت دموع في خدود ... بحبك أن يحل به سواكا
فلم أنظر به حتى أراكا
وإن لم يبق حبك لي حراكا
وآخر يدعي معه اشتراكا
تبين من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب وجدا ... وينطق بالهوى من قد تشاكى
متى بقي للمحب من نفسه حظ فما بيده من المحبة إلا الدعوى, إنما المحب من يفنى عن نفسه كله ، ويبقى بحبيبه, " فبي يسمع ، وبي يبصر ".
صفحہ 42