وكأنهُ لما تبدَّى في المشارقِ خطُّ شارِبْ
وقال الطائي في سواد الليل
إليك هتكنا جنحَ ليلٍ كأنهُ ... قد اكتحلتْ منهُ البلادُ بإثمدِ
وقال أبو نواس
أبنْ لي كيفَ صرتَ إلى حريمي ... وجفنُ الليلِ مكتحلٌ بقارِ
وقال آخر
وألقَى الليلُ كلكلهُ عليهِ ... كأنَّ سوادهُ لونُ المدادِ
وقال عبدُ الصمدِ بنُ المعذلِ وهو من حسن الاستعارة المتقارب
أقولُ وجنحُ الدجى ملبَدٌ ... ولليلِ في كلِّ فجٍ يدُ
وقال ذو الرمة
ودويةٍ مثل السماء اعتسفتها ... وقدْ صبغَ الليلُ الحصى بسوادِ
وقال أيضًا
ألمتْ بنا والليلُ داجٍ كأنهُ ... جناحا غرابٍ عنهُ قد نفضا القطرا
وقال ابنُ المعتز
يا ربَّ ليلٍ كجناحِ الناعقِ ... قد خضتهُ قبلَ طلوعِ الشارقِ
وقال أيضًا
يا ربَّ ليلٍ اسودِ الجلبابِ ... ملتحفٍ بخافقي غرابِ
وقال ذو الرمة
وليلٍ كجلبابِ العروسِ ادَّرعتهُ ... بأربعةٍ والشخصُ في العينِ واحدُ
احمُّ علافيٌّ وأبيضُ صارمٌ ... وعيسُ مهريٌّ وأروعُ ماجدُ
وقال البحتري نحوه
يا خليليَّ بالهواجرِ منْ معنِ ... بنِ عوفٍ وبحترِ بن عتودِ
اطلبا ثالثًا سوايَ فإني ... رابعُ العيسِ والدجى والبيدِ
باب) ٤ (في
الحرباء
ومن حسن التشبيه بالحرباء قول ذي الرمة يصف أرضًا
ودويةٍ جرداء جداءَ جثمتْ ... بها هبواتُ الصيفِ منْ كلِ جانبِ
كأنَّ يديْ حربائها متشمسًا ... يدا مذنبٍ يستغفرُ الله تائبِ
الحرباء دويبة شبيهة بالعظاءة تأتي شجرة تعرف بالتنضبة وما أشبهها من ذوات الأغصان فتمسك بيديها غصنين من الشجرة وتقابل بوجهها عين الشمس وكلما زالت عين الشمس عن ساق خلت الحرباء يدها عنه وأمسكت بساق آخر حتى تغيب الشمس ثم تستخفي وعلى ذلك قول أبي دؤادٍ الإيادي
أنَّى ايتحَ لها حرباءُ تنضبةٍ ... لا يرسلُ الساقَ إلا ممسكًا ساقا
وقال ابن الرومي في قينةٍ
ما بالها قدْ حسنتْ ورقيبُها ... أبدًا قبيحٌ قبحَ الرقباءُ
ما ذاك إلا أنها شمسُ الضحى ... أبدًا يكونُ رقيبها الحرباءُ
وقال ذو الرمةِ
وقد جعل الحرباءُ يصفرُّ لونهُ ... وتخضرُّ من حرِ الهجيرِ غباغبهْ
ويشبحُ بالكفينِ حتى كأنهُ ... أخو فجرةٍ عالَى بهِ الجذعَ صالبُهْ
وقال عبد الله بن المعتز
ومهمهٍ فيه بيضاتُ القطا كسرًا ... كأنها في الأفاحيصِ القواريرُ
كانَّ حرباءهُ والشمسُ تصهرُهُ ... صالٍ دنا من لهيبِ النارِ مقرورُ
ومن حسن الاستعارة فيه قول ذي الرمة
يصلي بها الحرباءُ للشمسِ ماثلاُ ... على الجذعِ إلا أنهُ لا يكبرُ
إذا حولَ الظلَّ العشيُّ رأيتهُ ... حنيفًا وفي قرنِ الضحى ينتصرُ
خبرَ أنه يدور بإزاء الشمس حيث دارت وقال البحتري في بابك وقد صلب
مستشرفًا للشمسِ منتصبًا لها ... في أخريات الجذعِ كالحرباء
باب) ٥ (في
المصلوب
وقد شبهت الشعراء المصلوب فأكثروا فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشدناه من قول أبي كبر محمد بن عبد الله الأخيطل الواسطي المعروف ببرقوقاء في وصفه يوم الفراق
كأنه عاشقٌ قد مد بسطته ... يوم الوداعِ إلى توديعِ مرتحلِ
أو قائمٌ من نعاسٍ فيه لوثتهُ ... مداومٌ لتمطيه من الكسل
وقال الطائي في بابك
أهدى لمتنِ الجذعِ متنيهِ كذا ... منْ عافَ متنَ الأسمرِ العسالِ
سامٍ كأنَّ الجذعَ يجذبُ ضبعهُ ... وسموهُ من ذلةٍ وسفالِ
لا كعبَ أسفلُ موضعًا منْ كعبهِ ... مع أنهُ عن كلِ كعبٍ عالِ
وقال ابنُ الرومي
كنَّ لهُ في الوِ حبلًا يبوعهُ ... إذا ما انقضى حبلٌ أتيحَ له حبلُ
يعانقُ أنفاسَ الرياحِ بسحرةٍ ... وداعَ رحيلٍ ما يخطُّ لهُ رحلُ
وقال الطائي
ولقدْ شفَى الأحشاءَ من برحائِها ... أنْ صارَ بابكُ جارَ مازيارِ
وفي المفتاحِ بعد قوله: ولقد شفى:
ثانيهِ في كبدِ السماءِ ولمْ يكنْ ... كاثنينِ ثانٍ إذْ هما في الغارِ
سودُ اللباسِ كأنما نسجتْ لهمْ ... أيدِي السمومِ مدارعًا من قارِ
1 / 5