وما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون ، قال ابن القيم: فأخبر سبحانه أن الغاية المطلوبة من خلقه هي عبادته التي أصلها كمال محبته، وهو سبحانه، كما أنه يحب أن يعبد ويحب أن يحمد ويثنى عليه ويذكر بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى.
فالله سبحانه يحب نفسه أعظم محبة ويحب من يحبه، وخلق خلقه لذلك، وشرع شرائعه وأنزل كتبه لأجل ذلك.
ويذهب ابن القيم إلى أبعد من هذا؛ فهناك عقد إلهي بين الله وعباده ثمنه الجنة، وفي ذلك يقول: فالله سبحانه خلق عباده له، ولهذا اشترى منهم أنفسهم، وهذا عقد لم يعقده مع خلق غيرهم، وهذا الشراء دليل على أنها محبوبة له، مصطفاة عنده، مرضية لديه، فالسلعة أنت، والله المشتري، والثمن الجنة.
ومحبة الله من أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعصيته؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها.
وإذا ما اقترنت المحبة بالإجلال والتعظيم أدت إلى الانقياد.
والمحبة أنواع: طبيعية مشتركة، كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء، ومحبة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، ومحبة أنس وإلف، وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة. وهذه الأنواع كلها لا تستلزم التعظيم، ولا يتعارض وجودها في الإنسان مع محبة الله، ولهذا كان رسول الله يحب الحلواء والعسل، وكان يحب نساءه، وكانت عائشة أحبهن إليه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق.
أما المحبة التي لا تصلح إلا لله فهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم، قال الله تعالى:
والذين آمنوا أشد حبا لله .
والمحبة تقتضي إيثار المحبوب على غيره، والإيثار نوعان: إيثار معاوضة ومتاجرة، وإيثار حب وإرادة، والمحبة الصادقة في الإيثار الصادر عن الإرادة في إيثار المعاوضة وطلب الحظوظ.
نامعلوم صفحہ