تصوف: روحانی انقلاب
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
اصناف
ولا سمعت أذني خلاف كلامه
1
فإنه يشير إلى الشهود الثاني، والصوفي الأول يرى الآثار الإلهية بعيني رأسه ويشاهد صاحب الآثار بعين قلبه، والثاني غافل عن الآثار وعن نفسه لا يرى سوى الله، وطريق الأول برهاني وطريق الثاني كشفي ذوقي، وفي هذا المعنى يقول أبو يزيد البسطامي: «حججت مرة فرأيت البيت ولم أر صاحبه، وحججت الثانية فرأيت «البيت» وصاحبه، وحججت الثالثة فلم أر البيت ولا صاحبه.» ففي الحالة الأولى رأى أبو يزيد «البيت» ببصره ولم ير صاحب البيت، وذلك هو الغالب في الناس، وفي الحالة الثانية رأى «البيت» ببصره ورأى صاحب البيت بعقله، وهذا طريق النظار، وفي الحالة الثالثة غفل عن نفسه وعن البيت فرأى وحدة مطلقة لا يميز فيها بين الأثر والمؤثر: بين البيت وصاحب البيت، وانمحى في قلبه كل ما سوى الله، وفي هذا المعنى أيضا يقول محمد بن عبد الجبار النفري في كتاب «المواقف»: «وقال لي (أي الله) أدنى علوم القرب أن ترى آثار نظري في كل شيء فيكون أغلب عليك من معرفتك بي»،
2
أي إن أقل درجات المشاهدة أن تراني وأنت تنظر إلى آثاري، وأن تكون هذه الحال أغلب عليك من معرفتك بي. أما أعلى درجات المشاهدة فهي التي تمحى فيها رؤية «السوى» فلا يخطر في القلب إلا الله.
وقد اختلفت عبارات الصوفية في وصف هذا المشهد اختلافا يدل على مدى تفاوتهم في درجات الشهود، فمنهم من يقول: «ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله»، ومنهم من يقول: «ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده، أو معه»، ومنهم من يقول: «ما رأيت سوى الله» وهذا مقام وحدة الشهود وليس تعبيرا عن نظرية وحدة الوجود كما ذكرنا مرارا. إن بناء التصوف برمته يقوم على هذا الأساس: وهو أن فناء الصوفي عن نفسه هو بقاؤه بالله. أو بعبارة أخرى إن من فقد نفسه وجد ربه، وإن حالة الوجد أو الجذب هي وحدها الحال التي يتصل فيها العبد بالله، وليست مسائل التصوف الكبرى مثل «الزهد» و«تصفية النفس» و«المحبة» و«المعرفة» و«الولاية» وغيرها سوى فروع لهذه المسألة الرئيسية، وقد عبر الصوفية عن حال الشهود هذه بألفاظ كثيرة كلها من قبيل المجاز مثل: الفناء و«الوجد» و«الجذب» و«الذوق» و«الشرب» و«الغيبة» و«السكر» و«الحال»، وهي اصطلاحات تدور على ألسنة الصوفية ويعبر بها كل واحد منهم عن الزاوية الخاصة التي ينظر منها إلى تجربته في الشهود، ولكنها لا تعني إلا قليلا لمن لم يجرب تجارب القوم ويذوق أذواقهم. كما أن وصف «الشهود» بأنه سر إلهي يكشفه الله في قلب عبده المؤمن فيراه بعين اليقين، أو أنه نور ينبعث في قلب العبد نتيجة لحبه لله، لا غناء فيه لغير الصوفي الذي انكشف له ذلك السر أو شاهد هذا النور. أما هذه العبارات المجازية فمن شأنها أن تخلع على ذلك المعنى الدقيق اللطيف ثوبا كثيفا من المادية هو أبعد ما يكون عنه.
الولاية في التصوف الإسلامي
الولي لغة القريب والمحب والصديق والنصير والمولى والمالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والجار والحليف والمنعم والمنعم عليه إلخ. فكلمة «الولي» قديمة في اللغة العربية قدم اللغة ذاتها: استعملت قبل الإسلام كما استعملت في القرآن قبل أن يظهر التصوف أو التشيع أو غيرهما من النظم التي استعملت الكلمة فيها فيما بعد.
وربما كان «القرب» هو المعنى البدائي الأول للولاية: لأن اسم الولي كان يطلق على الابن والعم وابن العم وابن الأخت وغير هؤلاء من أقرباء الدم، ولما كانت قرابة الدم تقتضي في الحياة القبلية نصرة القريب ومؤازرته، اكتسبت الولاية منذ البداية معنى النصرة والمؤازرة والحماية وما شاكل ذلك من المعاني، ثم تجاوزت مدلول قرابة الدم إلى مدلول آخر هو القرابة المعنوية كقرابة الجوار وقرابة المحبة وغيرهما.
وقد وردت كلمة «ولي» و«أولياء» في عدد غير قليل من الآيات القرآنية، ووصف الله تعالى نفسه بأنه
نامعلوم صفحہ