عہد اضطراب: عرب قوم کی تاریخ (پانچواں حصہ)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
اصناف
كان لهذه الفتنة التي مزقت وشائج الرحم بين الأخوين عوامل متعددة يمكن إجمالها فيما يلي: (1)
إذا رجعنا إلى نصوص العهد الذي كان قد كتبه الرشيد لأولاده الثلاثة من بعده، نجده عملا غير طبيعي؛ لأن استقلال المأمون بخراسان والولايات الشرقية استقلالا تاما يخوله حق التمتع بخيرات تلك البلاد والسيطرة على أحوالها، يجعله يفكر في الانفصال عن سلطان الخليفة في بغداد، ثم إن حصر سلطان الخليفة في بقعة محددة بجنوب العراق والشام وشبه الجزيرة العربية ومصر - مع ما ينبغي أن يكون للخلافة من سلطان وقوة وعزة - يجعله يطمع في فرض سيطرته على أقاليم أخرى ليست تحت تصرفه؛ لأنه هو «الخليفة الشرعي» صاحب السلطان «الأكمل» على كل أجزاء الدولة الإسلامية، فكيف لا يستطيع أن يسمي قائدا في منطقه أو يحول عاملا من عماله؟ (2)
فشل الفرس في غايتهم التي ساعدوا العباسيين من أجلها لقوة الخلفاء العباسيين الأولين، فانتهزوا هذه الفتنة بين الأخوين وخصوصا المأمون ابن أختهم؛ لأن أمه فارسية، يقول الجهشياري (في كتاب الوزراء والكتاب، ص266): «إن الفضل بن سهل شجع المأمون على الوقوف في وجه أخيه؛ لأنه نازل في أخواله وبيعته في عنقهم، أما الأمين فإن جماعته كانوا من الهاشميين والعرب بصورة عامة مع بعض العناصر الفارسية التي ما كانت تعمل معه إلا لمنافع شخصية.» (3)
أن مطامح الطامعين من الوزراء والمستوزرين كانت قد لعبت دورا خطيرا في إيقاع الفرقة بين الأخوين، كما كان الفضل بن الربيع يشجع الأمين على خلع أخيه أو الفتك به وتقطع أوصال إمارته. (4)
أن الفضل بن الربيع الرجل الخطر الداهية الحذر القوي له يد فعالة ورغبة واضحة في إفساد ملك بني العباس، فهو الذي أوقع بين الرشيد والبرامكة كما رأينا، وهو الذي أوقع بين الأمين والمأمون كما نرى، وهو الذي تخلى عن الأمين حين عاكسه الدهر وأخنى عليه، إلى أن استقر الأمر للمأمون، فظهر من جديد وأراد العود لسيرته الأولى فنافق للمأمون، ولكن المأمون كان أقوى من أن يخدع فأبعده وأهمله واضطره أن يقضي أواخر أيامه بعيدا عن العاصمة حتى مات في طوس سنة 208ه. (5)
أن مطامع الخلفاء في نقل الخلافة إلى أولادهم من بعدهم، كائنا ما كانوا، وعدم إعطائهم الحق لأربابه في ولاية العهد واختيارهم الأفضل والأحزم استئثارا وافتئاتا على الحق، كان سببا لكثير من الفتن التي ضعضعت مركز الدولة وشتتت قواها، ولم نر خليفة له ولد إلا كان يسعى لخلع صاحب الحق من عم أو أخ وابن عم ووضع ولده موضعه غير مراع في ذلك خير الأمة، مع أن الدروس والعبر السابقة كانت كافية لهؤلاء الخلفاء في الاعتبار، ولكنهم ما كانوا يعتبرون. (6)
كان لهذه الفتنة من النتائج المادية والمعنوية شيء كثير، فمن النتائج المادية أنها ضعضعت بيت المال، وأتت على ثروة القصور، وبعثرت نفائسها وشتتت تحفها وأفسدت معالمها، هذا فضلا عن الضرر العام الذي لحق بالعاصمة والأهلين في تجاراتهم ومرافقهم وبيوتهم، أما النتائج المعنوية فهي أنها أحيت من جديد نار العصبية بين الخراسانيين من الفرس بصورة عامة، وبين العرب بصورة خاصة، وعادت الفتنة جذعة فلقي الإسلام والعروبة من مفاسدها ما قلقل أركان الإمبراطورية العربية. (7)
لكل أمر خطر ناحيتان من خير وشر، فالشر في هذا الأمر ما رأينا، والخير هو أن هذه الفتنة أذكت قرائح الشعراء فأنتجوا نتاجا أدبيا رائعا، سواء في تأييد الأمين أو في الحمل عليه وتأييد المأمون، وقد تجلى ذلك في المقطوعات والقصائد الرائعة والآثار الأدبية الجميلة التي حفظها لنا المؤرخون أمثال الطبري واليعقوبي وابن الأثير وابن طباطبا وغيرهم، مما حفظوا لنا في تواريخهم ما يعطينا صورة عن الأدب السياسي والشعبي لذلك العصر، وهو جدير بالبحث والدرس. (5) خاتمته
اختلفت الناس في أمر الأمين اختلافا كبيرا؛ فمنهم من حمل عليه بقسوة واتهم سلوكه وطعن في أخلاقه ومواهبه، قذفه بشتى التهم من فسق وإسراف ولهو، ومنهم - وهم قليل - من دافع عنه وأثنى عليه، وقالوا: إنه، وإن كان يلهو ويسرف، كان حازما مدبرا عاقلا أريبا، ولكن الأعاجم هم الذين أفسدوا عليه أمره، كما شوهوا تاريخه، تقربا لأخيه من جهة، وحطا للجانب العربي من جهة أخرى، وأنا أعجب لمؤرخ مدقق كابن الأثير يقول عن الأمين هذه الكلمة الغريبة: «لم نجد للأمين شيئا في سيرته مما يستحسن ذكره من حلم أو معدلة أو تجربة حتى نذكرها.» فكيف يصدر هذا الحكم القاسي من مؤرخ كابن الأثير وهو العالم بدقائق الأمور الخبير بحقائق التاريخ، ولكن الدعاية المأمونية والأباطيل الشعوبية هي التي استهوته فجعلته يحكم ذلك الحكم الظالم، فالطبري يذكر (في تاريخه، 10: 145): «إن الأمين كان يقضي الليالي الطويلة في النظر بشئون الدولة.» وطاهر بن الحسين خصمه الألد وقاتله يعترف له بالمقدرة والدهاء بعد أن تغلب عليه فيقول: «إنه ليس بالضعيف، ولكنه مخذول» (مروج الذهب للمسعودي، 3: 308)، والطبري يذكر (في التاريخ، 10: 150) أن الأمين حين بعث علي بن عيسى بن ماهان لقتال أخيه أوصاه وصية تدل على عقل وإدارة وحزم، فمما قاله: «امنع جندك من العبث بالرعية والغارة على أهل القرى وقطع الشجر وانتهاك النساء، وول الري يحيى بن علي واضمم إليه جندا كثيفا، ومره ليدفع إلى جنده أرزاقهم مما يجيء من خراجها، وول كل كورة ترجل عنها رجلا من أصحابك، ومن خرج إليك من أهل خراسان ووجوهها فأظهر إكرامه وأحسن جائزته، ولا تعاقب أخا بأخيه، وضع عن أهل خراسان ربع الخراج.»
وبعد؛ فإن الأمين كان ذا مواهب ومزايا، ولكن سوء طالعه وفساد حاشيته وقبح خاتمته قد نقلت محاسنه إلى مساوئ، والناس دوما مع الغالب، وقديما قال الشاعر:
نامعلوم صفحہ