عصر انحطاط: تاریخ امت عرب (حصہ سات)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
اصناف
ومن الفضلاء الذين أعادوا إلى العراق شيئا من نشاطه العلمي في هذه الحقبة المظلمة: الوزير العالم علاء الدين عطاء ملك بن محمد الجوني، وقد تولى العراق في ذي الحجة سنة 657ه وهو من أسرة فارسية عريقة عالمة، وهو أخو الصاحب شمس الدين الجوني وزير هولاكو، وقد استقر في ولاية العراق نحوا من اثنتين وعشرين سنة 657-681ه فرعى أهل العلم، وحاول إعادة الحياة الثقافية الزاهرة إلى العراق في عهده، وكان بالإضافة إلى هذا عالما ومؤرخا ومؤلفا، من أجل آثاره كتابه الفارسي المشهور «جهان كشاي جوني» وهو من أوثق مصادر تاريخ المغول ودولتهم في العراق.
أما المدارس ودور العلم وخزائن الكتب وربط الصوفية فقد أصابها بلاء كبير، وأضحت في بغداد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة بعد أن كانت تتجاوز المئات؛ لأن الناس كانوا منذ عصر الازدهار يتقربون إلى الله وإلى أولي الأمر ببناء دور العبادة والعلم، أو وقف خزائن الكتب، وإشادة دور الحكمة والمدارس ووقف الوقوف عليها، وعلى طلاب العلم فيها، ومن المدارس العظيمة التي بقيت في تلك الحقبة ولم يصبها تلف كبير: النظامية الكبرى، والمستنصرية والبشيرية، وهي من أجل مدارس الإسلام، وقد رأينا عناية نصير الدين الطوسي بأمر هذه المدارس وأوقافها، وتوليته أهل الخير والفضيلة عليها، ومما هو جدير بالذكر أيضا أنه لم يمض وقت حتى عادت حركة إشادة المدارس والربط من جديد بعد النكبة بفترة غير طويلة، فقد شيدت مدارس جليلة منها: المدرسة العصمتية، التي أمرت ببنائها السيدة عصمة الدين زوج الصاحب علاء الدين عطا ملك الجوني بجوار مشهد عبيد الله في ظاهر بغداد، وجعلتها للطلاب على المذاهب الأربعة، ورتبت إلى جوارها رباطا للصوفية، وقد تكامل بناؤها في عام 671ه وغدت من أجل مدارس الإسلام فخامة وأوقافا.
وفي سنة 666ه أمر الصاحب علاء الدين نفسه ببناء رباط كبير جوار مشهد الإمام علي رضي الله عنه، وشرط أن يجاور فيه زوار المشهد المبارك، ووقف عليه الوقوف، ومنح المجاوزين هبات ومنحا كثيرة، وفي سنة 680ه أمر «قطلغ شاه» ببناء رباط للصوفية جوار المشهد الخاص لسلمان الفارسي، وشرط أن يقيم فيه المجاوزون بالمشهد السلماني، ووقف عليه وقوفا، وجعل له أموالا كثيرة ... وهكذا أخذت بغداد تستعيد حركتها العلمية والدينية على الرغم من قسوة ما أصابها من هدم المعاهد، وفقدان المكاتب، ومهاجرة العلماء إلى الأقطار المجاورة كالشام ومصر، ومما هو جدير بالذكر أن العلوم قد انتعشت بعد فترة قصيرة من النكبة، كما ازدهرت الفلسلفة والفنون والصناعات؛ لأن بعض ملوك الدولة المغولية كانوا يحبون الفنون ويشجعون أهلها، يذكر ابن الغوطي في تاريخه في حوادث سنة 683ه أن فيما اشتهر ببغداد أن عز الدولة اليهودي - وهو الفيلسوف المعروف بابن كمونة - صنف كتابا سماه: «الأبحاث عن الملل الثلاث» تعرض فيه لذكر النبوات، وقال ما نعوذ بالله من ذكره، فثار العوام وهاجوا واجتمعوا لكبس داره وقتله، فركب الأمير تمسكاي شحنة العراق - أي صاحب الشرطة - ومجد الدين بن الأثير وجماعة من الحكام إلى المدرسة المستنصرية، واستدعوا قاضي القضاة والمدرسين لتحقيق هذه الحال، وطلبوا ابن كمونة، واتفق ذلك اليوم يوم جمعة، فركب قاضي القضاة للصلاة، فمنعه العوام فعاد إلى المستنصرية، فخرج ابن الأثير ليسكن العوام فأسمعوه أقبح الكلام، ونسبوه إلى التعصب لابن كمونة والذب عنه، فأمر الشحنة بالنداء في بغداد بالمباكرة في غد إلى ظاهر السور لإحراق ابن كمونة، فسكن العوام، ولم يتجدد بعد ذلك له ذكر، أما ابن كمونة فإنه وضع في صندوق مجلد وحمل إلى المحلة، وكان ولده كاتبا بها فأقام أياما وتوفي هناك،
4
فلا شك في أن رجال الدولة وعلماءها قد أقلقهم أن يصاب هذا العالم الفيلسوف أو أن تفتك به العامة؛ فلذلك لجئوا إلى هذه الحيلة فأنقذوا حياته، وفي هذا دليل الحرص على العلماء من أي المذاهب والنحل كانوا، ولو كانت في مؤلفاتهم مخالفة لعقائد الجمهور، وإذا كان هذا حرص رجال الدولة على عالم من علماء اليهود فكيف يكون مع العلماء المسلمين الذين نبغ في هذه الآونة منهم: المهندس البارع نور الدين علي بن تغلب بن أبي الضياء البعلبكي الساعاتي 601-683، وكان مشهورا بعلم الهيئة والنجوم وعمل الساعات الفلكية، والمباحث الهندسية، وهو الذي عمل الساعات المشهورات على باب المدرسة المستنصرية.
والطبيب البارع الأشهر شمس الدين بن الصباغ (؟-683)، وكان فاضلا في علم الطب والحيوان والنبات، وقد مات وله من العمر 106 سنوات وخلف كتبا كثيرة في فنونه.
والفيلسوف المتأله برهان الدين محمد بن محمد النسقي 600-687، وكان أوحد رجال زمانه في علمي الخلاف والفلسفة، وقد أقام ببغداد يفيد أهلها بعد النكبة، وتخرج به جمهرة من رجالاتها كابن الغوطي المؤرخ، وهارون بن الصاحب الوزير الجوني وغيرهما، وله آثار عديدة.
والرياضي الفقيه مظفر الدين أحمد بن نور الدين البعلبكي الساعاتي (؟-694)، وهو ابن المهندس السابق ذكره، وكان مثل أبيه في علوم الرياضة والهندسة، كما كان بارعا بعلوم الخلاف والأصول والفقه، وله كتاب مشهور هو «مجمع البحرين»، وقد ألفه في الفقه على قواعد لم يسبقه إليها مؤلف.
ونحن إذا رحنا نتتبع سيرة الفضلاء من أئمة العلوم الحكمية والفلسفية في هذه الفترة عددنا الكثير، ولكننا نكتفي بهذا الذي أوردنا، أما العلوم الإسلامية: فقد حفظ لنا التاريخ ذكر جمهرة من الفحول السنة أو الشيعة أمثال: أبي المناقب محمود بن أحمد الزنجاني (؟-656)، وكان رئيس الفقهاء الشافعية ببغداد وقاضي قضاتها، برع في علوم الفقه والخلاف والأصوليين والتفسير والحديث.
وعز الدين عبد الرزاق بن أبي بكر الرسغي 589-661 شيخ الحنابلة، وكان بارعا بعلوم الحديث والتفسير، وصنف تفسيرا للقرآن جيدا سماه رموز الكنوز، وكان شيخ الجزيرة في عهده، وولي مشيخة دار الحديث بالموصل.
نامعلوم صفحہ