عصر انحطاط: تاریخ امت عرب (حصہ سات)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
اصناف
الفصل الثاني
الحالة الثقافية في العراق بعد سقوط بغداد
معلوم أن الثقافة العربية الإسلامية قد ارتقت في العصر العباسي رقيا عظيما في كافة الفروع من دين وفلسفة وطب وأدب وخطابة كما بينا في الجزء الخاص بتاريخ تلك الحقبة الزاهرة، فلقد كانت الجوامع والمدارس ومجالس الخلفاء مهوى قلوب الأئمة العلماء، كما كان للخلفاء العباسيين الأولين فضل كبير في نشر العلم لا في العاصمة الإسلامية الكبرى بغداد وحسب؛ بل في كافة أرجاء دولة الخلافة، أما بغداد: فقد غدت في عهدهم طوال خمسة قرون جنة العالم، سواء في حضارتها أو في معاهدها أو في رجالاتها العلماء الأفذاذ الذين خرجتهم وفاخرت بهم في كافة نواحي العلم والأدب والفن.
ولقد استمرت هذه الثقافة تسير صعدا منذ القرن الثالث للهجرة على الرغم من الضعف الذي كان يعتور الأمور السياسية في القرنين العباسيين الرابع والخامس حين غلب الأعاجم والأتراك على أمور الدولة؛ لأنهم اعتنقوا الإسلام، وتعلموا لغته، وأتقنوا آدابها، واهتموا بالثقافة العربية على اعتبار أنها ثقافة إسلامية، فبذلوا وسعهم في ترقيتها، وتوسيع أطرافها، وظلت الحركة العلمية قوية نشيطة حتى في أواخر العهد العباسي، كما أسلفنا، سواء في نواحي العلم أو في الأدب أو في الفنون، فلما نكبت البلاد بالغزو الجاهلي المغولي، واجتاحتها سيوله المخيفة الحمقى، أصاب بغداد ما أصابها من هولاكو وصحبه؛ من تقتيل العلماء، وإحراق دور الكتب، وتهديم مدارس العلم ومعاهد الأدب، على أن هذا الطاغية قد استبقى بعض العلماء ممن كانوا يجيدون لغته أو يتقنون علوم الفلسفة والرياضة والطبيعة التي كانت تعجبه، فأخذهم معه إلى عاصمة ملكه، وأمرهم أن يرصدوا له الكواكب، ويؤلفوا له في الحكمة والفلسفة والعلوم العقلية، ولولا أن رحم الله العلوم العربية والإسلامية برجل فاضل كان معه في حملته، وهو نصير الدين الطوسي الفيلسوف المعروف، لكانت نكبة العراق والإسلام جد فظيعة، فقد اهتم هذا العالم الفيلسوف الفارسي بدور العلم في العراق وحماها، وصان كثيرا من أهلها من الإبادة، وكان كثيرا ما يتردد عليها، ويتصفح أحوال أوقافها، وأمور مساجدها، ودور العلم والربط،
1
ففي سنة 672ه، أقام النصير الطوسي ببغداد فترة ينظر في أمور الوقوف الإسلامية، وإعادة توزيع الطعام على الفقهاء والمدرسين والصوفية المنقطعين لطلب العلم والزهد، وقد أطلق لهم المشاهرات، وقرر القواعد في أمور الأوقاف، وأصلحها بعد اختلالها،
2
على أن هناك شخصا ثانيا اهتم بالنواحي العلمية بعد نكبة بغداد وهو الوزير مؤيد الدين العلقمي، وهو الوزير الذي سقطت بغداد في عهده وعلى يديه، ولعله أراد بهذا الاهتمام العلمي أن يكفر عن بعض ذنبه، ويبعد عنه المزاعم التي شاعت عن مشاركته في المؤامرة ضد الخلافة الإسلامية، فقد رووا أنه أخذ يهتم بدور العلم، وينفق على من بقي من أهله، ويعمر ما تهدم من دوره، ويروي ابن الغوطي في تاريخه عنه أنه عين شهاب الدين بن عبد الله صدرا للوقوف، وتقدم إليه بعمارة جامع الخليفة وكان قد أحرق، وكذا مشهد موسى الجواد، ثم فتح المدارس والربط وأثبت فيها الفقهاء والصوفية، وأجرى عليهم الأخباز والمشاهرات.
3
وقد كان ابن العلقمي هذا أديبا عالما بارعا بالآداب العربية والدين، وكانت عنده خزانة كتب كبيرة فيها عشرة آلاف مجلد، وكان يجمع حوله العلماء ويحسن إليهم، ومن أشهرهم موفق الدين عبد القاهر بن الغوطي مؤرخ بغداد المشهور، وموفق الدين القاسم بن أبي الحديد الأديب الكاتب شارح نهج البلاغة، وقد ألفه باسمه، والإمام الصاغاني اللغوي الأديب المعروف وقد ألف كتابه «العباب» باسمه، والمؤرخ المشهور علي بن أنجب السلامي المعروف بابن الساعي خازن دار كتب المستنصرية، وأحد كبار مؤرخي بغداد، وغيرهم من الأئمة الأجلاء .
نامعلوم صفحہ