وكان النعمان من أشد ملوك العرب نكاية في الأعداء وأبعدهم مغارا، وغزا الشام مرارا كثيرة وأكثر المصائب في أهلها وسبى وغنم وكان ملك فارس ينفذ معه كتيبتين الشهباء وأهلها الفرس، ودوسر وأهلها تنوخ، فكان يغزو بهما من لا يدين له من العرب، وكان صارما حازما ضابطا لملكه وإجتمع له من الأموال والخيول والرقيق ما لم يملكه أحد من ملوك الحيرة، والحيرة يومئذ ساحل الفرات لأن الفرات حينئذ كان يدنو من أطراف البر حتى يصل إلى النجف. فلما أتى إلى الملك النعمان ثلاثون سنة علا مجلسه على الخورنق، وأشرف منه إلى النجف وما يليه من النخل والبساتين والجنان والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي المشرق، فأعجبه ما رأى في البر من الخضرة والنور والانهار الجارية ولقاط الكمأة ورعي الابل وصيد الظباء والأرانب، وفي الفرات من الملاحين والغواصين وصياد السمك، وفي الحيرة من الأموال والخيول ومن يموج فيها من رعيته، ففكر وقال في نفسه: أي درك في هذا الذي قد ملكته اليوم ويملكه غدا غيري؟ فبعث إلى حجابه ونحاهم عن بابه، فلما جن عليه الليل التحف بكساء وساح في الأرض فلم يره أحد؛ وفيه يقول عدي بن زيد يخاطب النعمان بن المنذر:
وتدبر رب الحورنق إذ أشرف يوما وللهدي تفكير سره حاله وكثرة ما يملك والبحر معرضا والسدير فأرعوى قلبه وقال: وما غبطة حي إلى الممات يصير؟
المنذر بن النعمان:
ملك من بعد النعمان الأعور إبنه المنذر بن النعمان، وأمه هند بنت زيد مناة بن زيد بن عمرو الغساني أربعا وأربعين سنة، من ذلك في زمن بهرام جور بن يزدجرد ثماني سنين وتسعة أشهر، وفي زمن يزدجرد بن بهرام خور ثمان عشرة سنة وثلاثة أشهر. وفي زمن فيروز إبن يزدجرد سبع عشرة سنة.
الأسود بن المنذر:
ثم ملك من بعد المنذر إبنه الأسود بن المنذر، وأمه هر بنت النعمان وهي من بني الهيجمانية من لخم عشرين سنة، من ذلك في زمن فيروز إبن يزدجرد عشر سنين، وفي زمن بلاش بن فيروز أربع سنين، وفي زمن قباد بن فيروز ست سنين.
المنذر بن المنذر:
ثم ملك من بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر، وأمه هر أيضا، سبع سنين في زمن قباد بن فيروز، وهو أعلم.
صفحہ 80