تاريخ نجد الحديث وملحقاته
تاريخ نجد الحديث وملحقاته
اصناف
15
باسلة كانت في طليعة العربان تحرضهم على القتال. فجهز محمد علي حملة ثالثة مؤلفة من ألفي جندي وألفين من عرب الحجاز وخمسمائة خيال، كما جاء في البلاغ الذي أرسله بعدئذ إلى أهل المدينة، الشبيه ببلاغات الدولة العلية في الحرب العظمى، وراح هو بنفسه يقود تلك الحملة، فالتقى في بسل بين الطائف وتربة بجيش عظيم، قدره بأربعين ألف من أهل نجد وعسير يقودهم فيصل بن سعود وحليفه طامي بن شعيب (1231ه / 1815م)، التحم الجيشان هناك وكان القتال شديدا من الفجر حتى المساء، فخسر أهل نجد ستمائة من رجالهم وتشتت الباقون، ثم واصل المصريون الزحف إلى تربة فاحتلوها بدون قتال.
وقد جاء في البلاغ الذي أشرت إليه المؤرخ في صفر أن قد غنم الجيش الظافر في وقعة بسل خمسة آلاف خيمة وخمسة آلاف من الجمال ما عدا الأرزاق الكثيرة.
استراح محمد علي قليلا في تربة ثم زحف إلى رنيه وفيها عرب سبيع فسلمت. وبعد أربعة أيام وهو يواصل السير جنوبا بشرق، وصل إلى بيشة
16
مفتاح اليمن الشرقي وفيها بنو سالم فقاوموا يوما وسلموا.
ومن بيشة مشى الظافر إلى جبال عسير، ولكن تلك الانتصارات نهكت الجيش وأفقرته؛ لأنه لم يكن في البلدان التي اكتسحوها شيء يذكر من الغنائم، فقل الزاد، وكثرت المشقات، وكانت الخسائر خصوصا في الركائب كبيرة؛ قيل إنه مات مائة رأس من الخيل في يوم واحد. ترجل محمد علي ومشى مع الماشين وهو يعدهم بالغنائم العظيمة في اليمن. فلما صاروا في جبال زهران بعد خمسة عشر يوما من السير، التقوا بطامي الذي انهزم في وقعة بسل ومعه بضعة آلاف من العربان، فنازلهم محمد علي وكان في الجولة الأولى مهزوما، ثم عاد الكرة عليهم فأخرجهم من معاقلهم في الجبال ودحرهم في القتال فشتت شملهم. ومن غنائم هذه الوقعة أن ابن شعيب أخذ أسيرا ثم أرسل إلى مصر ومنها إلى الآستانة، فضرب عنقه بعد أن شهر في الأسواق هناك.
بعد هذا الفوز في عسير عاد محمد علي إلى مكة فولى فيها أحد رجاله، ثم سافر إلى المدينة ليؤدي الزيارة، وكان قد حج في العام السابق؛ وليطلع على أحوال الحجاز الشمالي . بيد أنه لم يلبث طويلا في المدينة؛ لأن الأخبار التي كانت قد جاءته أنبأت بفتنة في القاهرة وبفرار نبوليون من جزيرة إلبا؛ فسافر فجأة في شهر يونيو سنة 1815 وهو يبغي صون ملكه من الأخطار الداخلية والخارجية.
من حسنات محمد علي في الحجاز أنه وزع كثيرا من المال والأرزاق على المحتاجين، وخفض رسوم الجمرك في جدة، وأبطل الضرائب التي كان قد ضربها الشريف غالب، ومثل بالأشقياء وعاقب بشدة كل من تعدى على الأجانب، بيد أنه لم يحسن عملا في إبقاء جنوده بعسير؛ إذ بعد سفره أعاد عرب ألمع وغامد وزهران الكرة على أولئك الجنود في تهامة وفي الجبال، فدحروهم دحرات متعددة، وردوهم خاسرين برا إلى الطائف وبحرا إلى جدة.
أما طوسون فكان قد جهز حملته على نجد وزحف إلى الرس
نامعلوم صفحہ