ذكر دفنه - رحمه الله وبرد مضجعه-
كان - رحمه الله - قد أوصى أنه إذا مات يدفن في جهة ، عينها لأمرائه ا قريبة من داريا على السابلة . وأن يبنى عليه بناء يبقى أثره على مر الزمان ، ويستوهبله من مر عليه من الله العفو والأمان . فلما توفي - رحمه الله - أجمع رأي الملك السعيد اعلى أن يدفنه داخل دمشق أسوة غيره من الملوك المدفونين بها ، فكتب إلى الأمير عز الدين أيدمر [ الظاهري] ، نايب السلطنة بدمشق ، يأمره أن يختار مكانا في جوار االجامع قريبا من تربة السلطان الملك الكامل وأخيه الملك الأشرف ، فتتبع المواضع الي اقترحت عليه ، فوجد إيوانا مجاورا لتربة الملك الكامل ، وبه بركة ماء ومحراب يصلح ان يكون مدفنا ، فكتب إليه يطالع علمه الشريف بذلك ، فاستشار المولى الصاحب الوزير [ بهاء الدين ابن حنا] فيه ، فأحضر قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين ، وسأله عنه ، لكونه من أهل البلاد الشامية ، فلم يكن عنله من خبره شيء فاستدعاني وسألني عنه ، فعرفته أنه وقف لأن يصلى فيه الصلوات الخمس ، وكتاب وقفه عندي وأشرت عليه بدار العقيقي ، وعرفته من أمرها ما رغبه فيها ، وذلك محضر من الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني ، والأمير سيف الدين بلبان الرومي الدوادار ، فاستصوبا ما رأيت لمعرفتهما بما وصفت ، فتقدم لفي بشرائها من ملاكها فاجتهدت في تحصيل حصصها المتفرقة ، وتتبعتها حتى تكملت ، فابتاعها السلطان الملك السعيد من أجرة ملكه الموقوف عليه ، والخمس الموخوذ من الفرنج ، بثمانية وأربعين ألف درهمأ نقرة . فلما تنجز بيعها تقدم إلى الأمير عز الدين نايبه بدمشق بتغيير معالمها ، وأن تبنى مدرسة يدرس فيها مذهب الإمام أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي ، ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن تابت - رضي الله عنهما - وأن بنى فيها قبة شاهقة سامته يكون بها الضريح ، وأن ينفق فيها ما يتحصل من الجوالي وأجر الملك الملكي السعيدي ، وأن ينصف صناعها بحيث أن لا يبيت أحد منهم وقدا أخر له من آجرته شيء ، فكملت على هذه الشروط وتمت في أحسن صورة وتقويم اجنة أعد فيها لمن يحل بها النعيم المقيم . فلما تمت خرج الأمر المطاع العالي السلطاني الملكي السعيد للأمير علم الدين سنجر المعروف بأبي خرص الحموي الظاهري ، والطواشي الأجل الزاهد صفي الدين جوهر الهندي بأن يتوجها إلى دمشق لدفن السلطان . فلما دخلاها ، واجتمعا بالأمير عز الدين ايدمر ، عرفاه ما جاءا بسببه ، فامتثل الأمر وحمل السلطان من القلعة إلى التربة ليلا على أعناق الرجال ، وكانت ليلة االجمعة خامس شهر رجب ، وهي ليلة الرغايب من هذه السنة .
صفحہ 224