160

تاريخ الملک الظاہر

تاريخ الملك الظاهر

اصناف

والقته عصاها واستقرت بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ذكر مرض السلطان الملك الظاهر ووفاته

لما كان يوم الخميس رابع عشر المحرم، جلس بالجوسق ، على عادته، لشربالقمز ، وبات على هذه الحالة ، وحمله شدة السرور والفرح وحصول البغية والمقترح ، على أن زاد على نفسه ، وتعددى القدر الذي يحصل للنفس غرضها ، ويدواي مرضها فاحس منها فتور التوعك في صبيحة يوم الجمعة ، فشكا ذلك للأمير شمس الدين سنقر الألفي السلاح دار ، فأشار عليه بالقيء ، فاستدعاه ، فاستعصى عليه . فلما كان بعد صلاة الجمعة ركب من الجوسق إلى الميدان على عادته ليزيل عن نفسه خدر التململ ، وفتور التكسل ، والألم مع ذلك يقوى ويزيد . ولم يزل كذلك إلى أن جنحت الشمس لغروب ، فعاد إلى الجوسق ، فلما أصبح اشتكى حرارة في باطنه ، فصنع له بعضخواصه دواء لم يكن عن راي طبيب ليسكن عنه ما به من هيب ، فلم ينجع ، وتضاعف المه، فأمر بإحضار الأطباء ، فلما رأوه أنكروا على من صنع له الدواء، وأجمعوا رأيهم على أن يعالجوه بدواء مسهل يدفع ما في جسمه من الفضلات ، فسقوه فلم ينجع فحركوه بدواء آخر كان مسببا للإفراط في الإسهال ، ودفع دمأ مجتمعا فتضاعف حماه وضعفت قواه ، فتخيل خواصه آن كبده تتقطع ، وأن ذلك عن سم سقيه ، فعولج بالجواهر ، وذلك يوم الثلاثاء عاشره ، ثم جهده المرض إلى أن قضى نحبه وفارق صحبه ، وانتقل إلى رحمة ربه ورضوانه ، وحل في بحبوحة جنانه يوم الخميس ، بعد صلاة الظهر ، الثامن والعشرين من المحرم . فلما نزل به القضاء المحتوم والأمرالمعلوم ، اتفق رأي الأمراء على إخفاء ذلك ، وحمله إلى القاهرة ليلا لثلا يشعر العامة بوفاته ، فيطرقهم من الذعر طوارق آفاته ، ومنعوا من دخل من المماليك من الخروج ، ومن خرج منهم من الدخول . فلما كان آخر الليل حمله من كبراء الأمراء الأمير سيف الدين قلاوون الألفي ، والأمير بدر الدين بيسري الشمسي ، والأمير شمس الدين سنقر الأشقر العلاني ، والأمير بدر الدين بيليك الخزندار ، والأمير عز الدين أيبك الأفرم ، [ وعز الدين الحموي ، وعلم الدين سنجر الحموي أبو خرص] ، وأكابر خواصه) ، وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتكفينه المهتار شجاع الدين عنبر ، والفقيه كمال الدين الإسكندري المؤذن المعروف بابن المنبجي والأمير عز الدين الأفرم أمير جاندار ، ثم جعل في تابوت ، وغلق في بيت من بيوت الحرية بقلعة دمشق إلى أن يحصل الإتفاق على موضع يدفن فيه ، ثم كتب الأمير بدر الدين بيليك الخزندار إلى ولد السلطان الملك السعيد مطالعة بذلك بيده ، وسيرها على يد الأمير بدر الدين بكتوت الجوكان داري الحموي والأمير علاء الدين ايدغمش الحكيمي الجاشني كير ، ولما وصلا وأوصلا المطالعة ، وأنهيا ما معهمامن الرسالة ، خلع عليهما وأعطي كل واحد منهما خمسة آلاف درهم على أن ذلك جزاء لبشارتهما بعود السلطان إلى الديار المصرية . ولما كان صبيحة يوم السبت ركب لاالأمراء ، على عادتهم إلى سوق الخيل ولم يظهروا شيئا من زي الحزن ، بل كانواعاقدين على قلوبهم عقدة الصبر ، رابطين الجأش ثقة بتوفير الأجر ، مع أنه لم يخف لكن منعت من إظهاره الهيبة ، وأمن عراها من الانفصام في الحضور والغيبة .

صفحہ 222