أن أهم أمة في الجزيرة العربية في الثروة والعظمة والآثار في الأرض كانت أمة سبأ، وكان يعاصرها ويضارعها المعينيون وقحطان وحضرموت، وأن هاتي الأمتين «سبأ ومعين» بقيتا سائدتين إلى الزمن الذي ظهرت فيه الدولة الحيمرية، وأن هذه الدولة تغلبت على اليمن وبقيت فيه إلى أن جاء الأحبوش فاستولى على اليمن وأزال ملك الحميريين، وبقيت اليمن خاضعة للحبشة حتى جاء الفرس فأزالوهم عنها وبقيت اليمن تابعة للأكاسرة حتى ظهر الإسلام.
الثالث:
أن تاريخ اليمن وبلاد العرب أجمع لم يكن له منابع سوى العهد القديم وكتابات هيرودوتس واسترابون، ودبودور، وأنختريد، وغيرهم من يونانيين ورومانيين مع بعض تواريخ للعرب أنفسهم بعد الإسلام، مما اختلط فيه التاريخ بالخرافة، فيجب على الناظر في التواريخ العربية أن يجرد الأقاصيص من الأخبار التاريخية، وأن أحسن ما كتب عن جزيرة العرب بأقلام العرب هو كتب الهمداني أي «الإكليل» و«صفة جزيرة العرب».
الرابع:
أن تاريخ العرب الأولين لم يبدأ في الحقيقة إلا منذ بدأ سياج الأوروبيين بالاطلاع على الكتابات المنقوشة على الحجارة وأخذوا ينظرون فيها إلى أن تمكنوا من حلها وفهم معانيها، فمنها ما وافق كتابات المؤرخين ومنها ما اختلف عنها، إلا أن الكتابات قد جاءت بالجملة مؤيدة للتاريخ، ولم يبق شك في صحة المجموعة، وإن يكن وقع اختلاف في التفاصيل، والقضية الأصلية وهي ارتقاء مدنية العرب إلى تلك الدرجة العليا في تلك الأعصر المتوغلة في القدم قد ثبت بالكتابات الحجرية التي أيدت أقوال المؤرخين كما أن أقوال المؤرخين قد أيدتها.
وهذه مسألة يجب أن تكون عبرة ودرسا للذين يحملون جميع ما يتناقله الناس من الأخبار القديمة محمل الأساطير والأقاصيص الوهمية، وهو ظن باطل ورأي قائل، فإنه مهما كان التواتر قد تداخله أقوال عامية وآراء ساذجة فإنه يرجع إلى نصاب صدق في الأصل لا شبهة فيه في مجموعه، وهذه قضية تاريخ جزيرة العرب شاهدة على ذلك، بعد أن جاءت فيها المكتوبات الحجرية معززة للقراطيس والأوراق المخلفة عن اليونان والرومان والعرب، تعزيزا لم يكن لينتظره أحد.
الخامس:
أنه وجد أقوام دخلت إلى جزيرة العرب، كما وجد أقوام خرجت منها وأنه بسبب استيلاء الحبشة على اليمن ثم استيلاء الفرس، قد حصل اختلاط في الدماء في جنوبي الجزيرة، كما حصل اختلاط في شماليها بسبب تقدم الآراميين إلى مدائن صالح وتيماء، وأن النبطيين كانوا أيضا تقدموا من بلاد الشراة إلى شمالي الحجاز.
السادس:
أنه يوجد عرب بائدة وعرب عاربة، وعرب متعربة كما جاء في تواريخ الإسلام، وأن من العرب البائدة عادا وثمود وطسما وجديس، وكلهم نزحوا من اليمن إلى الشمال، وبعضهم يذكر منهم العمالقة، وقد ورد ذكرهم في التوراة، وقد وجدت كتابات آرامية في شمالي الحجاز كمدائن صالح منتشرة على الصخور، ويذهب بعضهم إلى أن هذه الكتابات من بقايا النبط الذين اختلطوا بالعرب، ولذلك يجد فيها الإنسان ألفاظا عربية مع الألفاظ النبطية.
نامعلوم صفحہ