رسم الأشخاص في إنجلترا
جينز بورا. رومني. رايبورن. هوبنر. لورانس. كوفمان
ولد «جينز بورا» سنة 1727 أي قبلما يبلغ «رينولدز» الرابعة من عمره. وقد بقي الاثنان طول حياتهما يتباريان في ميدان الفن مع شيء من التحاسد. ويحكى عن «جينز بورا» أنه وهو صبي صغير كان شغوفا بالرسم حتى إنه شهد ذات مرة رجلا يتسور بستانا للسرقة فرسمه، وكانت هذه الصورة التي رسمها دليلا اهتدت به الشرطة للقبض على السارق. ولكنه لم يكن يستعمل هذه البراعة لمصلحة الأمن العام على الدوام، فقد حدث أنه أراد أن يحصل على إجازة من المدرسة، فأرسل خطابا لناظرها عن لسان أبيه، وأجاد نقل خطه وإمضائه، ونجح في نيل الإجازة. ولكن أباه عرف بعد ذلك حقيقة ما جرى.
ولما رأى أبوه أنه لا ينتفع بالمدرسة؛ إذ يقضي معظم وقته في الرسم، أرسله إلى لندن وهو في الخامسة عشرة حيث تتلمذ لرسام فرنسي يدعى جافلو. وكان في الوقت نفسه طالبا بمدرسة للرسم، فلما حذق شيئا من أصول الرسم التحق بمرسم فرانسيس هيمان فبقي عنده نحو أربع سنوات. وعاد سنة 1745 إلى مدينته الأصلية في ولاية سفوك حيث شرع يرسم بالأجر. وكان رسمه مقصورا على الأشخاص، ولكنه كان من وقت لآخر يرسم المناظر الطبيعية والريفية.
وتزوج «جينز بورا» وهو في التاسعة عشرة بفتاة تدعى «مارجريت بور» وكانت تمتاز فوق الجمال بدخل لا يقل عن مائتي جنيه في العام. وجعل الزوجان مقامهما في مدينة ابزويك حيث اشتغل بالرسم وجنى منه ربحا متوسطا. وكانت معيشته في هذه المدينة سعيدة إذ ولدت له بنتان. وكان يقضي أوقات فراغه من الرسم في التعرف على الكمنجة التي برع فيها أيضا.
وفي سنة 1760 رحل إلى مدينة باث، وكانت إذ ذاك مزار العلية والأغنياء في لندن وسائر المدن الكبرى. وصار يرسم الأشخاص ويرفع من أجوره حتى ازداد دخله. ولكن سعادته البيتية تناقصت بنسبة هذه الزيادة، فإنه تعرف إلى كثير من السيدات اللواتي أثرن الغيرة في نفس زوجته. وزاد شقاؤه عندما اختلت أعصاب زوجته وبنتاه وفسدت قواهن العقلية.
وفي سنة 1768 تعين «عضوا مؤسسا» في الجمعية الملوكية في لندن، ولكنه لم يبرح باث إلا في سنة 1774 حين قصد إلى لندن واستقر فيها.
وكانت شهرته قد سبقته فما هو أن استقر حتى توافد عليه الكبراء والأغنياء يطلبون منه أن يرسمهم، وكلفه الملك برسم شخصه. وهنا بدأت المنافسة بينه وبين «رينولدز» ويقال إن أحسن رسومه وهو «الغلام الأزرق» لم يرسمه بهذا اللون إلا لأن «رينولدز» كان قد حاضر تلاميذه بشأن الألوان فأشار عليهم بألا يكثروا من استعمال اللون الأزرق. فأراد «جينز بورا» أن يناقضه ورسم هذا الرسم الفريد. وكذلك المظنون أنه أكثر من هذا اللون في رسمه الفريد الآخر «المسز سيدونز» لهذا الغرض أيضا.
وكانت «المسز سيدونز» ممثلة بارعة الجمال رسمها كل من «رينولدز» و«جينز بورا». ومن المقابلة بين الرسمين تتضح طريقة كل منهما وعبقريته. وكان عمر الممثلة وقت الرسم حوالي الثامنة والعشرين، ففي الصورة التي رسمها «رينولدز» نجد التأكيد واضحا من ناحية إظهار ذكائها وفهمها. أما «جينز بورا» فقد رسمها امرأة جميلة رشيقة. وكان لكل منهما مهواة تدل على مزاجه الذهني. فقد كان الأدب مهواة «رينولدز». أما «جينز بورا» فلم يكن يهوى سوى الموسيقى. وهو لم يكن يجيد العزف فقط، بل كان أيضا يطرب للسماع. ويحكى عنه أنه سلم أحد العازفين صورة عظيمة لأنه طرب لعزفه.
وقد جمع مالا عظيما من رسمه للأشخاص، أما صوره الريفية والطبيعية فلم تجده شيئا حتى إنه عندما مات كانت جدران منزله كاسية بهذه الصور. ومات سنة 1788 بسرطان ظهر في عنقه. وقد طلب وهو على فراش الموت «رينولدز» واستغفره. لإساءاته الماضية، وقال له: «سنذهب كلنا إلى السماء ومعنا فانديك».
نامعلوم صفحہ