تاریخ فلاسفہ اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
اصناف
لقد اعتبر كثير من علماء المشرقيات دين الإسلام مدنية ذات يقظة ونهضة ووثوب، بدأت بظهور الإسلام ونمت في ظل فتوحه واستكملت قوتها بعد أن شملت كثيرا من شعوب الشرق والغرب؛ هذا لأن الكتاب المنزل على أفصح العرب لم يكن كتاب دين حسب، بل إنه كان مصدرا ومرجعا لنحو ثلاثمائة علم في الشرع، واللغة، والتاريخ والأدب، والطبيعة، والفلك، والفلسفة، وغيرها. ومعظم تلك العلوم نشأ من القرآن نفسه واستنبطه العلماء من نصوصه، وكثير منها تولد خدمة للقرآن ويسمي هذا النوع من العلوم «وسائط» أو «وسائل».
وقد كان لذلك الكتاب أثر شديد في أصحابه، وقد شمل شريعة، وقانونا، وأنظمة سياسية واجتماعية ومدنية، وشيء من هذا لم يوجد في كتاب سواه، بل إن غيره من الكتب ينطوي على تعاليم لمصلحة الحياة الآخرة.
وكثير جدا من نصوص الكتاب المنزل على أفصح العرب يحث أصحابه على طلب العلم والنظر والتأمل والتفكير في خلق السماوات والأرض، وأنظمة الكواكب والأجرام العلوية، واختلاف الليل والنهار، وتغير الرياح، وعجائب البحار، ومعجزة خلق الإنسان وتطوره وتميزه بالعقل والإدراك، وتفضيله على سائر الكائنات، وتسخير الجماد والنبات والحيوان لخدمته فيما ينفعه ويرقي شئونه في سائر ناحيات الحياة المادية والأدبية، عدا عما ورد في هذا الكتاب من حوادث التاريخ وأخبار الأمم البائدة والباقية، فكان من المحتم أن تتفتح أذهان تلك الأمم التي انتحلت هذه العقيدة، واهتدت بهدي كتابها.
وفي معترك تلك الحياة الغنية بالفكر والعلم والتأمل وتنازع البقاء بين القديم والجديد؛ ولدت الفلسفة الإسلامية، فكان الفرق بين اليونان والعرب أن اليونان تفلسفوا في وثنيتهم، فلما دانوا بدين منزل - هو المسيحية السمحاء - زالت فلسفتهم وانقرض حكماؤهم؛ لشدة المعارضة بين عقيدتهم الجديدة والفلسفة، أما العرب فقد كانوا في جاهليتهم ووثنيتهم أبعد الناس من الفلسفة مع معاصريهم لليونان من أقدم الأزمنة، فلما جاءهم الكتاب المنزل على أفصح العرب أخرجهم من ظلمات الجاهلية والوثنية ومن دياجير الجمود الفكري أيضا، وحثهم على الدرس والبحث والنظر، ومهد لهم سبيل الفلسفة.
وانقضى القرن الأول وثلث القرن الثاني من صدر الإسلام في الاستعداد والتجهيز إلى أن جاء العصر العباسي الأول، الذي يعد العصر الذهبي للإسلام، وقد دام مائة عام من 132ه إلى 232ه، وفي هذا العصر الذهبي بلغت دولة الإسلام قمة مجدها في المدنية والغنى والسيادة، وفي تلك المائة نشأ معظم العلوم الإسلامية، ونقلت العلوم الأجنبية إلى اللغة العربية، وكانت بغداد في ذلك العهد أشبه بباريس في عهد لويس الرابع عشر، فكانت قصور الخلفاء آهلة بالعلماء والأطباء والأدباء والشعراء، وكانت سيادة العباسيين على العالم الإسلامي شاملة سائر الأقطار، وكانت أوروبا في ذلك الوقت - وهو النصف الأخير من القرن السابع والنصف الأول من القرن الثامن - في غيابة الجهل والوحشية؛ حتى أن مؤرخي أوروبا أنفسهم يسمون هذا العصر وما سبقه وما لحقه بالقرون المظلمة
The Dark Ages .
على أن نهضة الإسلام لم تكن قاصرة على الأمم التي اعتنقت هذا الدين، بل كانت النهضة شاملة للشرق كله، كأن المبعث هز أركان ذلك الجزء من الكرة الأرضية، فهب من سباته الذي مضت عليه الأجيال المتراكمة، وأخذ ينفض عن نفسه غبار خمول الأجيال السابقة، فنهض الفرس والترك والتتار والهنود، حتى أهل الصين واليابان فإنهم هبوا للإصلاح الأدبي في أثناء ذلك العصر العباسي أو بعده بقليل، فكانت حركة الإسلام كهزات الزلازل تسير في مناطق معينة وتنتقل في دوائر محدودة، ولا يزال مؤرخو الآداب الصينية يذكرون نهضة فحول شعرائهم في القرنين التاسع والعاشر للمسيح، في عهد إمبراطورهم ابن السماء «تنغ»، واشتغل اليابانيون في ذلك العصر أيضا بتهذيب اللغة اليابانية وتنظيم الآداب الاجتماعية، وظهرت فيهم عبقرية الفنون، فكان منهم الشعراء والأدباء والمصورون والمثالون.
وهكذا ما فتئ المشرقان الأقصى والأدنى يتأثران بحركة النهضة التي تظهر في أحدهما فيكون لها صدى في الآخر، وما صدق على القرن التاسع المسيحي، صدق أيضا على نهضة القرن التاسع عشر في الشرقين الأقصى والأدنى.
ومن مميزات هذا العصر العباسي اشتغال الخلفاء والأمراء بالعلم والأدب، وأخبار المنصور والرشيد والمأمون وأقاربهم ووزرائهم وشعرائهم تملأ كتب الأدب والتاريخ العربي، فكان من حياتهم أعظم دافع لاشتغال الرعية بطلب العلم والنبوغ فيه.
ومن مفاخر هذا العهد إطلاق الفكر من قيود التقليد، حتى تعددت البدع وتفرقت الفرق وكثرت النحل، وكان أكثر الخلفاء تسامحا في الدين، المأمون الذي بلغ به تسامحه أنه انتصر للمعتزلة في القول بخلق القرآن. وكانت الأفكار، من حيث الدين، مطلقة الحرية لا يكره الرجل على معتقد أو مذهب، وقد اجتمع ستة إخوة «لأبي جعد»: اثنان منهما يتشيعان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان، وكلهم تحت سقف واحد.
نامعلوم صفحہ