تاریخ فلاسفہ اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
اصناف
فعلى هذا الترتيب تكون الموجودات كلها تقتفي غرض السبب الأول، فالتي أعطيت كل ما به وجودها من أول الأمر فقد احتذى بها من أول أمرها حذو الأول ومقصده، فعادت وصارت فيه في المراتب العالية؛ وأما التي لم تعط من أول الأمر كل ما به وجودها فقد أعطيت قوة تتحرك بها نحو ذلك الذي يتوقع على نيله ويقتفي في ذلك ما هو غرض الأول، وكذلك ينبغي أن تكون المدينة الفاضلة، فإن أجزاءها كل ما ينبغي أن تحتذي بأفعالها حذو مقصد رئيسها الأول على الترتيب، ورئيس المدينة الفاضلة ليس يمكن أن يكون أي إنسان اتفق، لأن الرئاسة إنما تكون بشيئين: أحدهما إنما يكون بالفطرة والطبع معدا لها، والثاني بالهيئة والملكة الإرادية.
والرئاسة التي تحصل لمن فطر بالطبع معدا لها، فليس كل صناعة يمكن أن يرأس بها، بل أكثر الصنائع صنائع يخدم بها في المدينة، وأكثر الفطر هي فطر الخدمة، وفي الصنائع صنائع يرأس بها ويخدم صنائع أخر، وفيها صنائع يخدم بها فقط ولا يرأس بها أصلا؛ فكذلك ليس يمكن أن تكون الصناعة رآسة المدينة الفاضلة أي صناعة ما اتفقت ولا يمكن أي مملكة ما اتفقت.
وكما أن الرئيس الأول في جنس لا يمكن أن يرأسه شيء من ذلك الجنس، مثل رئيس الأعضاء، فإنه هو الذي لا يمكن أن يكون عضوا آخر رئيسا عليه، وكذلك في كل رئيس في الجملة، كذلك رئيس الأول للمدينة الفاضلة ينبغي أن يكون صناعته صناعة نحو غرضها تام الصناعات كلها وإياهم يقصد بجميع أفعال المدينة الفاضلة، ويكون ذلك الإنسان إنسانا لا يكون يرأسه إنسان أصلا، وإنما يكون ذلك الإنسان إنسانا قد استكمل، فصار عقلا ومعقولا بالعقل قد استكملت قوته المتخيلة بالطبع غاية الكمال على ذلك الوجه الذي قلنا، وتكون هذه القوة منه معدة بالطبع لتقبل إما في وقت اليقظة، أو في وقت النوم عن العقل الفعال الجزئيات إما بنفسها، وإما بما يحاكيها، ثم المعقولات بما يحاكيها، وأن يكون عقله المنفعل قد استكمل بالمعقولات كلها، حتى لا يكون تبقى منها شيء وصار عقلا بالفعل.
فأي إنسان استكمل عقله المنفعل بالمعقولات كلها صار عقلا بالفعل، ومعقولا بالفعل، وصار المعقول منه هو الذي يعقل حصل له حينئذ عقل ما بالفعل رتبته فوق العقل المنفعل أتم، وأشد مفارقة للمادة ومقاربة من العقل الفعال ويسمى العقل المستفاد، ويصير متوسطا بين العقل المنفعل وبين العقل الفعال، ولا يكون بينه وبين العقل الفعال شيء آخر، فيكون العقل المنفعل كالمادة، والموضوع للعقل المستفاد والعقل المستفادة كالمادة، والموضوع للعقل الفعال والقوة الناطقة التي هي هيئة طبيعية تكون مادة موضوعة للعقل المنفعل الذي هو بالفعل عقل.
وأول رتبة التي بها الإنسان إنسان هي أن تحصل الهيئة الطبيعية القابلة المعدة لأن يصير عقلا بالفعل، وهذه هي المشتركة للجميع، فبينها وبين العقل الفعال رتبتان: أن يحصل العقل المنفعل بالفعل، وأن يحصل العقل المستفاد، وبين هذا الإنسان الذي بلغ هذا المبلغ من أول رتبة الإنسانية وبين العقل الفعال رتبتان، وإذا جعل العقل المنفعل الكامل والهيئة الطبيعية كشيء واحد على مثال ما يكون المؤتلف من المادة والصورة شيئا واحدا.
وإذا أخذ هذا الإنسان صورة إنسانية هو العقل المنفعل الحاصل بالفعل، كان بينه وبين العقل الفعال رتبة واحدة فقط، وإذا جعلت الهيئة الطبيعية مادة العقل المنفعل الذي صار عقلا بالفعل، والمنفعل مادة المستفاد، والمستفاد مادة العقل الفعال، وأخذت جملة ذلك كشيء واحد. كان هذا الإنسان هو الإنسان الذي حل فيه العقل الفعال، وإذا حصل ذلك في كلا جزئي قوته الناطقة - وهما النظرية والعملية - ثم في قوته المتخيلة، كان هذا الإنسان هو الذي يوحى إليه؛ فيكون الله عز وجل يوحي إليه بتوسط العقل الفعال، فيكون ما يفيض من الله تبارك وتعالى إلى العقل الفعال يفيضه العقل الفعال إلى عقله المنفعل لتوسط العقل المستفاد ثم إلى قوته المتخيلة، فيكون بما يفيض منه إلى عقله المنفعل حكيما فيلسوفا، ومقبلا على التمام، وبما يفيض منه إلى قوته المتخيلة نبيا منذرا بما سيكون، ومخبرا بما هو الآن من الجزئيات بوجود يعقل فيه الإلهيات.
وهذا الإنسان في أكمل مراتب الإنسانية، وفي أعلى درجات السعادة، وتكون نفسه كاملة متحدة بالعقل الفعال على الوجه الذي قلناه.
وهذا الإنسان هو الذي يقف على كل فعل يمكن أن يبلغ به السعادة، فهذا أول شرائط الرئيس ثم أن يكون له مع ذلك قوة بلسانه على جودة التخيل بالقول لكل ما يعلمه، وقدرة على جودة الإرشاد إلى السعادة، وإلى الأعمال التي بها يبلغ السعادة، وأن يكون له مع ذلك جودة ثبات ببدنه لمباشرة أعمال الجزئيات. (19-14) القول كيف تصير هذه القوى والأجزاء نفسا واحدة
فالغاذية الرئيسة شبه المادة للقوة الحاسة الرئيسة. والحاسة صورة في الغاذية، والحاسة الرئيسة شبه مادة للناطقة الرئيسة، والناطقة صورة في المتخيلة، وليست مادة لقوى أخرى ، فهي صورة لكل صورة تقدمتها. وأما النزوعية فإنها تابعة للحاسة الرئيسة، والمتخيلة، والناطقة، على جهة ما توجد الحرارة في النار تابعة لما تتجوهر به النار. فالقلب هو العضو الرئيس الذي لا يرأسه من البدن عضو آخر، ويليه الدماغ فإنه أيضا عضو ما رئيس، ورئاسته ليست رئاسة أولية لكن رئاسة ثانية: وذلك لأنه يرأس سائر الأعضاء، فإنه يخدم القلب في نفسه، وتخدمه سائر الأعضاء بحسب ما هو مقصود القلب بالطبع، وذلك مثل صاحب دار الإنسان؛ فإنه يخدم الإنسان في نفسه وتخدمه سائر أهل داره بحسب ما هو مقصود الإنسان في الأمرين، كأنه يخلفه ويقوم مقامه وينوب عنه، ويبدل فيما ليس يمكن أن يبدله الرئيس، وهو المستولي على خدمة القلب في الشريف من أفعاله.
من ذلك أن القلب ينبوع الحرارة الغريزية، فمنه تنبث في سائر الأعضاء، ومنه تسترفد وذلك بما ينبث فيها عنه من الروح الحيواني الغريزي في العروق الضوارب، ومما يرفدها القلب من الحرارة إنما تبقى الحرارة الغريزية محفوظة على الأعضاء والدماغ هو الذي يعدل الحرارة التي شأنها أن تنفذ إليه من القلب، حتى يكون ما يصل إلى كل عضو من الحرارة معتدلا ملائما له، وهذا أول أفعال الدماغ، وأول شيء يخدم به وأعمها للأعضاء، ومن ذلك أن في الأعصاب صنفين: أحدهما آلات لرواضخ القوة الحاسة الرئيسة التي في القلب في أن يحس كل واحد منها الحس الخاص به، والآخر آلات الأعضاء التي تخدم القوة النزوعية التي في القلب بها يتأتى لها أن تتحرك الحركة الإرادية.
نامعلوم صفحہ