تاریخ فلاسفہ اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
اصناف
ومما ذكره المؤرخون عن ابن تيمية، وهو أعظم أئمة المجتهدين المصلحين أمثال مارتين لوثيروس وكالفين في الغرب، «أنه مات من قطعة هريسة ازدردها» ...
وغنى عن البيان بعد ما تقدم أن من يريد أن يكتب صفحة صحيحة عن عظيم عربي يعرض نفسه لأنواع المشاق والمتاعب. ويحسن بي ذكر ما قاله لي العلامة سانتيلانا أستاذ تاريخ المذاهب الفلسفية في الجامعة المصرية عامة 1911، عند الكلام على تراجم فلاسفة الإسلام، من أنه قد يقرأ الكتاب ذا الصفحات العديدة دون أن يتمكن من تدوين سطر واحد. وروى لي الأستاذ إدوار لامبير أستاذ الحقوق بمدرسة ليون الجامعة، أن جولد زيهر أحد علماء المشرقيات النمسويين قضى أكثر من عشر سنين في تأليف كتابه «في السنة المحمدية»؛ وذلك لتشتت المواد وصعوبة الوصول إلى ما كان يريد جمعه من الأخبار والروايات والأسانيد.
2
لا يمكن تصوير الكندي تصويرا معنويا أو خلقيا ينطبق على الحقيقة انطباقا تاما؛ لأنه لم يترك كتابا ولا رسالة في ترجمة حاله، ولأن المؤرخين لم يذكروا عنه إلا أمورا مبتذلة، ولكن بعض مؤلفاته وبعض أقواله وحال العصر الذي عاش فيه قد تساعد في مجموعها الباحث المدقق، في الوصول إلى الوقوف على ما يقرب من الحقيقة من شئونه.
فمما يذكر عنه وله شأن في هذا المعنى أن الكندي عمر طويلا، ويصح القول بأنه ساير القرن التاسع المسيحي، وهو من أهل المائة الثالثة الهجرية. والفضل في تحقيق ذلك راجع إلى عالمين غربيين هما فلوجل وناجي. أما مؤرخو العرب، وفي مقدمتهم المسعودي، فلم يذكروا عن ميلاده ووفاته شيئا بالتحقيق أو ما يشابهه؛ لأن الكندي توفي بعيدا عن بلاط المتوكل، وقد ردته هذه العزلة إلى الخمول الذي يشمل سائر الأحياء في الأرستقراطيات الشرقية التي لا يظهر فيها إلا كل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بولي الأمر في زمنه.
ويستنتج من أقوال هذين العالمين الغربيين فيما سبق أن الكندي عاش نحو سبعين عاما، وهذا يدل على اعتداله في عيشته واستقامته في أمور حياته الدنيوية، وعلى قوة بنيته الأصلية.
ويؤخذ من أخباره أنه نشأ وترعرع في كنف الخلفاء العباسيين، فقد كان أبوه أميرا على الكوفة لعهد ثلاثة من خلفاء العباسيين، فلما نبت يعقوب لجأ إلى قصور الخلفاء، وقد عاش الكندي كأبيه في ظل ثلاثة من الخلفاء العباسيين، وهم المأمون والمعتصم والمتوكل، وأولهم أعظمهم، وقد مرح الكندي في كنفه ونال من حظوته ما ناله أمثاله العلماء، وكان المأمون أوسع الخلفاء العباسيين صدرا للحكماء وأرحبهم جانبا وأقلهم تشددا وتعصبا.
وقد ندب فيمن ندبوا لنقل العلوم من اليونانية والسريانية إلى العربية، وكان كذلك ينتاب الخلفاء في التطبيب ويخدمهم في التوقيعات الفلكية دون التنجيم، فإنه كان يبغضه وينفر الناس منه، وله مع ابن معشر الشهير حديث طويل أتينا عليه قبلا، وقد عاش أبو يوسف معظم أيامه عيشة هنية في ظلال دواوين الحكومة العباسية لعهد المأمون والمعتصم فتفرغ لدرس فلسفة أرسطو، وأخذ في شرحها والتعليق عليها. فصححت تلك الفلسفة الإغريقية نظره في الأشياء وشحذت من ذهنه ووسعت دائرة معارفه وفكره، وكانت المائة الثالثة الهجرية حافلة بفضلاء المعتزلة وأكابر علماء الكلام والمجتهدين وأحرار الفكر، وقد رماهم بعض المغالين بالإلحاد أمثال النظام والجاحظ وواصل بن عطاء وغيرهم ممن حفل بذكرهم كتابا «الملل والنحل» و«الفرق بين الفرق» للشهرستاني والبغدادي وغيرهما، ولم يكن للكندي بد من الاحتكاك بهم والأخذ عنهم والاستنارة بأفكارهم، فأدخل في كتبه ما شاء العقل الراجح والبصيرة المنورة، مما أخذه عليه الجهال والنوكى فوشوا به عند المتوكل، وكان المتوكل متسرعا فنقم على الكندي ولم يرع خدمته له ولأسلافه من قبل ونكبه في حقوقه وكتبه.
3
بيد أن الكندي على عظم علمهن واتساع نطاق معارفه، وغزارة مادته، وتعدد تواليفه وتصانيفه، وسبقه سواه من العرب إلى درس أرسطو وترجمة كتبه؛ لم يكن عبقريا بالمعنى الصحيح على الرغم مما ذكره غليوم كردانو؛ لأنه لم يكن له مبدأ فلسفي خاص به، بل كان مصنفا يعمم العلم وينشره بشرح أمهات الكتب والتعليق عليها وإدخال مذهب أتباع فيثاغورس وأرسطو في كتبه. فكان إذن عالما ذا مواهب جمة لم تبلغ به سمت الذكاء الإنساني، ولم تنزل به إلى مستوى العلماء المتوسطين، وكانت له في الطب والرياضيات عصمة عن الخرافات والتدجيل.
نامعلوم صفحہ