تاریخ فلاسفہ اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
اصناف
و
ثم استوى إلى السماء وهي دخان
يجب أن لا يتأول شيء من هذا للجمهور ولا يتعرض لتنزيله على غير هذا التمثيل، ومن غير ذلك فقد أبطل الحكمة الشرعية؛ لأن العلماء فضلا عن الجمهور لا يتصورون عقيدة الشرع في العالم، وهي أنه محدث وأنه خلق من غير شيء وفي غير زمان.
فينبغي الاكتفاء بهذا التمثيل، وهو الموجود في القرآن والتوراة وسائر الكتب المنزلة، وأنه لم يثر الشبه في الإسلام إلا أهل الكلام بتصريحهم في الشرع بما لم يأذن به الله، فلا هم اتبعوا ظواهر الشرع فكانوا ممن سعادته ونجاته باتباع الظاهر، ولا هم أيضا لحقوا بمرتبة أهل اليقين فكانوا ممن سعادته في علوم اليقين.
ثم انتقل إلى الكلام على بعث الرسل، وفيه موضعان: الأول إثبات الرسل، والثاني أن الذي يدعي الرسالة واحد منهم وليس بكاذب في دعواه. وأثبت ابن رشد بالمنطق تارة وبآيات القرآن طورا أن الرسل موجودون، وأن الأفعال الخارقة لا توجد إلا منهم، وأن تلك الأفعال الخارقة أو المعجز دليل على تصديق النبي؛ ويقصد ابن رشد بالمعجز شيئين: «المعجز البراني» الذي لا يناسب الصفة التي بها سمي النبي نبيا، ويشبه أن يكون التصديق الواقع من قبل المعجز البراني هو طريق الجمهور فقط، والتصديق من قبل المعجز المناسب طريق مشترك للجمهور والعلماء، فإن الشكوك والاعتراضات التي وجهها ابن رشد على المعجز البراني ليس يشعر بها الجمهور، لكن الشرع إذا تؤمل وجد أنه إنما اعتمد المعجز الأهلي والمناسب لا المعجز البراني.
وانتقل ابن رشد إلى المسألة الثالثة وهي القضاء والقدر. وقد سلم من أول وهلة أنها أعوص مسائل الشرع؛ لأن دلائل السمع والعقل فيها متعارضة. ففي القرآن آيات تدل بعمومها على أن كل شيء بقدر، وأن الإنسان مجبر على أفعاله، وفيه آيات تدل على أن للإنسان اكتسابا بفعله وأنه ليس مجبرا على أفعاله وقد أوردها، وكذلك تلقى الأحاديث في هذا أيضا متعارضة.
وقد افترق المسلمون في هذا إلى فرقتين: الأولى: تعتقد أن اكتساب الإنسان هو سبب المعصية والحسنة، ولمكان هذا ترتب عليه العقاب والثواب، وهي المعتزلة. والثانية: تعتقد أن الإنسان مجبور على أفعاله ومقهور، وهي الجبرية. وقد رامت الأشعرية أن تأتي بقول وسط بين القولين، فقالوا إن للإنسان كسبا، وإن المكتسب به والكسب مخلوقان لله تعالى.
وابن رشد ينتقد آراء الفرق الثلاث ويقول بأن الظاهر من مقصد الشرع ليس تفريق المسموع والمعقول، وإنما قصده الجمع بينهما على التوسط الذي هو الحق في هذه المسألة، وذلك أنه يظهر (كذا) أن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي أضداد، لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء لا يتم لنا إلا بمواتاة الأسباب التي سخرها الله لنا من خارج وزوال العوائق عنها، كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جميعا، فالأفعال المنسوبة إلينا يتم فعلها أيضا بإرادتنا وموافقة الأفعال التي من خارج لها، وهي المعبر عنها بقدر الله.
أما (الأفعال التي من خارج) فهي متممة للأفعال التي نروم فعلها أو عائقة عنها على مقتضى الحال، وهي أيضا السبب الذي يدفعنا لأن نريد أحد المتقابلين أي أحد شيئين مختلفين، وبيان ذلك (وهنا دخل ابن رشد في علم النفس على طريقة قديمة) أن الإرادة إنما هي شوق يحدث لنا عن تخيل ما أو تصديق بشيء، وهذا التصديق ليس هو لاختيارنا بل هو شيء يعرض لنا عن الأمور التي من خارج، مثال ذلك أنه إذا ورد علينا أمر مشتهى من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار فتحركنا إليه، وكذلك إذا طرأ علينا أمر مهروب عنه من خارج كرهناه باضطرار فهربنا منه، وإذا كان هكذا فإرادتنا محفوظة بالأمور التي من خارج ومربوطة بها (وهنا يقرر ابن رشد مذهب الديترمنزم وتأثيره في أفعال الإنسان) ويقول: «ولما كانت الأسباب التي تجري من خارج تجري على نظام محدود وترتيب منضود، فواجب أن تكون أفعالنا تجري على نظام محدود، وليس يوجد هذا الارتباط بين أفعالنا والأسباب التي من خارج فقط، بل وبينها وبين الأسباب الموجودة في داخل أبداننا والنظام المحدود الذي في الأسباب الداخلة والخارجة؛ أعني التي لا تحل هو القضاء والقدر الذي كتبه الله على عباده، وهو اللوح المحفوظ وعلم الله بالأسباب هو العلة في وجودها، وعلمه بها هو علمه بالغيب الذي انفرد به وحده.»
وانتقل ابن رشد إلى الكلام على الجور والعدل، وهي المسألة الرابعة، فتحفز كعادته في مستهل كل بحث للرد على الأشعرية في رأيهم في العدل والجور، ووصفه بأنه في غاية من الشناعة لأنهم ميزوا بين الله والإنسان. فقال إن أفعال الإنسان توصف بأنها عدل أو جور لكونه مكلفا بالشرع، وأما من ليس مكلفا ولا داخلا تحت حجر الشرع فليس يوجد في حقه فعل هو جور أو عدل، بل كل أفعاله عدل. وهذا القول في ذاته صحيح لأن الأفعال بوصف كونها أفعالا مجردة من قيود الأوصاف الشرعية لا يجوز أن تنسب إلى شيء دون آخر، فضلا عن أن الأفعال يجب تقديرها من وجهة النظريات نسبيا بحسب مقتضيات حدوثها زمانا ومكانا ودافعا وسببا وعلة وأثرا.
نامعلوم صفحہ