تاریخ فلاسفہ اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
اصناف
إلى هنا فرغ ابن رشد من تفنيد مقدمة أبي المعالي الأولى، ثم انتقل إلى الثانية فقال إنها غير بينة بنفسها وإنها من أعوص المطالب، ولا يتبينها إلا أهل صناعة البرهان والعلماء الذين خصهم الله بعلمه وقرن شهادتهم بشهادته وملائكته. ويقول بين السطور: «وأنت يا أبا المعالي لست منهم، وكفى على ذلك دليلا أن أفلاطون وأرسطو اختلفا على تلك المقدمة.»
وأخذ ابن رشد نفسه يقدم مقدمات في الإرادة ضرورية لتفهم القضية الثانية التي نحن بصددها، وأعقبها برأي قاطع وهو «أن الظاهر من الشرع أنه لم يتعمق هذا التعمق مع الجمهور، ولذلك لم يصرح لا بإرادة قديمة ولا حادثة، بل صرح بأن الإرادة موجدة موجودات حادثة، وذلك في قوله تعالى
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون . فيتبين من هذا أن الطريقين المشهورين للأشعرية في السلوك إلى معرفة الله ليست طرقا نظرية يقينية ولا شرعية يقينية».
ثم انتقل فيلسوف قرطبة إلى نقد وسائل الصوفية فقال: «إن طرقهم في النظر ليست نظرية (ويقصد بالطرق النظرية المركبة من مقدمات وأقيسة)، إنما طريقتهم إشراقية؛ فهم يزعمون أن معرفة الله وغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس عند تجريدها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالفكر على المطلوب، ولهم في الاحتجاج لتصحيح هذا ظواهر من الشرع كثيرة، مثل قول الله:
واتقوا الله ويعلمكم الله .»
وابن رشد يسلم بوجود هذه الطريقة، ولكنها ليست عامة للناس، لأنها لو كانت عامة ومقصودة لبطلت طريقة النظر وكان وجودها بين الناس عبثا، على أن القرآن كله دعوة إلى النظر والاعتبار وتنبيه على طرق النظر والتأمل والتفكير.
ثم انتقل إلى الكلام على المعتزلة فاعتذر عن الخوض في مذاهبهم بأنه لم يصل إليه في «جزيرة الأندلس» من كتبهم شيء، ولكنه يحسب أن طرقهم يشبه أن تكون من جنس طرق الأشعرية. ونحن نظن أن ابن رشد كتب هذه الجملة بحذر وكياسة؛ رغبة منه في تحاشي الكلام على طرق المعتزلة، لأنه لا يعقل أن تنقطع العلاقة العقلية بينه وبينهم بدعوى عدم وصول كتبهم إلى أرض الأندلس. فإن الذي نقل كتب المتقدمين والمتأخرين إلى مدارس أندلس وجوامعها وبيوتها لا يضن بنقل كتب المعتزلة، وإلا فإن كتب خصومهم من السنيين مشحونة بأخبارهم وآرائهم وشرح طرقهم للرد عليها.
على أننا نترك الأسباب التي دعت ابن رشد لأن يغفل ذكر المعتزلة، وننتقل إلى كلامه على الطريق الشرعية التي اعتبرها الطريق المثلى، فقد قال إن الطريق التي نبه الكتاب العزيز عليها ودعا الكل من بابها، وجدت أنها تنحصر في جنسين. (1)
طريق الوقوف على العناية بالإنسان، وخلق جميع الموجودات من أجلها، ويسميها ابن رشد «دليل العناية». (2)
الطريق الثانية ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء والموجودات مثل اختراع الحياة والجماد والإدراكات الحسية والعقل، ويسميها ابن رشد «دليل الاختراع».
نامعلوم صفحہ