تاریخ فلاسفہ اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
اصناف
قال ابن رشد في «التهافت» إن حكماء العرب المتقدمين يحسبون البعث خرافة، وأن أول من قال به أنبياء بني إسرائيل بعد نبيهم موسى، ثم ورد ذكره في الإنجيل وكتب الصابئين، ودينهم في قول ابن حزم أقدم الأديان، وأن الذي دعا واضعي الأديان إلى القول بالبعث اعتقادهم بقوته في إصلاح البشر وحثهم على الفضيلة حبا في المنفعة الذاتية.
ويرد ابن رشد على الغزالي قوله بأن الروح عارض؛ أي إنها تعود إلى جسمها الذي هلك، وخليق بالغزالي أن يقول بأن الروح خالد؛ أي إنه سيحل بدنا مشابها لبدنه الأول؛ لأن البدن الذي هلك واعتراه الفساد لا يعود ثانية إلى الوجود، وهذان الجسمان أي الهالك والجديد وإن تعددا؛ فواحد بالنظر إلى الجنس والنوع، وهذا القول لا يختلف عن قول أرسطو في كتاب «الكون والفساد» من أن الكائن القابل للهلاك لا يعود مماثلا لذاته بعد هلاكه، ولكن يجوز أن يعود بالنوع الذي كان من جنسه. (37) مذهبه في الأخلاق
لم يكن لابن رشد مذهب في الأخلاق قائم بذاته، ولم يشأ أن يتخذ آداب أرسطو لأنها لا توافق العرب، ولكن أبحاثه العقلية أدت به إلى مناقشة المتكلمين في أساس الأخلاق وهو الخير والشر. قال: يقول علماء الكلام إن الخير بما يريده الله وإنه تعالى لا يريد الخير لسبب قائم بذاته، سابق لإرادته، بل لمجرد إرادته . وإنه تعالى قادر على الجمع بين المتناقضات، وإنه يدبر الكون بغير قيد ولا شرط بل بحرية مطلقة.
ولا يخفى ما في هذا الرأي من الخطأ لأنه يقلب نظام الكون وينقض مذهب العدل الإلهي. ثم انتقل ابن رشد إلى نظرية الحرية فقال: إن الإنسان ليس حرا على الإطلاق ولا مطلقا بغير قيد؛ أي إنه ليس مخيرا وليس مسيرا، وإن الحرية تكمل في نفس الإنسان ولكنها تبقى محدودة بقضاء الأحوال الخارجة. فالعلة المؤثرة في أعمالنا كائنة فينا أما العلة العرضية فخارجة عنا؛ لأن ما يجذبنا مستقل عنا وناشئ عن قوانين طبيعية؛ أي عن العناية الإلهية.
لأجل هذا وردت في القرآن آيات تصف الإنسان تارة بالحرية وطورا بالجبرية وتارة بالتحكم في أعماله، وهي حال وسط بين الأولى والثانية، وقد أوضح ابن رشد هذا المذهب الوسط بين الجبرية والقدرية في كتابه «مناهج الملة». يقول ابن رشد إن المادة الأولى قابلة للتشكل بالمتناقضات كذلك للنفس قوة تقرير مصيرها حيال مختلف الشئون، فهي بذلك حرة. ولكن ليست حريتها تابعة لهواها ولا حادثة عرضا؛ لأن القوى الفعالة في الكون مسئولة عن نظامه، وليست خلتها عدم المبالاة بسير الأمور. والمصادفات لا وجود لها في عالم المؤثرات. (38) فلسفته السياسية والاجتماعية
لم يدرك ابن رشد أن جمهورية أفلاطون كتاب خيالي وضعه فيلسوف واسع التصور في قالب شعري، أو أدرك تلك الحقيقة، ولكنه استصوب تطبيق مبادئ الجمهورية على الأنظمة الاجتماعية، لأجل هذا كانت فلسفته السياسية مستمدة من هذا الكتاب الجميل، فأشار بوضع السلطة في أيدي الشيوخ، وبتعليم الأمة الفضيلة بقوة الفصاحة والشعر والعبارة، ثم قال إن الشعر في ذاته مضر لا سيما شعر العرب، وقال إن الحكومة الكاملة لا تحتاج إلى قاض ولا طبيب، ولا بد من الجيش لحماية الرعية.
ولما كان مجال الكلام في الجمهورية، على العدل والظلم واسعا، فقد تناول ابن رشد ذلك وتكلم عن الظلم فقال: إن الظالم هو الذي يحكم الرعية لمصلحته لا لمصلحتها. وأفظع أنواع الظلم ظلم القساوسة، ثم قال إن حكومة العرب القديمة في صدر الإسلام كانت على نظام جمهورية أفلاطون، ولكن معاوية هدم نظامها وأتلف جمالها بأن خلع سلفه ثم أسس دولة استبدادية، وكان من نتيجة ذلك، تقوض أركان دولة الإسلام وحدوث الفوضى في سائر بلاده ومنها بلاد أندلس. وتكلم عن المرأة فقال إنها تقل عن الرجل في الدرجة لا في الطبيعة: أي كمية لا نوعا، فهي قادرة على ممارسة أعمال الرجال مثل الحرب والفلسفة. ولكن بدرجة أقل من الرجل، وقد تفوقه في بعض الفنون مثل الموسيقى، ويحسن وضع الأنغام بواسطة الرجال وتوقيعها بواسطة النساء، وقال لا بأس إذا حكمن الجمهورية؛ فهن صالحات للحرب وضرب أمثالا بنساء أفريقيا وقال: «إن إناث الكلاب تحرس القطيع مثل ذكورها.»
ثم قال ابن رشد قولا - كأن نفسه أوحت به إلى قاسم أمين بعد موته بنحو تسعمائة سنة - قال: إن حالتنا الاجتماعية لا تؤهلنا للإحاطة بكل ما يعود علينا من منافع المرأة، فهي في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط، وما ذلك إلا لأن حال العبودية التي أنشأنا عليها نساءنا أتلفت مواهبها العظمى، وقضت على اقتدارها العقلي، فلذا لا نرى بين ظهرانينا امرأة ذات فضائل أو على خلق عظيم. وحياتهن تنقضي كما تنقضي حياة النبات. فهن عالة على أزواجهن، وقد كان ذلك سببا في شقاء المدن وهلاكها بؤسا لأن عدد النساء يربو على عدد الرجال ضعفين، فهن ثلثا مجموع السكان، ولكنهن يعشن كالحيوان طفيلي على جسم الثلث الباقي بعجزهن عن تحصيل قوتهن الضروري.
وقد دام الجدال بين علماء اللاهوت وبين أنصار ابن رشد من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر، إلى أن اضطر الباباليون العاشر إلى تكفيرهم بمنشور بابوي إذا هم أصروا على القول برأي ابن رشد، على أن ابن رشد الذي كفر البابا أتباعه لم يكن كافرا بل كان مؤمنا فقد نصح الناس بطاعة الدين في الصبا واحترامه في الشيخوخة.
وقد حاول ما حاوله الفارابي من قبل وهو الجمع بين الدين والفلسفة، فألف في ذلك كتابي فصل المقال ومناهج الأدلة، وقد بلغ ابن رشد بالفلسفة العربية أقصى ما يمكن الوصول إليه، وفسر أرسطو بما لا غاية وراءه. وكان آخر فلاسفة العرب وقد تركت تعاليمه أثرا عظيما لدى اليهود والنصارى، وربما كان هذا الأثر أعظم من أثرها في قومه! (39) واجب الوجود
نامعلوم صفحہ