فإنما ذلك لكثرة الزمان وطوله، ليس للكمية ضد ألبتة، ليس للذرع ضد، ولا للشبر ضد، وكذلك سائر مقادير الكمية. وكذلك من ظن أن الكثير ضد القليل، والكبير ضد الصغير فظنه فاسد، وإنما ذلك من باب الاضافة، إذ ليس في العالم شيء كبير بذاته، ولا صغير بذاته، وإنما الكبير كبير بالإضافة إلى ما هو أصغر منه، والصغير صغير بالإضافة إلى ما هو اكبر منه. ألا ترى الخردلة، وكذلك الأرض صغيرة بالإضافة إلى الفلك، ولا جزء وإن دق إلا ومتوهم [٢٢ ظ] أدق منه. وكذلك الفلك الأعلى الذي لا شيء بالفعل اكبر منه، فالمتوهم في قوة الخالق تعالى الزيادة فيه، وإحداث ما هو اعظم منه. وقد نقول: جبل صغير، وخردلة كبيرة بالإضافة إلى جبل اكبر منه، وبالإضافة إلى خردلة أخرى اصغر منها، فلو كان الصغير ضدا للكبير لكان ضدا لنفسه لأنه كبير من جهة صغير من أخرى، وهذا محال. وهكذا القول في القليل والكثير، ولا فرق، فان المائة قليلة بالإضافة إلى الألف، وكثير بالإضافة إلى العشرة، وهكذا كل عدد فمتوهم الزيادة عليه أبدا. إلا أن كل ما خرج منه إلى الفعل فمتناه (١) أبدا. ولو كان عشرة في مدينة لكان ذلك عددا قليلا جدا، فلو كانوا مع رجل وامرأة في بيت لكانوا عددا كثيرا جدا، وكذلك لو كانوا بنيه.
واعلم أن الكثير والقليل والطويل والقصير والصغير والعظيم والحقير والجليل والدقيق والضخم والضئيل والغليظ والرقيق والجسيم واليسير والتافه والنزر كل هذه من باب الكمية وليس شيء منها موصوف به شيء في العالم على الإطلاق، لكن بالإضافة إلى ما فوقه وما دونه؟ على ما قدمنا -.
والقبل والبعد أيضا مما يقع في العدد لأن الاثنين قبل الثلاثة، وتقع في الزمان، وتقع في الإضافة على ما تذكر في بابها إن شاء الله تعالى.
والكمية هو كل معنى، حسن فيه السؤال بكم، الكمية لا تقبل الأشد ولا الأضعف. لست تقول خمسة من خمسة [في] انها خمسة، ولا أضعف منها في ذلك أيضا، هكذا لا تقول: زمان أشد زمانية من
_________
(١) فمتتناه: فمتناهي.
1 / 51